نظام المضاربه فی الشریعه الاسلامیه الغراآ

اشارة

سرشناسه : سبحانی تبریزی، جعفر، - 1308

عنوان و نام پديدآور : نظام المضاربه فی الشریعه الاسلامیه الغراآ/ تالیف جعفر السبحانی

مشخصات نشر : قم: موسسه الامام الصادق(ع)، 1416ق. = 1374.

مشخصات ظاهری : ص 208

شابک : بها:4000ریال

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس

موضوع : مضاربه (فقه)

رده بندی کنگره : BP191/3/س2ن6 1374

رده بندی دیویی : 297/372

شماره کتابشناسی ملی : م 74-7317

[المقدمة]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، و الصلاة و السلام على أشرف رسله و خاتم أنبيائه، محمّد و آله الطاهرين.

أمّا بعد: فقد طلب منّي غير واحد من حضّار بحوثي الفقهية إلقاء محاضرات في أحكام المضاربة لكثرة الابتلاء بها في هذه الأيام خصوصا بعد قيام الثورة الإسلامية، و التزام البنوك بتطبيق أعمالهم على مقتضى أحكام الشريعة، فراجت المضاربة بينها و بين المراجعين إليها، فنزلت عند رغبتهم، و أرجو أن تكون نافعة بإذنه سبحانه.

المضاربة تجارة طيّبة:

المضاربة تجارة طيّبة مباركة أمضاها الإسلام لإيجاد التعاون بين أصحاب الثروات و العمال، فصاحب المال يسعى بماله و ثروته، و العامل يسعى بعمله و كدّه، و يكون الربح بينهما حسب ما اتّفقا عليه «و ليس كلّ من يملك المال يحسن التجارة، كما ليس لكل من يحسنها، رأس مال فاحتيج إليها من الجانبين فصارت المضاربة ضرورة اجتماعية و لأجل ذلك شرّعها اللّه تعالى لدفع الحاجتين، و للقضاء على كنز الأموال في الصناديق، و تداولها بين الناس من جانب، و اندفاع العمّال إلى مجال العمل من جانب آخر، و في الوقت نفسه هو أفضل طريق لسد باب أكل

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 4

الربا، فصاحب المال و العامل ينتفعان بعقد المضاربة من الربح الذي يستحصله العامل، فهذا ينتفع بعمله، و ذاك برأس ماله الذي هو أيضا عمل مضغوط، كما أنّ ما يقوم به العامل عمل مبسّط، فما ربما ينقل عن بعض المخدوعين من أنّه لا دور لرأس المال و إنّما الدور كلّه للعمل، غفلة عن واقع المال، فإنّ صاحبه ربّما ناله عن طريق العمل شيئا فشيئا حتى بلغ إلى الحالة التي يستعين به العامل في تجارته، و لو علم الناس ما

في المضاربة من الخير و البركة لضربوا عن الربا صفحا.

و المضاربة هو المصداق الواضح لقول الإمام أمير المؤمنين- عليه السلام-: «شاركوا الذي قد أقبل عليه الرزق، فإنّه أخلق للغنى، و أجدر بإقبال الحظّ» «1».

قد كانت الجزيرة العربية، في أغلب المناطق ذات أرض قاحلة و لم يكن للزراعة فيها نشاط بارز، و كان للتجارة هناك دور هامّ خصوصا في أمّ القرى و أطرافها و كانت هي الشغل المهم لسكان هذه المنطقة.

يقول الإمام الصادق- عليه السلام-: «كان للعباس مال مضاربة، فكان يشترط أن لا يركبوا بحرا و لا ينزلوا واديا، فإن فعلتم فأنتم ضامنون، فأبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأجاز شرطه عليهم» «2».

و قد ضاربت السيدة خديجة- رضي اللّه عنها-، رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ضمّت إليه غلامه «ميسرة» ليخدمه في الطريق و يعينه في العمل، فرجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من سفره إلى الشام بربح وافر، و اشترى لها أجناسا كانت الرغبة إليها في مكّة شديدة، فأدّى ذلك- و ما رأت السيدة خديجة منه من مديريّة فائقة و أمانة محمودة- إلى الخطبة و الزواج كما هو مذكور في التاريخ «3».

______________________________

(1)- الوسائل: 13، الباب 7 من أبواب الشركة، الحديث 1.

(2)- الوسائل: 13، الباب 1 من أبواب كتاب المضاربة، الحديث 12.

(3)- السيرة النبوية لابن هشام: 1/ 199. و لم يكن النبيّ أجيرا قطّ بل كان مضاربا.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 5

تعريف المضاربة:

اشارة

عرّفه العلّامة في التذكرة بقوله: «عقد شرّع لتجارة الإنسان بمال غيره بحصة من الربح» «1» فقوله: «بحصة من الربح» يخرج القرض و البضاعة، فإنّهما و المضاربة تجارة بالمال

المأخوذ من الغير، غير أنّه إذا كان الربح للعامل فهو القرض، و إن كان لصاحب المال فهي البضاعة، و إن كان الربح مشتركا بينهما فهي المضاربة.

و أمّا التفاوت فيرجع إلى الاختلاف في كيفية الاتّفاق، فلو دفعه ليكون الربح بينهما فهو مضاربة، و لو دفعه على أن يكون جميعه للعامل فهو داخل في عنوان القرض، و إن دفعه على أن يكون للمالك فهو المسمّى عندهم بالبضاعة.

و بعبارة أخرى: الربح يتبع الأصل إلّا إذا دلّت قرينة على خلافه، ففي القرض، المال للمقترض (العامل) بضمان مثله، فيرجع ربحه إليه لا إلى المالك الأوّل، و في البضاعة، المال للدافع، فيكون الربح له، و يعدل عنه في المضاربة لأجل الاتّفاق على كون الربح بينهما.

و من ذلك يعلم حكم ما إذا دفع مالا إلى الغير ليتّجر من دون أن يشترطا شيئا فليس له من الربح شي ء أخذا بالضابطة: الربح يتبع المال، و أمّا احترام عمل المسلم فإن كان متبرّعا، و إلّا فله أجرة المثل، لاحترام عمل المسلم.

نعم يرد على التعريف أنّ حقيقة المضاربة شي ء و العقد المتكفّل لإنشاء حقيقتها أمر آخر فالعقد سبب لإنشاء المضاربة، و ليس حقيقتها، فلأجل ذلك يجب أن يعرّف بقولنا: اتّفاق شخصين في تجارة على أن يكون من أحدهما المال و من الآخر العمل و يكون سهم من الربح للمال و سهم منه للعمل. هذه هي

______________________________

(1)- التذكرة: 2/ 229.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 6

حقيقة المضاربة، أمّا دور العقد، فله دور إنشائها و إيجادها في عالم الاعتبار.

و بذلك تقف على أنّ تعريف السيد الاصفهاني في الوسيلة و السيد الأستاذ في تحريرها، غير نقي عن الإشكال حيث جاء فيهما قولهما: «و هي عقد واقع بين

شخصين على أن يكون رأس المال في التجارة من أحدهما و العمل من الآخر، و إذا حصل ربح، يكون بينهما» «1».

و هناك إشكال آخر، و هو أنّ العقد منصرف إلى العقد اللفظي مع أنّ المضاربة كما تتحقّق باللفظ، تتحقّق بالفعل و الكتابة.

و عرّفه في الجواهر بقوله: «المضاربة دفع الإنسان إلى غيره مالا ليعمل فيه بحصة من ربحه» «2» و عرّفه في العروة الوثقى ب: «دفع الإنسان مالا إلى غيره ليتّجر به على أن يكون الربح بينهما» «3» و كلاهما مخدوشان، فإنّ المضاربة من الأمور الاعتبارية، و الدفع عمل تكويني خارجي، و عمل بمقتضاه و سيوافيك ما يمكن أن يكون مرادا لهما، و بما أنّه أشبه بشركة البدن و المال عرّفه ابن قدامة بقوله: أن يشترك بدن و مال، و هذه، المضاربة و تسمّى قراضا أيضا، و معناها أن يدفع رجل ماله إلى آخر يتّجر له فيه، على أنّ ما حصل من الربح بينهما حسب ما يشترطانه «4» و لو صحّ ما ذكره ابن قدامة، فالأولى أن يقال: إنّ المضاربة كالمزارعة و المساقاة من مصاديق شركة العمل و المال، غاية الأمر، العمل يكون تارة هو: التجارة، و أخرى: الزرع، و ثالثة: السقي، و عدّ الجميع من مصاف واحد أولى، و جعلها من مصاديق الشركة أتقن.

______________________________

(1)- وسيلة النجاة، كتاب المضاربة: 78. و تبعه سيدنا الأستاذ في تحرير الوسيلة.

(2)- الجواهر: 26/ 338.

(3)- العروة الوثقى: كتاب المضاربة، المقدمة/ 594.

(4)- المغني: 5/ 134.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 7

و يترتّب على ذلك أنّها تكون عندئذ عن العقود اللازمة كسائر أقسام الشركة، لا من العقود الإذنيّة و إن اتّفق عليه الأصحاب و جعلوها من العقود الجائزة. و العجب أنّهم

فرّقوا بينها و بين الأخيرتين، فوصفوا الأولى بالجواز و هما باللزوم، و سيأتي ما يفيدك في المقام.

و على كل تقدير فالعقد سواء كان لفظيا أو فعليا موجد لهذه الحقيقة. كما أنّ الدفع عمل بالاتفاق و تجسيد له، ثم إنّ لفظ المضاربة مصطلح أهل الحجاز، و القراض مصطلح أهل العراق. أمّا الأوّل فربّما يقال بأنّ وجه التسمية هو أنّ العامل يضرب في الأرض للتجارة، و ابتغاء الربح.

يلاحظ عليه: أنّه يستلزم أن تكون المضاربة فعل العامل فقط مع أنّه فعل الاثنين غالبا، بشهادة كونها من باب المفاعلة و إن قال في الجواهر إنّه لم يعثر على اشتقاق أهل اللغة اسما لربّ المال من المضاربة «1»، فالأولى أن يقال إنّها من ضرب كل منهما في الربح بسهم.

و على ما ذكرنا فكل من المالك و العامل مضارب و لا يختص الاسم بالعامل، إلّا أن يقال إذا كان اللفظ في اللغة موضوعا لطرف واحد، فلا يجوز التصرّف فيها و أمّا القراض فهو بمعنى القطع فكان ربّ المال يقطع قسما من ماله و يدفعه إلى العامل للتجارة.

[الفرق بين المضاربة و الربا]

ثم إنّ الوضيعة لما كانت على ربّ المال تفترق المضاربة عن المرابحة بالربا بالوجوه التالية:

1- إنّ الخسران في المضاربة على المالك لا على العامل، بخلاف الربا فإنّ الخسران فيه على المقترض الذي هو بمنزلة العامل.

______________________________

(1)- الجواهر: 26/ 336.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 8

2- ليس للمالك طلب الربح من العامل إذا لم يربح، و هذا بخلاف الربا فله- حسب القوانين العرفية- طلبه من المقترض ربحت التجارة أم لم تربح.

3- ليس الربح مضمونا في المضاربة و لكنّه مضمون في الربا للمقرض.

4- إنّ مقدار الربح- على فرض حصوله- غير معلوم في المضاربة و إنّما

المعلوم هو حصة كل واحد من الربح بعد حصوله، بكونه أنصافا أو أثلاثا أو أرباعا و هذا بخلاف الربا، فإنّ مقدار الربح معيّن حقيقة، حتى و لو قال: لي ثلاثة بالمائة من المال، فإنّه عبارة أخرى عن قوله: أقرضتك ألف دينار على أن تدفع لي كل شهر ثلاثين دينارا.

5- إنّ مقدار الربح في الربا ينسب إلى رأس المال فيقال ثلاثة بالمائة للدائن في كل شهر، و لكنّه في المضاربة ينسب إلى نفس الربح الحاصل بسعي العامل، كنصف الربح و ثلثه و ربعه.

6- ليس للعامل التواني و ترك التجارة في المضاربة و هذا بخلاف باب الاقتراض فله ترك التجارة و صرف المال في عمارة البيت أو في عرسه و عرس بنته.

7- إنّ المال- في المضاربة- بيد العامل أمانة، و هذا بخلاف ما في يد المقترض فإنّه حسب القوانين العرفية يملكه بضمان ردّ المثل في رأس السنة مثلا.

فمن خلط المضاربة بالربا المحرّم، لم يدرس حقيقتهما، و سمعنا من بعض من يدّعي الفضل و المعرفة بالحقوق الإسلامية و العالمية- عند ما كنّا عضوا لمجلس الخبراء لتدوين الدستور للجمهورية الإسلامية- أنّهما يرتضعان من لبن واحد.

يريد بذلك الإطاحة لها و نفيها كنفي الربا.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 9

و تدل على مشروعية المضاربة في الإسلام- مضافا إلى السيرة العملية بين المسلمين الحاكية عن مشروعيّتها- روايات متضافرة حولها و حول شروطها و أحكامها نذكر منها ما يلي:

روى محمد بن مسلم عن أحدهما- عليهما السلام- قال: سألته عن الرجل يعطي المال مضاربة و ينهى أن يخرج به، فخرج قال: «يضمن المال و الربح بينهما» «1».

و روى أبو الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في الرجل يعمل بالمال مضاربة،

قال: «له الربح و ليس عليه من الوضيعة شي ء، إلّا أن يخالف عن شي ء ممّا أمر صاحب المال» «2» إلى غير ذلك من الروايات.

ثم إنّ البحث عن المضاربة يقع في فصول خمسة:

الأول: في عقد المضاربة و أحكامه.

الثاني: في المتعاقدين و شرائطهما.

الثالث: في مال القراض و شروطه.

الرابع: في الربح الحاصل منها.

الخامس: في اللواحق.

و إليك البحث عن الجميع واحدا بعد الآخر.

______________________________

(1)- الوسائل: 13، كتاب المضاربة، الباب 1، الحديث 1 و 3 و لاحظ بقية أحاديث الباب.

(2)- الوسائل: 13، كتاب المضاربة، الباب 1، الحديث 1 و 3 و لاحظ بقية أحاديث الباب.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 11

الفصل الأوّل: في عقد المضاربة و أحكامه

اشارة

يشترط في عقدها كل ما يشترط في سائر العقود كالبيع و الإجارة و العارية و الوديعة من الموالاة بين الإيجاب و القبول، و التنجيز، و غيرهما من الشرائط، فلا حاجة للبحث عنها، و يكفي في المقام كل فعل أو قول دال على اتفاق الطرفين على كون المال من أحدهما و العمل من الآخر، و الربح لهما، و يكفي أن يقول:

ضاربتك على كذا، و يقول الآخر: قبلت.

هذا إذا كان الإنشاء باللفظ، و أمّا إذا كان بالفعل، فيكفي أن يتقاولا حول اتّفاقهما ثم يقوم صاحب المال بدفع المال إلى العامل و يقبله العامل مبنيّا على المقاولة المتقدمة، و عند ذلك يكون الإيجاب و القبول بالفعل و العمل، و لعلّ ما سبق من صاحبي الجواهر و العروة الوثقى من تعريفها بالدفع، ناظر إلى هذه الصورة، و إلّا فالدفع أشبه بالوفاء بالمضاربة كتسليم البيع و تسلّم الثمن اللّذين يعدّان تجسيدا للوفاء بالبيع، إذا سبقهما الإنشاء.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 12

المضاربة عقد جائز أو لازم؟

نعم يبقى هنا بحث، و هو أنّ المضاربة هل هي عقد جائز أو لازم؟ يظهر من التتبع في كلمات الفقهاء من الفريقين اتّفاقهم على الجواز و إليك نماذج من كلماتهم.

قال الشيخ: «و صاحب المال متى أراد أن يأخذ ماله من مضاربه كان له ذلك و لم يكن للمضارب الامتناع عليه من ذلك، و كان له أجرة المثل إلى ذلك الوقت» «1».

و قال ابن البراج: «و القراض من العقود الجائزة في الشريعة بغير خلاف» «2».

و قال ابن حمزة: «و هو عقد جائز بين الطرفين» «3».

و قال ابن إدريس: «و المضاربة عقد جائز من الطرفين لكل واحد منهما فسخه متى شاء» «4».

و قال المحقّق: «و هو جائز من

الطرفين. لكل واحد منهما فسخه سواء نضّ المال أو كان به عروض» «5» إلى غير ذلك من العبارات المتقاربة الحاكية عن اتفاقهم على الجواز.

و قال ابن رشد: أجمع العلماء على أنّ اللزوم ليس من موجبات عقد القراض، و أنّ لكل واحد منهما فسخه ما لم يشرع العامل في القراض، و اختلفوا إذا شرع العامل، فقال مالك: هو لازم و هو عقد يورث فإن مات و كان للمقارض بنون

______________________________

(1)- النهاية: 429.

(2)- المهذب: 1/ 460.

(3)- الوسيلة: 264.

(4)- السرائر: 2/ 409.

(5)- الجواهر: 26/ 340 (قسم المتن).

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 13

أمناء كانوا في القراض مثل أبيهم، و إن لم يكونوا أمناء كان لهم أن يأتوا بأمين، و قال الشافعي و أبو حنيفة: لكل واحد منهم الفسخ إذا شاء، و ليس هو عقد يورث، فمالك ألزمه بعد الشروع في العمل لما فيه من ضرر، و رآه من العقود الموروثة، و الفرقة الثانية شبهت الشروع في العمل بما بعد الشروع في العمل «1».

و قال ابن قدامة: و المضاربة من العقود الجائزة تنفسخ بفسخ أحدهما، أيّهما كان و بموته و جنونه و الحجر عليه لسفه، لأنّه متصرّف في مال غيره بإذنه فهو كالوكيل، و لا فرق بين ما قبل التصرّف و بعده «2».

ثم إنّه ظهر ممّا ذكرنا من كلماتهم معنى الجواز، و هو جواز الفسخ بمعنى أنّه يجوز للمالك الرجوع عن الإذن في التصرّف في ماله و للعامل الامتناع عن العمل في أي وقت كان، و أمّا ما عيّناه للمال و للعمل من الربح فلا يجوز فسخه و الرجوع إلى أجرة المثل بعد ظهور الربح.

و الحاصل أنّ جواز العقد يؤثر في بقائه في المستقبل و عدم بقائه

في المستقبل و لا يؤثر في هدم ما بنيا عليه.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ الدليل على الجواز عدم الخلاف في المسألة. يقول صاحب الجواهر: الإجماع بقسميه عليه و هو الحجة في الخروج عن قاعدة اللزوم «3».

و لكن القائلين بالجواز على أنّه إذا فسخ أحدهما فلو ربحت يشتركان في الربح و إلّا فللعامل أجرة المثل سواء كان الفاسخ هو المالك أو العامل نفسه، و ربما يتخيّل أنّه إذا كان الفاسخ هو العامل، فليس له أجرة المثل لإقدام العامل عليه بمعرفته جواز العقد و إمكان فسخه قبل ظهور الربح.

______________________________

(1)- بداية المجتهد: 2/ 240.

(2)- المغني: 5/ 179.

(3)- الجواهر: 26/ 340.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 14

يلاحظ عليه: أنّ الإقدام مع المعرفة بجواز العقد، شي ء، و الإقدام على التبرّع شي ء آخر، فالأوّل لا يلازم الثاني، و على كل تقدير يجب جبر عمل الساعي عند الفسخ بأجرة المثل.

و يمكن أن يكون وجه الاتفاق على جوازه هو أنّ المضاربة و الوكالة يرتضعان من ثدي واحد، و كلاهما من العقود الإذنية القائمة بالإذن. فإذا ارتفع الإذن، ارتفع الحكم، و هذا هو معنى جواز العقد و مثلهما العارية و الوديعة و ما أشبههما، فالعقود القائمة بالإذن تستتبع جواز التصرّف إلّا إذا ارتفع الإذن بالفسخ.

و لكن عدّ المضاربة من العقود الإذنية، لا يخلو عن إشكال، لو لم نقل إنّه من العقود اللازمة و أنّه من مصاديق الشركة، غاية الأمر، الشركة بين العمل و المال، و إنّ العمل في المقام هو الاتجار و في المزارعة و المساقاة هو الزرع و السقي. فالقول باللزوم هو الأقوى و الإجماع ليس على نحو يكشف عن دليل وصل إليهم و لم يصل إلينا، و لعل مستندهم هو تصوّر

كونها من العقود الإذنية. نضيف إلى ما ذكرنا ما يلي:

1- ما الفرق بينها و بين المزارعة و المساقاة حيث صرّحوا باللزوم فيهما؟

و قالوا: المزارعة من العقود اللازمة و لا تبطل إلّا بالتقايل، أو الفسخ بخيار الشرط، أو بخيار الاشتراط، أي تخلّف بعض الشروط المشترطة على أحدهما.

و قالوا في المساقاة: إنّها لازمة لا تبطل إلّا بالتقايل، أو الفسخ بخيار الشرط، أو تخلّف بعض الشروط، أو لعروض مانع عام موجب للبطلان.

نعم لو كانت المضاربة خالية عن الأجل و قلنا بصحّة مثلها، لا محيص عن كونها جائزة، لأنّ معنى لزومها، في هذه الصورة أن يكون مال الغير في يد العامل دائما و لا يجوز له استرجاعه، كما أنّ معناه في جانب العامل أن يكون هو ما دام العمر في خدمة رب المال و لا يجوز له التحرّر.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 15

هل المضاربة المؤجلة لازمة أو جائزة؟

2- الكلام في المضاربة المعمولة التي لا تنفك عن الأجل، فهل هي لازمة أو جائزة؟ يظهر من الأصحاب الجواز، و لكن يمكن تقريب اللزوم بالبيان التالي و هو:

الف- أنّ الأصل في العقود هو اللزوم كما هو الأصل المحقّق في باب المعاملات، و الجواز يحتاج إلى الدليل، و أمّا الاتفاق فالقدر المتيقّن منه، هو ما إذا كان مطلقا لا مؤجّلا بأجل، و على فرض إطلاقه فإنّ الإجماع هنا إجماع على القاعدة، لأنّهم جعلوها من فروع الوكالة في التصرّف في مال الغير فعطفوها عليها و مثل هذا الإجماع لا يكشف عن دليل وصل إليهم و لم يصل إلينا. و ذلك لعدم الدليل على الفرعية فضلا عن وجود دليل واصل إليهم.

ب- أنّ المصلحة الهامة المترتّبة على المضاربة من خروج الأموال من الكنوز و الصناديق و انجذاب

العمال إلى العمل لا تتحقّق إلّا إذا كانت هناك ثقة بين الطرفين، حيث يثق رب المال بأنّ العامل يعمل بماله إلى مدة محدّدة، و يثق العامل بأنّ رب المال لا يفسخ العقد، و إلّا فلو كان جائزا في المدة المحددة و كان لكلّ فسخ العقد، فلا تبقى ثقة للطرفين، فلا يقومان بها و يكون تشريع المضاربة تشريعا عاطلا قليل الفائدة.

ج- أنّ المضاربة في العرف معاملة لازمة و هي تكشف عن كونها كذلك شرعا، و قد ذكر الشيخ الأنصاري في المتاجر بعد الفراغ من تعريف البيع بأنّه يستكشف من الصحة العرفية، الصحة الشرعية «1» و عليه يستكشف من اللزوم العرفي، كونها كذلك شرعا، فالأقوى هو كونها عقدا لازما إذا كان محددا. نعم يجوز للطرفين التفاسخ و الإقالة كما هو شأن كل عقد لازم.

______________________________

(1)- المكاسب: 80.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 16

إذا شرط عدم الفسخ في المدة المضروبة:

إذا قلنا بأنّ المضاربة المطلقة، و المحدّدة بالمدّة كلتا هما جائزتان، فهل يمكن علاج جوازها باشتراط عدم الفسخ فيها حتى تصير المضاربة لازما بالعرض أولا؟ فله صورتان:

الأولى: أن يشترط على المالك أو العامل أن لا يملكا الفسخ، أو لا يكون لهما حق الفسخ، فلا شك أنّ هذا النوع من الشرط باطل. إنّما الكلام في وجه البطلان فربما يقال كما عليه المحقّق في الشرائع: إنّه مناف لمقتضى العقد «1»، و تبعه السيّد الطباطبائي في العروة «2»، و إن عدل عنه بأنّه مناف لإطلاق العقد لا لمقتضاه، و الظاهر أنّه ليس مخالفا لمقتضاه فلا حاجة إلى الإجابة عنه بما ذكر، لأنّ مقتضى المضاربة نظير كون الربح بينهما أو كون المال من أحدهما و العمل من الآخر، فكل شرط خالف ذلك فهو مخالف لمقتضى العقد، و

نظيره في غير باب المضاربة ما إذا باع بلا ثمن، أو آجر بلا أجرة أو نكح امرأة بشرط أن لا يتمتع بها أصلا، فإنّ كل ذلك مناف لمقتضى العقد، و أمّا اللزوم و الجواز في المضاربة و غيرها فليس من مقتضيات العقد. بل من أحكامه، فلا يصحّ عدّ مثل هذا الشرط منافيا لمقتضى العقد. بل الحق أنّه مخالف للشريعة. و بعبارة أخرى: مخالف للكتاب و السنّة، فإنّ الإجماعات العديدة كاشفة عن وجود نص في المقام دال على أنّ كلّا من العامل و المالك يملك الفسخ، فاشتراط عدمه شرط على خلاف حكم الشريعة المقدّسة.

______________________________

(1)- الجواهر: 26/ 341 (قسم المتن).

(2)- العروة الوثقى: كتاب المضاربة المسألة 2.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 17

الثانية: أن لا يدخل في مجال التشريع و لا يسلب عن الطرفين ملكية الفسخ، و القدرة على هدم العقد بل مع الاعتراف بهذا الحق الشرعي، يشترط عليه أمرا و هو أن لا يفسخ في الأجل المضروب في العقد، و بعبارة أخرى يلتزم بأن لا يستفيد من هذا الحق في المدة المضروبة أو يأخذ من هذا المباح بأحد الطرفين و هو عدم الفسخ، و هذا النوع من الاشتراط ليس مخالفا لمقتضى العقد و لا مخالفا لحكم الشرع و إلّا فلو كان مثل هذا الشرط على خلاف الكتاب و السنّة لأصبح جميع الشروط كذلك، لأنّ الشرط مباح في حد نفسه و للمشروط عليه فعله و تركه، و لكنّه بعد الاشتراط لا محيص له عن الإنجاز، فلو باع داره و شرط على المشتري خياطة الثوب، تلزم عليه الخياطة عملا بالآية الكريمة: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و ليس لأحد أن يعترض و يقول إنّ هذا الشرط مخالف للشريعة، لأنّه كان

فيها مختارا بين الفعل و الترك و الآن أصبح و هي لازمة عليه.

و على ذلك فيمكن أن يتوسّل المضارب و رب المال للوصول إلى الغاية المقصودة بهذا النوع من الاشتراط و بذلك تعلم صحة الشرط و ليس معناه جعل الجائز لازما، بل العقد باق على ما كان عليه، و إنّما اللازم هو أن يفي بالشرط الذي التزم به من الفعل و الترك.

و بذلك يعلم ضعف ما أفاده السيد المحقّق البروجردي- قدّس سرّه- في تعليقته على العروة الوثقى من القول ببطلان الشرط قائلا بأنّه ليس لزومها و عدم فسخها بأي معنى كان ممّا يقبل الاشتراط، و ذلك لما عرفت من أنّ الهدف ليس اشتراط لزوم عقد المضاربة، بل الغاية شرط فعل على المشروط عليه المنتهي إلى تحديده في مجال فسخ العقد، و أين هذا من اشتراط لزوم عقد المضاربة.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 18

الشرط في العقد الجائز جائز:

ربما يقال بأنّه لو سلّمنا صحة الشرط لكنّه لا ينتج المطلوب، لأنّ الشرط جزء من العقد، و ليس له حكم زائد على العقد نفسه، فإذا كان العقد جائزا، فالشرط (عدم الفسخ) يكون جائزا.

هذا ما ذكره الشهيد الثاني في المسالك و قال: القراض من العقود الجائزة لا يلزم الوفاء بها فلا يلزم الوفاء بما شرط في عقدها، لأنّ الشرط كالجزء من العقد فلا يزيد عليه.

و بعبارة أخرى أنّ العمل بالشرط إنّما يجب لو كان العقد موجودا فإذا رفع العقد بالفسخ فلا متبوع حتى يجب العمل بالتابع، و بعبارة ثالثة: الوجوب المشروط لا يقتضي وجود شرطه فينتج: أنّ الشروط في العقود غير اللازمة غير لازمة الوفاء.

تحليل ما ذكره صاحب المسالك:

أقول: يجب علينا توضيح مفاد القاعدة أوّلا، ثم الإجابة عن إشكال صاحب المسالك ثانيا فنقول:

إنّ للضابطة المعروفة: «الشروط في ضمن العقود الجائزة غير لازمة الوفاء» تفسيرين:

الأوّل: ما ذكره صاحب الجواهر و هو: أنّ الشرط الوارد في ضمن العقد الجائز لا يلزم الوفاء به حتى مع عدم فسخ العقد يقول: المراد عدم وجوب الوفاء به، و إن لم يفسخ العقد و أمّا الاستدلال على الوجوب بقوله سبحانه: أَوْفُوا

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 19

بِالْعُقُودِ فغير تام لظهور الأمر فيها بالوجوب المطلق فيتعيّن حملها على العقود اللازمة و تخرج منها العقود الجائزة، كما أنّ الاستدلال بالنبوي، أعني: «المؤمنون عند شروطهم» غير تام، لأنّ المراد منه بيان صحة أصل الاشتراط، و أمّا اللزوم و عدمه فيتبع العقد الذي تضمّن الشرط فإن كان لازما وجب الوفاء بالشرط لكونه حينئذ من توابع العقد، و إلّا لم يجب، بل يكون حينئذ شبيه الوعد «1».

يلاحظ عليه: أنّ الآية تعمّ العقود اللازمة و الجائزة لكن ما دام

الموضوع (العقد) موجودا، لأنّ شأن كل حكم مطلق، مقيّد بوجود الموضوع لبّا، و ليست الآية مطلقة حتى مع قطع النظر عن وجود الموضوع، فبالنظر إلى وجود الموضوع يجب العمل بالشروط، في ضمني العقد اللازم أو الجائز.

و أمّا النبوي فما ذكره في غاية البعد، بل مفاد الحديث عدم انفكاك المؤمنين عن شروطهم و أنّ المؤمن و شرطه توأمان لا ينفكان و هذا هو معنى اللزوم.

الثاني: ما هو المشهور، و هو أنّه يجب الوفاء به ما دام العقد موجودا، نعم لو فسخها سقط الوجوب، فمع وجود الموضوع يلزم العمل بالشرط إلّا إذا رفع الموضوع، و هذا كقولنا: يجب الوضوء و الركوع و السجود في النوافل، أي ما دامت الصلاة، مفروضة الوجود، فهي لا تنفك عنها، و إن كان للمكلّف تركها من رأس.

هذا هو الذي اختاره المشهور و به صرّح السيد الطباطبائي في عروته «2» هذا هو معنى القاعدة، و أمّا الإجابة عن إشكال المسالك- بعد توضيح مفاد القاعدة- فبالبيان التالي:

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 26/ 343.

(2)- العروة الوثقى: كتاب المضاربة، المسألة 2.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 20

استثناء هذا النوع من الشروط من الضابطة:

قد وقفت على معنى الضابطة و أنّ الشرط في العقود الجائزة لازم الوفاء ما لم يفسخ، و لكن هناك قسم من الشروط مستثنى من الضابطة، بل يجب الوفاء به مطلقا و ليس مقيّدا بعدم الفسخ و توضيحه:

أنّ الشروط المأخوذة في العقود على قسمين:

1- ما يرجع إلى طلب فعل من المشروط عليه كخياطة ثوب أو بناء دار فمثل هذا يرجع في البيع و الإجارة و أمثالهما إلى كونه تابعا للثمن أو المثمن، أو العين المستأجرة أو أجرتها و عليه يبتني النزاع المعروف هل يقسط الثمن على الشروط أو لا؟

2- ما

لا يرجع إلى شي ء منهما و إنّما يرجع إلى تحديد اختيار المشروط عليه من غير نظر إلى كونه تبعا لشي ء من أركان العقد، كما إذا باع شيئا مع خيار الفسخ للمشتري و لكن يشترط عليه أنّه لو فسخ يجب عليه دفع ألف دينار إلى البائع، فالغرض من هذا النوع من الشرط هو تحديد خيار المشتري حتى لا يبادر بالفسخ إلّا عن فكر و تدبر فيما يستتبعه الفسخ من الغرامة المعلومة، و لأجل ذلك يتنزل احتمال إقدامه للفسخ إلى درجة نازلة عكس ما إذا لم تجعل عليه تلك الغرامة.

و مثله المقام، فإنّ اشتراط عدم الفسخ على المشروط عليه إنّما هو لتحديد خياره حتى لا يبادر بالفسخ أثناء المدة المؤجلة حتى يحصل للشارط ثقة بأنّ المشروط عليه يستمر على العهد و العقد.

أمّا الشق الأوّل فهو داخل في الضابطة المعروفة و أنّه يتلوّن بلون العقد، فلو كان العقد لازما فيكون الشرط لازم الوفاء مثله، فبما أنّه لا يجوز له نقض العقد، لا يجوز له نقض الشرط و عدم الوفاء به، فالعقد، و الشرط يمشيان جنبا إلى جنب

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 21

و لو كان العقد جائزا يكون حكمه حكم العقد، فإذا كان أصل العقد كالعارية جائزا فالخياطة التابعة للعقد تكون جائزة.

و أمّا القسم الثاني فهو يستقل في الحكم عن العقد و ذلك لأنّ صحّة هذا النوع من الشرط تلازم لزومه و عدم تبعيته للعقد، لأنّ صحة هذا القسم من الشرط لغاية خاصة لا تتحقّق إلّا بلزومه، و مع ذلك فالنتيجة في المثالين مختلفة.

ففي المورد الأوّل يصح الفسخ و لكن لا يبطل الشرط، فإذا فسخ وجب دفع الغرامة و ليس له أن يعتذر و يقول

بأنّ الشرط- دفع الغرامة- تابع للمشروط أي العقد، فإذا ارتفع بالفسخ و ارتفع العمل به، ارتفع الشرط و وجوب العمل به، و ذلك لأنّه لو كان هذا النوع من الشرط تابعا في وجوب الوفاء لوجود العقد تلزم لغويته و عدم حصول الغاية المطلوبة منه، فإنّ الغاية هو إيقاف المشروط عليه عن الإقدام على الفسخ على حد ممكن، فلو لم يجب العمل به بعد الفسخ بحجة أنّه لازم العمل ما دام العقد موجودا، لزمت لغويته، و لأجل ذلك يتخذ الشرط لنفسه وجوبا مستقلا سواء كان العقد موجودا أو لا.

و في المثال الثاني لا يصحّ الفسخ فضلا عن بطلان الشرط، فإنّ اشتراط عدم الفسخ لغاية طلب الثقة، و هذا لا يتحقّق إلّا بعد كونه محكوما باللزوم مستقلا غير تابع للعقد، و إلّا لغى الشرط و ارتفعت الغاية.

فتلخص من ذلك أنّ الشروط على قسمين: شرط يجب العمل به ما دام العقد موجودا، و هو ما يرجع مثلا إلى العين أو الثمن، و شرط يجب العمل به مطلقا لا مقيّدا بوجود العقد و تختلف نتيجته حسب اختلاف الموارد و اختلاف الغاية الداعية إلى جعل الشرط في العقد، فتارة يصح الفسخ و لا يبطل الشرط، و أخرى لا يصح الفسخ فضلا عن بطلان الشرط، و لعلّه إلى ما ذكرنا يشير السيد الطباطبائي في العروة بعد تفسير الضابطة في- الشروط تابعة للعقود- بقوله: و هذا

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 22

يتم في غير الشرط الذي مفاده عدم الفسخ مثل المقام فإنّه يوجب لزوم ذلك العقد «1».

محاولة أخرى لمنع المشروط عليه عن الفسخ:

ثمّ إنّ هناك محاولة أخرى و هو اشتراط عدم فسخها في ضمن عقد آخر، و إلى ذلك يشير السيد الطباطبائي في العروة

الوثقى و يقول: «و لو شرط عدم فسخها في ضمن عقد لازم آخر فلا إشكال في صحة الشرط و لزومه» أمّا الصحة فلما عرفت من أنّ الشرط ليس جعل الجائز لازما، أو سلب حق الفسخ عن المشروط عليه، و إنّما هو طلب فعل شي ء أو ترك منه، أي التزامه باختيار أحد طرفي المباح، و ليس مثل هذا مخالفا للكتاب و السنّة و لا لحكم الشارع بجواز المضاربة.

و أمّا اللزوم فلأنّه- بعد الاشتراط- يكون جزءا من العقد اللازم فيجب الوفاء به.

و منه يظهر أنّه لو شرط في عقد مضاربة، عدم فسخ مضاربة اخرى سابقة صحّ و وجب الوفاء به إلّا أن تفسخ هذه المضاربة فيسقط الوجوب، و هو داخل تحت الضابطة السابقة التي تعرّفت على معناها.

كما أنّه لو اشترط في مضاربة، مضاربة أخرى في مال آخر أو أخذ بضاعة منه، أو قرض أو عدمه وجب الوفاء بالشرط ما دامت المضاربة باقية و إن فسخها، سقط الوجوب، أخذا بما مرّ من أنّ الشروط لازمة الوفاء في العقود الجائزة ما دام العقد باقيا.

______________________________

(1)- العروة الوثقى: كتاب المضاربة، المسألة 2.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 23

المضاربة على الانتفاع من نماء المبيع:

لو شرط أنّ يشتري أصلا يشتركان في نمائه كالشجر أو الغنم، فهل يصح ذلك أو لا؟

قال العلّامة في القواعد: الأقرب الفساد، لأنّ مقتضى القراض التصرّف في رأس المال «1».

و قال المحقّق الثاني في تعليل الفساد: إنّ مقتضى القراض الاسترباح بالتجارة، و ليس موضع النزاع كذلك فلا يصح القراض عليه، و هو الأصح «2».

يلاحظ على التعليل بأنّه إن أريد منه التصرف في رأس المال إجمالا: فقد تصرّف فيه حيث اشترى أصلا له نماء، و إن أراد التصرّف مرّة بعد مرة، بأن يبيع

بعد الشراء فهو منظور فيه، لا دليل عليه إلّا ما ستقف عليه.

و يلاحظ على الثاني بأنّ الطرفين ينتفعان من ربح التجارة، فإنّه لو لم يتّجر و لم يشتر الأصل لم ينتفعا بالنماء فالنماء ربح الشراء الذي هو التجارة.

و الأولى أن يقال: إنّ المضاربة عبارة عن انتفاع الطرفين بارتفاع القيمة بأن يشتري بقيمة و يبيع بقيمة أزيد، و أمّا الانتفاع عن غير ارتفاع القيمة، كالنماء مع إيقاف التجارة فليس هو من أقسام المضاربة الرائجة بين الناس، و لعلّه إلى ما ذكرنا يرجع إفادة العلّامة في القواعد و المحقّق الثاني في شرحها.

نعم لو قال: اشتره و ما يحصل من ارتفاع قيمته و من نمائه فهو بيننا، فالظاهر أنّه من أقسام المضاربة بشرط أن يكون النماء أمرا تبعيا كنمو الصوف و توفر اللحم

______________________________

(1)- القواعد: 246.

(2)- جامع المقاصد: 8/ 78.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 24

لا الإنتاج الذي يعد شيئا مستقلا لا ربحا للتجارة فلا يبعد أن يكون النتاج للمالك.

و أضاف في الجواهر قسما ثالثا و قال: أو اتفق نماء أعيان المضاربة قبل بيعها شارك في النماء قطعا «1» لكن بشرط أن تبيعه بأزيد ممّا اشتراه فيحصل الربح، و أمّا إذا أوقف التجارة بالفسخ فلا يبعد أن يكون النماء للمالك و يكون للعامل أجرة المثل.

ثمّ إنّه لو قلنا بعدم وقوع مثل ذلك مضاربة فهل هو صحيح أو لا؟ قال السيد الطباطبائي: يمكن دعوى صحته للعمومات غير أنّ السيد البروجردي- قدّس سرّه- علّق عليه بأنّ الأقوى البطلان «2».

أمّا وجه الصحّة، فلأجل أنّ قوله سبحانه: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ يعم المتعارف و غير المتعارف ما لم يكن مخالفا للأحكام الشرعية، و لأجل ذلك قلنا بصحة المعاملات المستحدثة في عصرنا هذا،

و إن لم تكن داخلة تحت العناوين الرائجة، و في ضوء ذلك صح عقد التأمين و الشركات الحديثة، و لم نتجشّم لإدخال هذه العقود تحت العقود الرائجة كما عليه بعض المعاصرين أو أكثرهم، و بالجملة الإسلام دين عالمي يجب عليه إعطاء الحكم لكل حادث جديد و ليس المتكفّل له إلّا تلك العمومات و لا وجه لتخصيصها بالرائج في عصر الرسالة. و أمّا وجه البطلان، فلأجل أنّ المتعاقدين قصدا المضاربة فإذا بطلت، بطل من رأس، لأنّ ما قصد لم يقع، و ما نحن بصدد تصحيحه باسم عقد مستقل لم يقصداه.

و يمكن أن يقال: إنّ البطلان بعنوان المضاربة لا يمنع عن صحته بعنوان آخر و ذلك لأنّ المطلوب للمتعاقدين هو المساهمة في الربح بأيّ طريق حصل من

______________________________

(1)- الجواهر: 26/ 344.

(2)- العروة الوثقى: كتاب المضاربة: المسألة 3.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 25

دون تقيّد بعنوان المضاربة، فيكون من باب تعدد المطلوب فالرضاء التقديري- على تقدير بطلان المضاربة- بالتصرّف في المال حاصل و هو كاف و له نظائر في الفقه ذكره الشيخ في باب المعاطاة من المتاجر، فلاحظ.

تحديد عمل العامل في المضاربة:

لو اشترط على العامل أنّ لا يشتري إلّا من زيد، أو لا يبيع إلّا من عمرو، أو لا يشتري إلّا الثوب الفلاني أو ثمرة البستان الفلاني، سواء كان الجنس عاما أو قليلا أو نادرا صح الجميع، لأنّ الناس مسلّطون على أموالهم، بشرط أن لا يؤدّي التحديد إلى تعطيل المضاربة و ندرة الربح، بحيث يعد العقد عملا لغوا غير عقلائي.

فلو شرط عليه شراء ما، لا يتمكّن المضارب منه في طول السنة إلّا مرة واحدة صح و لكن بشرط أن يكون له ربح معتد به يليق أن يضارب عليه المضارب،

و إلّا فيعد أمرا لغوا. نعم نقل ابن قدامة الخلاف عن الأئمة الأربعة. قال:

الشروط في المضاربة تنقسم قسمين: صحيح و فاسد، فالصحيح مثل أن يشترط على العامل أن لا يسافر بالمال، أو أن يسافر به، أو لا يتّجر إلّا في بلد بعينه، أو نوع بعينه أو لا يشتري إلّا من رجل بعينه، فهذا كله صحيح، سواء كان النوع ممّا يعم وجوده، أو لا يعمّ و الرجل ممّن يكثر عنده المتاع أو يقلّ، و بهذا قال أبو حنيفة.

و قال مالك و الشافعي: إذا شرط أن لا يشتري إلّا من رجل بعينه أو سلعة بعينها، أو ما لا يعم وجوده كالياقوت الأحمر و الخيل الابلق لم يصح، لأنّه يمنع مقصود المضاربة و هو التقليب و طلب الربح، فلم يصح كما لو اشترط أن لا يبيع و يشتري إلّا من فلان، أو أن لا يبيع إلّا بمثل ما اشترى به «1».

______________________________

(1)- المغني: 5/ 184.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 26

يلاحظ عليه: أنّ الإمامين خلطا الشرط المخالف لمقتضى العقد بالشرط المخالف لإطلاقه، و الباطل هو الأوّل، كما إذا شرط أن يكون الربح كلّه للمالك لا العامل، أو شرط أن يبيع بأرخص ممّا اشترى به أو لا يبيع إلّا ممّن اشترى منه أوّلا و من المعلوم عادة، أنّه لا يشتري إلّا بأقل ممّا باع به، و أمّا التحديد بنوع الجنس و المشتري فليس هو على خلاف مقتضى العقد، و إنّما هو تحديد لإطلاقه، فإنّ مقتضى إطلاقه أنّ له أن يشتري و يبيع ما أراد، أو يشتري و يبيع ممّن أراد: فلا يعدّ تحديد ذلك مخالفا لمقتضاه، و إنّما هو تحديد لإطلاقه، و إلّا يلزم بطلان كل شرط، لأنّ

طبيعة الشرط هو تحديد إطلاق العقد.

روى أحمد بن عيسى في نوادره عن أبيه، قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السلام-:

«كان للعباس مال مضاربة، فكان يشترط أن لا يركبوا بحرا و لا ينزلوا واديا، فإن فعلتم فأنتم ضامنون، فابلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأجاز شرطه عليهم» «1».

اثنا عشر فرعا «2»:

1- إذا تحقّقت المضاربة و صار العامل وكيلا لصاحب المال في التجارة، و مشاركا معه في الربح، يتبع في ما يجوز و ما لا يجوز، و ما يجب عليه و ما لا يجب، متعارف الزمان و المكان في المضاربة، و ليس للإسلام هناك حكم ثابت سوى تنفيذ الاتّفاق و لزوم الوفاء به، إذا لم يكن مقرونا بشي ء على خلاف الشرع: و على ذلك فما ذكره المحقّق: «يجوز له عرض القماش و النشر و الطيّ و إحرازه، و قبض الثمن و إيداعه الصندوق و استئجاره من جرت العادة باستئجاره كالدلّال و الوزان و الحمال» «3» كلّها من باب المثال، و راجع إلى المتعارف في ذلك العصر و بعده، و قد

______________________________

(1)- الوسائل: 13، كتاب المضاربة الباب 1، الحديث 12.

(2)- و يمتد البحث فيها إلى ص 41 من الكتاب فلاحظ.

(3)- الجواهر: 26/ 344 (قسم المتن).

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 27

تبدّلت الأوضاع الاجتماعية و تكاملت، فربّما ينحصر في زماننا واجب المضارب بالتفكير و التخطيط و الاتّصال بالشركات الاقتصادية بالهاتف و التلكس، و يستخدم لغير ذلك لفيفا من العمّال و الموظفين، و لأجل ذلك يجب أن نقول بكلمة واحدة و هي: إنّه يجب على المضارب أن يقوم بما يقوم به التاجر لنفسه، و يتبع في ذلك ما هو المرسوم و الرائج.

2- لو

استأجر فيما تتعارف مباشرته بنفسه، بالأجرة، فهي من مال العامل لانصراف عقد المضاربة إلى تولّيه بنفسه، كما إذا انعكس الأمر فتولّى بنفسه ما يعتاد الاستئجار له، فلو كان متبرعا فلا أجرة له، و إلّا يأخذ الأجرة من أصل المال لاحترام عمل المسلم، و يستحب على صاحب المال دفع الأجرة إليه و لو كان متبرعا اقتداء بشعيب النبي- عليه السلام- فانّ موسى- عليه السلام- كان متبرعا في سقي غنم شعيب- عليه السلام-، و مع ذلك أرسل شعيب بنته إلى موسى- عليه السلام- و قالت: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مٰا سَقَيْتَ لَنٰا (القصص- 25).

3- إذا سافر للتجارة و كان مأذونا فيه إمّا بالتصريح أو كان الإطلاق كافيا في جواز السفر كما إذا اقتضت طبيعة التجارة السفر إلى خارج البلد، فهل نفقة السفر على المالك أو على العامل؟ أو يفصل بين مقدار ما يبذله في الحضر فعلى العامل، و ما يبذله خارجه فعلى المالك؟ وجوه و احتمالات، فالمتبع هو ما اتّفقا عليه في العقد و إلّا يكون المتبع هو الحكم الرائج في زمان المضاربة و مكانها، فما في صحيح عليّ بن جعفر عن أخيه أبي الحسن- عليه السلام- قال: «في المضارب ما أنفق في سفره فهو من جميع المال، و إذا قدم بلده، فما أنفق فمن نصيبه» «1» محمول على المتعارف في ذلك الزمان و اضطرب قول الشافعي في المسألة فتارة قال: لا ينفق كالحضر، و أخرى: ينفق كمال نفقته، و ثالثا: ينفق القدر الزائد على نفقة الحضر

______________________________

(1)- الوسائل: 13، الباب 6 من أبواب المضاربة، الحديث 1: موثقة السكوني.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 28

لأجل السفر «1». و كان على الإمام الشافعي أن يحيل

الأمر- بعد الإحالة إلى ما اتّفقا عليه-، إلى المتعارف، فإذا كان المتعارف هو البذل من أصل المال أو البذل من كيس العامل أو التفصيل بين ما ينفق في الحضر و المقدار في السفر، فهو المتبع لأنّ الرائج في وقت المضاربة كالقرينة المتصلة، فيكون بمنزلة ما اتّفقا عليه، نعم لو لم يوجد متعارف، فما يعد نفقة للتجارة فهو من أصل المال دون غيره، و لكن الفرض أمر نادر.

4- إذا سافر لأجل التجارة يلزم أن لا يقيم إلّا بمقدار ما يتوقف عليه أمر التجارة، فلو زاد على الإقامة للتفرّج أو الزيارة و السياحة فالنفقة عليه.

5- و في كل مورد تكون النفقة على أصل المال، يحسب عليه و إن لم يكن ربح، و لو ربح بعد ذلك أخذت من الربح مقدمة على حق العامل ضرورة كون ذلك كالخسارة اللّاحقة للمال التي يجب جبرها بما يتجدّد من الربح، و مع ذلك فاللازم هو العمل بما اتّفقا عليه أوّلا، ثم الرجوع إلى ما هو الرائج، فربّما يكون الرائج الذي ينصرف إليه عقد المضاربة كون نفقات السفر على رأس المال و عدم كسرها من الربح، فهو أشبه بجعل الربح للعامل أكثر من المالك، و لأجل ذلك يجب أن نقول: المتبع- بعد الرجوع إلى ما اتّفقا عليه- هو الرائج في كل مكان بشرط أن لا يكون مخالفا لمقتضى العقد و لا الشريعة.

6- لو سافر مأذونا و فسخ المالك المضاربة و هو في أثناء السفر؟ قال المحقق: فنفقة عوده منه خاصة «2».

و علّله في الجواهر بارتفاع وصف المضاربة الذي هو سبب استحقاق النفقة، و لا غرر بعد دخوله على العقد الجائز الذي هو معرض ذلك و نحوه.

______________________________

(1)- الخلاف: 3/ 462 كتاب القراض، المسألة

6.

(2)- الجواهر: 26/ 350 (قسم المتن).

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 29

يلاحظ عليه: أنّه لو لم يكن اتفاق من الطرفين على أحد الطرفين، أنّ السفر عمل واحد فالإذن بالسفر بمعنى أنّ المالك يتحمّل نفقة الذهاب و الإياب، و فسخ المضاربة في الأثناء لا يؤثّر في ذلك المعنى، لأنّ الإذن في الشي ء إذن في لوازمه و توابعه.

7- هل للعامل ابتياع المعيب؟ أقول: إذا صرّح المالك بأحد الطرفين فيتبع تصريحه، و إلّا فالمحكّم هو المتعارف في مورد المضاربة فربّما يكون المتعارف هو الأعم من المعيب و الصحيح، و تكون الغبطة في اشتراء المعيب و بيعه، أكثر من اشتراء الصحيح و المعيب و ربّما يكون المتعارف على خلافه فلو لم يكن المتعارف، فالقدر المتيقن هو الاكتفاء بشراء الصحيح.

و لو اتفق له- فيما لا يجوز شراء المعيب- شراء المعيب فعندئذ يقوم مقام المالك، فله الرد أو أخذ الأرش على ما تقتضيه المصلحة.

8- هل إطلاق العقد يقتضي البيع نقدا بثمن المثل من نقد البلد أو لا؟

يظهر من المحقّق لزوم رعاية الشروط الثلاثة في مطلق المضاربة ما لم يصرّح بالخلاف، فيجب عليه:

أوّلا: البيع نقدا لا نسيئة.

و ثانيا: البيع بثمن المثل لا في مقابل الجنس و العروض.

ثالثا: البيع بنقد البلد لا الخارج عنه.

فندرس القيود الثلاثة، و ليعلم أنّ البحث في كل واحد فيما إذا لم يكن تصريح من المالك بأحد الطرفين، و إلّا يكون هو المتّبع و على ضوء ذلك، فنقول:

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 30

الأوّل: حكم البيع نسيئة:

قد استدل على الشرط الأوّل بأنّ في النسيئة من التغرير بالمال ما لا يخفى، و يعارضه أنّه ربّما يكون الغبطة في النسيئة أكثر من النقد، و ربّما لا يتمشّى الأمر في

بعض التجارات إلّا بالنسيئة كما في الأمتعة المستوردة من الشركات الخارجية، فإنّها تأخذ بعض الثمن مثلا 20% نقدا و البعض الآخر بعد الوصول إلى يد المشتري و شهادة الخبراء على أنّ المبيع صحيح و ليس بمعيب.

و على ضوء ذلك فيجب أن يكون المتّبع هو الرائج في نوع التجارة، فإن كان الرائج هو النقد كما في بيع الأمتعة الجزئية كالخبز و الخضراوات و منتجات الألبان و غير ذلك فهو المتّبع. و إن كان الرائج هو الأعم كما في بيع السجاجيد و الأقمشة فكذلك، و إلّا فليكتف بالبيع نقدا لانصراف الإطلاق إليه.

و لا يعارض ذلك بما ذكره الفقهاء من أنّ الأصل في البيع هو النقد، فإنّ ما ذكروه راجع إلى اختلاف البائع و المشتري، و البحث في المقام راجع إلى حكم عقد المضاربة الذي يتكفّلها العامل من قبل المالك فهل هو منصرف إلى البيع نقدا أو لا؟ فالبابان مختلفان.

ثم لو باع نسيئة فيما لم يكن له إلّا البيع نقدا، قال السيد الطباطبائي: «فإن استوفى الثمن قبل اطّلاع المالك فهو» «1» و علّق عليه السيد عبد الهادي الشيرازي- قدّس سرّه- بأنّ البيع باطل إلّا إذا أجاز المالك، فما ذكره المعلّق هو الموافق للقاعدة، لأنّ بيعه كان فضوليا فيحتاج إلى الإجازة، فاستيفاء الثمن لا يخرجه عن الفضولية، و لكن ما ذكره السيد الطباطبائي هو المنصوص لما ستعرف مفصلا من أنّه إذا خالف العامل الاتفاق بينه و بين المالك فاتّجر و ربح، فهو ضامن للمال، و لكن الربح بينهما.

______________________________

(1)- العروة الوثقى: كتاب المضاربة، المسألة 8.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 31

ثم إنّه إذا اطّلع المالك قبل الاستيفاء، فإن أمضى البيع نسيئة فهو، و إلّا فالبيع باطل، فإذا كان

المبيع موجودا فله الرجوع إلى من كان العين عنده موجودا، فينتزع ماله و يبطل ما ترتّب عليه من البيوع.

و أمّا إذا تلف المبيع، فله الرجوع على كلّ من المشتري و العامل، فإن رجع إلى المشتري أخذ منه المثل أو القيمة، ثم إذا كانت القيمة التي دفعها إلى المالك أزيد من الثمن الذي دفعه إلى العامل يرجع إلى العامل في التفاوت، لأنّه مغرور يرجع إلى الغارّ، لأنّه رضي بالمبيع بالثمن المحدّد، و التزم بالضمان في هذا الحد، و لكن المفروض أنّه دفع إلى المالك أزيد ممّا التزم به فيرجع إلى الغارّ.

و لو رجع إلى العامل أخذ منه القيمة، فلو كان أزيد من الثمن الذي أخذه العامل من المشتري لم يرجع العامل في التفاوت إلى المشتري إلّا إذا غرّه المشتري بنحو من الغرور، كما إذا أخبر العامل برضى المالك بالبيع نسيئة.

ثم إنّه إذا رضي بالبيع نسيئة، فهل العامل ضامن بالثمن الذي في ذمة المشتري أو لا؟ ذهب إلى الأوّل المحقّق الثاني في جامع المقاصد و الشهيد في المسالك، و لكنه غير تام إذ أيّ فرق بينه و بين ما أذن للبيع نسيئة من الأمر و لم يحصل من العامل ما يقتضي ضمانه، و ليس أمر العامل في المقام أشدّ من الغاصب إذا باع المغصوب ثم ندم فأجاز المالك ذلك و رضي بأنّ الثمن في ذمّة المشتري أن يكون له، فينتقل الضمان من ذمّة العامل و الغاصب، إلى ذمّة المشتري الذي رضي المالك بكونه في ذمّته.

اللّهمّ إلّا أن يتمسّك بالنصوص الدالّة على ضمان العامل فيما إذا خالف تصريح المالك بإلغاء الخصوصية عن صورة التصريح، و إسرائه إلى المفهوم من الإطلاق كما في المقام.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء،

ص: 32

الثاني و الثالث: حكم البيع بغير الثمن أو غير نقد البلد:

قد استدلّ على الشرط الثاني بلزوم التضييع بالبيع بدون ثمن المثل و احتمال الكساد في بيع العروض.

يلاحظ عليه: بأنّ الغبطة ربّما تكون بالبيع بالعروض، فإن كان هناك تصريح بأحد الطرفين فهو، و إلّا فلو كان هناك متعارف في نوع التجارة فيتبعه العامل، نعم فيما إذا باعه بجنس لا رغبة فيه للناس ينصرف الإطلاق عنه قطعا. و إلّا فعليه الاكتفاء بالثمن.

و أمّا الشرط الثالث: و هو البيع بنقد البلد، فالبحث فيه فيما إذا لم يكن من المالك تصريح بأحد الطرفين و لم يكن هنا قرينة و تعيّن أحد الأمرين و إلّا فينصرف إلى ثمن البلد، نعم فيما إذا كان ثمن البلد ممّا يرغب عنه الناس لتزلزله و عدم ثباته، بل ربّما يكون البيع بغير ثمن البلد أوثق فيكون هذا قرينة على البيع بالأعم.

9- المراد من السفر هو السفر العرفي لا الشرعي، فيشمل ما إذا كان دون المسافة الشرعية، ثم إنّه إذا أقام بعد تمام العمل لغرض آخر ممّا ليس متعلّقا بالتجارة فنفقته في تلك المدة على نفسه، لأنّ الإقامة حينئذ ليس لمصلحة المال، فيكون خارجا عن منصرف عقد المضاربة.

و إن كان مقامه لما يتعلّق بالتجارة و لأمر آخر بحيث يكون كل منهما علّة مستقلّة لو لا الآخر، فإن كان الأمر الآخر عارضا في البين فلا شكّ في جواز أخذ تمام النفقة من مال التجارة لشمول الاتفاق على مثل هذه الإقامة.

إنّما الكلام فيما إذا كانا في عرض واحد، قال السيد الطباطبائي: ففيه وجوه:

ثالثها التوزيع، و هو الأحوط في الجملة، و أحوط منه كون التمام على نفسه «1».

______________________________

(1)- العروة الوثقى: كتاب المضاربة، المسألة 17.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 33

و لكن الأقوى جواز

الانفاق إذا لم يكن عدم الاشتغال بأمر آخر في مدّة الإقامة قيدا في الإذن في السفر أو في عقد المضاربة، فيكفي كون الإقامة لمصلحة المال.

و أمّا إذا كانت العلة مجموعهما بحيث يكون كل واحد جزءا من الداعي، فقال السيد الطباطبائي: الظاهر التوزيع و عليه صاحب الجواهر «1».

و لكن الظاهر كون النفقة على العامل، و ذلك لأنّه إن شمله الإذن بالمقام فالجميع على عاتق صاحب المال، و إن لم يشمله كما هو المفروض فلا معنى للتوزيع.

10- لو كان لنفسه مال غير مال القراض فهل النفقة عليه أو على المالك أو يقسّط عليهما؟

فقال السيد الطباطبائي: لو تعدّد أرباب المال كأن يكون عاملا لاثنين أو أزيد أو عاملا لنفسه و غيره توزع النفقة، و هل هو على نسبة المالين أو على نسبة العملين؟ قولان: «2».

11- الاشتراء بعين المال أو بالذمة، هل يتعيّن له الاشتراء بعين المال، أو يجوز له الاشتراء في ذمّته مضاربة بقصد التأدية عن مال المضاربة؟ فيه اختلاف.

قال المحقّق: «و كذا يجب أن يشتري بعين المال، و لو اشترى في الذمّة لم يصح البيع إلّا مع الإذن» «3».

و قال العلّامة: «و إن اشترى في الذمة، لزم العامل إن أطلق الشراء و لم يجز المالك و إن ذكر المالك بطل مع عدم الإجازة» «4».

______________________________

(1)- الجواهر: 26/ 336.

(2)- العروة الوثقى: كتاب المضاربة، المسألة 18.

(3)- الجواهر: 26/ 352 (قسم المتن).

(4)- مفتاح الكرامة: 7/ 462 (قسم المتن).

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 34

و قال في الإرشاد: «و لو اشترى في الذمة و لم يضف وقع له» «1».

و قال المحقّق الأردبيلي: «لو اشترى المضارب شيئا في الذمّة لا بالعين المضارب بها و لم يضف العقد، لا إلى نفسه، و

لا إلى المالك وقع الشراء له بحسب الظاهر، بل الباطن أيضا، إلّا أن يكون قاصدا غير ذلك فيعمل بمقتضاه بحسب نفس الأمر و إن عمل معه بحسب الظاهر، و إن أضاف إلى نفسه فهو له، و إن أضاف إلى المالك فيكون موقوفا على الفضولي» «2».

[هل الاشتراء بعين المال لازم]

و قال السيد الطباطبائي: «المشهور على ما قيل: إنّ في صورة الإطلاق يجب أن يشتري بعين المال فلا يجوز الشراء في الذمة، و بعبارة أخرى: يجب أن يكون الثمن شخصيا من مال المالك لا كلّيا في الذمة» «3».

ثمّ إنّ السيد الطباطبائي البروجردي علّق على عبارة العروة بقوله: الظاهر أنّ مرادهم بذلك هو أنّ شراءه على ذمة المالك لا يصح، حتى يثبت به شي ء في ذمته، و يلزم بتأديته من غير مال المضاربة إن تعذّر عطاؤه منه لا أنّ شراءه في الذمة و تأديته من مال المضاربة غير جائز كما فهمه الماتن، و قوّى خلافه.

و لعلّ بالتدبّر فيما ذكرنا من العبارات تقف على محل النزاع.

ثم إنّ أهل السنة خصّوا البحث بما إذا اشترى في الذمة و تلف مال المضاربة قبل نقد الثمن، و ليس للمسألة عنوان في كتبهم بالنحو الموجود في كتبنا «4» حتى أنّ الشيخ الطوسي عنون المسألة بالشكل التالي:

إذا دفع إليه ألفا للقراض، فاشترى به عبدا للقراض، فهلك الألف قبل أن يدفعه في ثمنه، اختلف الناس فيه على ثلاثة مذاهب، إلى آخر ما أفاده ...» «5».

______________________________

(1)- مجمع الفائدة: 10/ 245. (قسم المتن).

(2)- مجمع الفائدة: 10/ 245. (قسم المتن).

(3)- العروة الوثقى: كتاب المضاربة، المسألة 12.

(4)- المغني لابن قدامة: 5/ 183، بداية المجتهد: 2/ 141- 142.

(5)- الخلاف: 3 كتاب القراض، المسألة 15.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 35

[إذا اشترى في الذمة، و فيه صور]

اشارة

و يجب البحث في صور المسألة و قد جاءت بأكملها في العروة الوثقى، فنقول: إنّ للمسألة وراء الشراء بعين المال الذي هو خارج عن موضوع بحثنا، صورا نأتي بها:

الصورة الأولى: إذا اشترى في الذمّة، لكن بعنوان المضاربة

و التأدية عن المال الموجود عنده للمالك و هذا هو الذي أشار إليه السيد بقوله: «أن يشتري العامل بقصد المالك و في ذمّته من حيث المضاربة» «1»، و الضمير يرجع إلى المالك و لكن محدّدا بمال المضاربة لا خارجا عنه، فيكون مال المضاربة رهن الثمن لا غير، فلو تلف مال المضاربة لا يكون ذمّة المالك مشغولا و إن كان له مال آخر، و لا العامل مسئولا، و إن كان له مال آخر. ثم إنّ السيد أشار إلى صورة أخرى ترجع إلى تلك الصورة لبّا، و قال: «أن يقصد كون الثمن في ذمّته من حيث إنّه عامل و وكيل عن المالك» و صرّح بأنّه يرجع إلى الأوّل، و الحاصل أنّه لا فرق بين الاشتراء في ذمّة المالك محدّدا اشتغاله بمال المضاربة، أو في ذمّته، بما أنّه وكيل من جانب المالك و عليه التأدية من المال المضروب.

فالظاهر أنّ البيع صحيح لو لم يكن هناك تصريح بالاشتراء بعين الثمن، و ذلك لأنّه يصعب الشراء بعين المضاربة في كثير من الأوقات، بل أكثر المعاملات في زماننا هذا بالذمة، ثم تأدية الثمن عن طريق دفع الصك إلى البائع، فلو أراد المالك غير هذا الفرد الشائع يجب عليه التصريح، فهذا القسم صحيح، و الربح بينهما مشترك، إنّما الكلام إذا فرض تلف مال المضاربة، قبل الوفاء في هذه الصورة.

فهناك أقوال بين أهل السنّة، ذكرها الشيخ في الخلاف، و إليك نقلها و نقدها:

______________________________

(1)- العروة الوثقى: كتاب المضاربة، المسألة 12.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء،

ص: 36

1- قال أبو حنيفة و محمّد: يكون المبيع لربّ المال، و عليه أن يدفع إليه ألفا غير الأوّل ليقضي به دينه و يكون الألف الأوّل و الثاني قراضا و هما معا رأس المال.

2- و قال مالك: ربّ المال بالخيار بين أن يعطيه ألفا غير الأوّل ليقضي به الدين و يكون الألف الثاني رأس المال دون الأوّل، أو لا يدفع إليه شيئا فيكون المبيع للعامل و الثمن عليه.

و نقل البويطي عن الشافعي: أنّ المبيع للعامل، و الثمن عليه و لا شي ء على ربّ المال» «1».

و أمّا فقهاء الشيعة فلهم قولان:

1- يقع للعامل.

2- يقع للمالك.

أمّا الأوّل فقد اختاره الشيخ الطوسي قال: و هو الذي يقوى في نفسي و استدلّ على مختاره بأنّه: «إذا هلك المال تحوّل الملك إلى العامل و كان الثمن عليه، لأنّ رب المال إنّما فسح للعامل في التصرّف في ألف إمّا أن يشتريه به بعنيه أو في الذمة و ينقد منه و لم يدخل على أن يكون له القراض أكثر منه» «2».

و أمّا الثاني: فيظهر من التعليل الوارد في المنع عن الشراء بالذمة في المسالك، وجود التسليم على وقوعه للمالك قالوا في مقام التعليل: و الشراء في الذمة قد يؤدّي إلى وجوب دفع غيره كما في صورة تلف المضاربة قبل الوفاء «3».

و اختاره السيد الطباطبائي و قال: «و إذا فرض تلف مال المضاربة قبل الوفاء كان في ذمة المالك يؤدّي من ماله الآخر» «4».

______________________________

(1)- الخلاف: 3، كتاب القراض، المسألة 15.

(2)- الخلاف: 3، كتاب القراض، المسألة 15.

(3)- المسالك: 1/ 295.

(4)- العروة الوثقى: كتاب المضاربة، المسألة 12، الوجه الثاني.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 37

و إليك دراسة الأقوال:

أمّا القول الأوّل: الذي هو

خيرة أبي حنيفة و تلميذه محمد بن الحسن الشيباني، و يظهر من التعليل كونه مسلّما بين الأصحاب و هو صريح السيد الطباطبائي، فهو غير تام لما عرفت من الشيخ في الخلاف من أنّ المالك لم يفسح له في القراض أكثر من المال الذي قدّمه إليه، و أمّا الزائد عنه أي اشتغال ذمته بشي ء آخر، فهو لم يأذن به لا تصريحا و لا تلويحا فكيف يصح له؟

أمّا القول الثاني: أعني ما نقل عن «مالك» فهو بيّن الإشكال لأنّه يستلزم كون الشراء مرددا في نفس الأمر بين المالك و العامل، غاية الأمر أنّه إذا قبله المالك بدفع الثمن، يقع البيع له و إلّا يتعلق الثمن بذمة العامل، و يقع البيع له و هو غير معقول، لأنّ البيع تبديل مال بمال، و المال الثاني بما أنّه كلّي إنّما يكون مالا إذا أضيف إلى ذمة معينة، و إلّا لا يسمى مالا. و الثمن الكلّي المردّد ثبوتا بين الذمتين لا يكون مالا.

و أمّا القول الثاني الذي هو خيره الشيخ الطوسي فهو أيضا غير تام و ما استدلّ به إنّما يفي بنفي وقوعه للمالك و لا يثبت كونه للعامل فلاحظ كلامه.

و الحق أن يقال: ليس هنا تكليف لا على المالك و لا على العامل بنقد الثمن من غير مال المضاربة المفروض هلاكه، فإذا كان البيع مقيّدا بكونه مضاربة و لم يمكن الوفاء به بطل العقد لا لخلل في أركان العقد، بل لأجل عدم إمكان الوفاء به، كما إذا باع مالا كان يحمل بالسفينة، و غرق قبل التسليم.

هذا حسب الثبوت و لو كان المشتري واقفا على نية العامل أو صدر التصريح من العامل عند الشراء لم يكن له طلب الثمن منهما. نعم

لو لم يذكره أو لم يقف البائع على نيته، تعلّق الثمن بذمته ظاهرا و إن كان فاسدا في نفس الأمر.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 38

الصورة الثانية: أنّ يقصد ذمّة نفسه، و اشترى لنفسه

و لم يقصد حين الشراء الوفاء من مال المضاربة لكن بدا له بعد، بدفع الثمن منه.

فلا شك أنّ الشراء صحيح واقع للعامل و يكون الربح له، غاية الأمر أنّه عاص في دفع مال المضاربة عوض الثمن من غير إذن المالك.

نعم لو كان مأذونا في الاستقراض و قصد القرض، تقع المعاملة صحيحة بلا عصيان، و هناك محاولة للسيد الحكيم- قدّس سرّه- لتصحيح وقوع المعاملة للمالك لكن عند دفع العوض من مال المضاربة إذا قصد في ذلك الحين، الشراء من نفسه للمالك، بمال المضاربة بأنّه لما كان وليا على الشراء للمالك، لم يحتج في شراء مال نفسه للمالك، إلى أكثر من إنشاء الإيجاب، فيقصد المعاوضة بينه و بين المالك بدفع مال المالك وفاء عمّا في ذمّته من الثمن، فيكون إنشاء المعاوضة بالفعل، و هو دفع المال إلى البائع لا بالقول و بإنشاء واحد بلا قبول «1».

و حاصله: أن ينوي بدفع المال من مال المالك كون المبيع له بنفس ذلك الفعل، كما هو كذلك في الولي من الطرفين كالجدّ و الجدّة بالنسبة إلى الصغيرين، و عندئذ يصحّ للمالك.

الصورة الثالثة: أن يقصد الشراء لنفسه في ذمّته مع قصد دفع الثمن من مال المضاربة حين الشراء

حتى يكون الربح له، فقصد نفسه حيلة منه، فهناك احتمالات:

الف- الحكم بصحة الشراء و إن كان عاصيا في التصرف في مال المضاربة

______________________________

(1)- المستمسك: 12/ 293.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 39

من غير إذن المالك و ضامنا له بل ضامنا للبائع أيضا، حيث إنّ الوفاء بمال الغير غير صحيح.

و بعبارة أخرى: الصحّة لأجل تماميّة أركان العقد، و هو المبيع الشخصي و كون الثمن في الذمّة ممّن لذمّته اعتبار و هذا يكفي في الصحّة، و اقتران البيع بنية إفراغ الذمة بمال حرام لا يضرّ بصحة المعاملة، و هذا مثل

ما إذا اشترى لنفسه في الذمّة، و كان في نيته أن يدفع الثمن من المال المغصوب، فالتصرف في المغصوب حرام، و لا يضر بالمعاملة و تكون ذمته مشغولة بالثمن واقعا لا ظاهرا.

ب- القول ببطلان الشراء لأنّ رضى البائع مقيّد بدفع الثمن و المفروض أنّ الدفع بمال الغير غير صحيح فهو بمنزلة السارق كما ورد في بعض الأخبار من أنّ من استقرض و لم يكن قاصدا الأداء فهو سارق.

يلاحظ عليه: بما ذكرنا، من أنّ أركان العقد أعني المالين متحققة و أحد المالين شخصي و الآخر متقوّم بالذمة، و ما يدفعه من مال المالك، و إن كان حراما لكنّه ليس من أركان العقد و إنّما هو وفاء بالعقد، فصار وفاؤه بمال الغير حراما و لا تسري حرمته و بطلانه إلى العقد، و أمّا ما رود في باب الدين فهو ما رواه عبد الغفار الجازي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال:

سألته عن رجل مات و عليه دين؟ قال: «إن كان أتى على يديه من غير فساد لم يؤاخذه اللّه إذا علم من نيته إلّا من كان لا يريد أن يؤدي عن أمانته، فهو بمنزلة السارق» «1».

يلاحظ على الاستدلال بالحديث: بأنّه ورد فيما إذا كان ناويا عدم الدّفع رأسا، و هذا غير ما إذا أراد الدفع بغير الوجه الشرعي، و مع ذلك فتشبيهه بالسارق

______________________________

(1)- الوسائل: 13، الباب 5 من أبواب الدين و القرض، الحديث 1.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 40

كناية عن قبح عمله، لا أنّه سارق حقيقة و يجري عليه الحدّ.

ج- صحّة الشراء للمالك و كون قصده لنفسه لغوا، بعد أن كان بناؤه الدفع من مال المضاربة فإنّ البيع و إن كان بقصد نفسه،

و الثمن كلّيا في ذمته، إلّا أنّه ينساق إلى هذا الذي يدفعه فكأنّ البيع وقع عليه، و هذا هو الذي ينسب إلى المحقق البهبهاني.

يلاحظ عليه: أنّ العقود تابعة للقصود و المفروض أنّه اشترى لنفسه، فلا ينقلب عمّا هو عليه إلّا بإنشاء قولي أو فعلي آخر، و الدفع من مال الغير لا يوجب انسياق العقد إلى الذي يدفعه و إنّما هو فعل محرم في جنب أمر حلال إلّا إذا قصد عند الدفع تمليكه للمالك بنفس الدفع، كما مرّ عن السيد الحكيم- قدّس سرّه- في الصورة الثانية، فالقول الأوّل هو الحق.

الصورة الرابعة: أن يقصد الشراء في ذمّته من غير التفات إلى نفسه و غيره

و حكمه حكم الصورة الثالثة، لأنّ وقوع العقد للنفس لا يحتاج إلى النية بل يكفي عدم اشترائه لغيره، بخلاف وقوعه للغير فإنّه يحتاج إلى نية الغير و هذا مثل ما قلنا بأنّ الوجوب النفسي العيني التعييني لا يحتاج إلى بيان زائد، فنفس الإنشاء يكفي في تحقق هذه العناوين بخلاف العناوين المقابلة لها فإنّها تحتاج إلى بيان آخر، و على ذلك فلو دفع من مال المضاربة يكون عاصيا.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 41

12- إذا اختلف البائع و العامل في كون الشراء لمن؟

ثم لو اختلف البائع و العامل في أنّ الشراء كان لنفسه أو لغيره، أي المالك، فقد قال المحقق في الشرائع: لو اشترى العامل في الذمة بنية أنّه للمالك لا مع الإذن منه، لا سابقا و لا لاحقا و لم يذكره في العقد تعلّق الثمن بذمّة العامل ظاهرا.

و يمكن تعليله بوجهين:

الأوّل: أنّ حمل الذمة على ذمة المالك خلاف الظاهر فيحتاج إلى بيان، بخلاف ذمة النفس، فإنّه غنيّ عنه، و الأصل في الفعل المنسوب إلى الفاعل كونه عن نفسه. نعم الظاهر و إن كان هو ذمّة العامل لكنّه لا يثبت إلّا بإعمال قاعدة القضاء و هو حلف البائع إذا لم يكن للعامل البيّنة، فإذا حلف يدفع الثمن من كيسه و لكن المعاملة باطلة. لأنّه قصد للمالك و لم يقع لأنّه لم يأذن و ما حكم به حسب قاعدة القضاء لم يقصد فيكون صحيحا ظاهرا، و باطلا باطنا.

الثاني: لو افترضنا أنّه لم يكن مأذونا في الاشتراء في ذمّة المالك، فادّعاء الاشتراء لها يستلزم الفساد بخلاف الاشتراء لنفسه، فإنّه يلازم الصحة، فأصالة الصحة مع البائع لأنّه يدّعي أنّه اشترى لنفسه لا للمالك دون العامل.

و أمّا إذا كان مأذونا في الشراء على ذمّة المالك فاختلفا

فيحمل على ذمّة العامل أيضا أخذا بظاهر الحال، و إن كان البيع صحيحا على كلا الفرضين، إلّا إذا شهدت القرينة على أنّه للمالك.

نعم لو وقع الشراء منه بلا نية أنّه للمالك أو لنفسه، تعلق الثمن بذمته ظاهرا و واقعا و كان الربح له، لما عرفت من أنّ الشراء للنفس لا يحتاج إلى النية و التصريح و إنّما المحتاج خلافه.

هذه هي الفروع المختلفة التي ذكرها المحقق و غيره، اكتفينا بتوضيحها على وجه الاختصار.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 42

تعدي المضارب عما رسمه المالك:

اشارة

لو تعدّى المضارب عمّا رسمه المالك من الشرط و التخطيط فهل المعاملة صحيحة أو لا؟ و على فرض الصحة فهل العامل ضامن أو لا؟

قال الشيخ: «و متى تعدّى المضارب ما رسمه صاحب المال، مثل أن يكون أمره أن يصير إلى بلد بعينه فمضى إلى غيره من البلاد، أو أمره أن يشتري متاعا بعينه فاشترى غيره، أو أمره أن يبيع نقدا فباع نسيئة، كان ضامنا للمال: إن خسر كان عليه، و إن ربح كان بينهما على ما وقع الشرط عليه» «1».

و قال ابن حمزة: «و إن عيّن له جهة التصرّف لم يكن له خلافه، فإن خالف و ربح، فإنّ الربح على ما شرط و إن خسر أو تلف غرم» «2».

و قال ابن إدريس: «و إذا لم يأذن في البيع بالنسيئة أو في السفر أو أذن فيه إلى بلد معين، أو شرط أن لا يتّجر إلّا في شي ء معيّن، و لا يعامل إلّا إنسانا معيّنا فخالف، لزمه الضمان بدليل إجماع أصحابنا على جميع ذلك» «3» و هو و إن لم يصرّح بصحّة العقد، لكن التصريح بالضمان كناية عنها.

و قال المحقق: «و لو أمره بالسفر إلى جهة فسافر

إلى غيرها، أو أمره بابتياع شي ء بعينه، فابتاع غيره ضمن، و لو ربح و الحال هذه كان الربح بينهما بموجب الشرط» «4».

إلى غير ذلك من كلمات فقهائنا.

______________________________

(1)- النهاية: 428.

(2)- الوسيلة: 264.

(3)- السرائر: 2/ 407.

(4)- الجواهر: 26/ 353 (قسم المتن).

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 43

و قال ابن رشد: و إذا دفع إليه المال على أن لا يشتري به إلّا بالدين، فاشترى بالنّقد، أو على أن لا يشتري إلّا سلعة كذا و كذا و السلعة غير موجودة، فاشترى غير ما أمر به، فحكي عن ابن القاسم أنّه فصّل فقال: إن كان الفساد من جهة العقد، ردّ إلى قراض المثل، و إن كان من جهة زيادة ازدادها أحدهما على الآخر، ردّ إلى أجرة المثل، و الأشبه أن يكون الأمر في هذا بالعكس، و الفرق بين الأجرة و قراض المثل أنّ الأجرة تتعلّق بذمة ربّ المال. سواء كان في المال ربح أو لم يكن، و قراض المثل هو على سنة القراض، إن كان فيه ربح كان للعامل منه، و إلّا فلا شي ء له «1» و ظاهره هو الصحة. إنّما الكلام في ما يستحق العامل من الأجرة فهل هو قراض المثل أو أجرة المثل؟

و قال ابن قدامة بعد عنوان المسألة: «و إن قلنا: ليس له البيع نساء فالبيع باطل، لأنّه فعل ما لم يؤذن له فيه، فأشبه البيع من الأجنبي إلّا على الرواية التي تقول: يقف بيع الأجنبي على الإجازة فها هنا مثله، و يحتمل قول الخرقي صحّة البيع، فإنّه إنّما ذكر الضمان و لم يذكر فساد البيع و على كل حال يلزم العامل الضمان، لأنّ ذهاب الثمن حصل بتفريطه، فإن قلنا بفساد البيع ضمن المبيع بقيمته

إذا تعذّر استرجاعه، إمّا لتلف المبيع أو امتناع المشتري من ردّه إليه. و إن قلنا بصحته أحتمل أن يضمنه بقيمته أيضا» «2». و يظهر منه أنّ صحة البيع غير متفق عليه.

إذا وقفت على الأقوال، فاعلم أنّه تضافرت الروايات على أنّه إذا خالف المضارب ما رسمه المالك من الشروط، تكون المعاملة صحيحة و الضمان على العامل و الربح بينهما، و لكن يقع الكلام في الجمع بين هذه الأحكام الثلاثة و ذلك:

______________________________

(1)- بداية المجتهد: 2/ 243.

(2)- المغني لابن قدامة: 5/ 151.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 44

أوّلا: إذا كان البيع على خلاف ما رسمه يكون فضوليا لا صحيحا بالفعل، إذا المفروض أنّه اشترى بعنوان المضارب للمالك، و لم يشتر أو لم يبع لنفسه شيئا، فيتوقف صحّته على الإذن الجديد و لا يكفي الإذن السابق المحدود، و ظاهر الروايات هو الصحة بنفس الإذن السابق.

و ثانيا: لو افترضنا صحّته: فإنّما تصحّ بعنوان المضاربة و عندئذ يتوجه السؤال، و هو أنّه: كيف يكون الربح بينهما و لكن الضمان على العامل، مع أنّ الصحة إذا كانت بعنوان المضاربة يترتّب عليها آثارها و هو كون الخسران على ربّ المال.

فتلزم دراسة الروايات و نقول: إنّها على طوائف:

الأولى: ما يدلّ على أنّ المخالفة توجب الضمان من غير دلالة على صحّة المعاملة فضلا عن الاشتراك في الربح، منها: صحيح رفاعة بن موسى عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في مضارب يقول لصاحبه: إنّ أنت أدنته أو أكلته فأنت له ضامن؟

قال: «فهو له ضامن إذا خالف شرطه» «1» و مثله ما رواه أحمد بن عيسى في نوادره «2».

الثانية: ما يدل على الصحة في أمثال ما يرجع إلى السفر أو خصوصياته التي لا تعد قيودا

للمضاربة و لا ينتفي الإذن بانتفائها بل يكون الغاية منها، هو التضمين مع المخالفة، كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما- عليهما السلام- قال: سألته عن الرجل يعطي المال مضاربة، و ينهى أن يخرج به فخرج؟ قال: «يضمن المال و الرّبح بينهما» «3» و بهذا المضمون روايات أخرى «4» و لأجل ذلك لا يصحّ انتزاع قاعدة كلّية شاملة لسائر موارد المخالفة حتى فيما إذا كان النهي متعلقا بنفس

______________________________

(1)- الوسائل: 13 الباب 1، من أحكام المضاربة، الحديث 8 و 12.

(2)- الوسائل: 13 الباب 1، من أحكام المضاربة، الحديث 8 و 12.

(3)- المصدر نفسه: الحديث 1- 2- 6- 10- 11.

(4)- المصدر نفسه: الحديث 1- 2- 6- 10- 11.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 45

المعاملة أو ببعض قيودها، و هذا بخلاف النهي عن السفر مطلقا أو إلى جهة خاصة فإنّه متعلّق بشي ء خارج عن ماهية المعاملة و قيودها و هذا النوع من النهي أشبه بما إذا نهى عن البيع بلا بسملة و تحميد، أو بلا لبس ثوب خاصّ فالنهي في الجميع يتعلّق بأمر خارجي من دون تحديد الإذن بوظائف.

الثالثة: ما يدل على كلا الحكمين: الربح بينهما و الضمان للعامل لكن لا إطلاق فيه بالنسبة إلى الأوّل و إن كان فيه إطلاق بالنسبة إلى الثاني، و ذلك في روايات منها:

صحيح أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في الرجل يعمل بالمال مضاربة؟ قال: «له الربح و ليس عليه من الوضعية شي ء إلّا أن يخالف عن شي ء، ممّا أمر صاحب المال» «1» فإنّ القدر المتيقّن أنّ الاستثناء يرجع إلى كون الوضيعة عليه و أنّ المخالفة بأيّ وجه كان يوجب الضمان و ليس له إطلاق في جانب

الريح، و أنّ المخالفة بأيّ وجه كان يوجب الشركة في الربح و يستلزم الصحة و بهذا المضمون روايات «2».

الرابعة: ما يدل على الضمان و الاشتراك في الربح مع المخالفة من غير فرق بين مورد دون مورد و هو لا يزيد على اثنين:

1- صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في الرجل يعطي الرجل مالا مضاربة، فيخالف ما شرط عليه؟ قال: «هو ضامن و الربح بينهما» «3».

2- صحيح جميل عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في رجل دفع إلى رجل مالا يشتري به ضربا من المتاع مضاربة فاشترى به غير الذي أمره؟ قال: «هو ضامن و الربح بينهما على ما شرط» «4».

______________________________

(1)- الوسائل: 13 الباب 1، من أحكام المضاربة، الحديث 3- 4- 7.

(2)- الوسائل: 13 الباب 1، من أحكام المضاربة، الحديث 3- 4- 7.

(3)- المصدر نفسه: الحديث 5 و 9.

(4)- المصدر نفسه: الحديث 5 و 9.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 46

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الشروط المأخوذة في المضاربة على قسمين:

قسم يكون قيدا للمضاربة، و يخصّصها بموردها كما إذا قال: اشتر به متاعا و لا تشتر الأكفان، فإنّه يخصّ مورد المضاربة بغير الأكفان و يكون الاشتراء بما لها فضوليا قطعا.

و قسم يذكر لأجل حفظ رأس المال عن التلف و الضياع من دون أن يعدّ قيدا لها و من دون أن يخصّها بغير مورده و ذلك كالنهي عن السفر مطلقا، أو السفر إلى صوب خاص، فإنّ روح هذه القيود تضمينية لغاية صيانة رأس المال عن التلف فلو خالف، فأقصى ما يترتب عليه هو الضمان، لا كون العقد فضوليا لأنّ الغاية هو الضمان، لا عدم الرضاء بالمعاملة.

إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى الروايات بأصنافها.

أمّا الطائفة

الأولى فليس فيها ما يخالف القواعد لأنّها واردة في خصوص الضمان لو خالف.

أمّا الطائفة الثانية فقد عرفت أنّ الشرط فيها ليس قيدا للمضاربة حتى يخصّها بغير مورده و إنّما هو تحديد لغاية الضمان لو خالف، لا عدم الرضاء بالعقد لو خالف، فيكون الضمان و صحة المعاملة و اشتراك الربح على القاعدة.

و أمّا الطائفة الثالثة فالإطلاق في جانب الضمان دون صحّة العقد و اشتراك الربح، فيصحّ حملها على الطائفة الثانية.

بقيت الطائفة الرابعة التي يعدّ القيد فيها قيدا للمضاربة و يخصّها بغير مورده، فنقول: هناك وجوه من الحلول.

1- إنّ الصحة على خلاف القاعدة فيقتصر على موردها و هو:

الف- المخالفة في جهة السفر.

ب- المخالفة في ابتياع شي ء معيّن فخالف و اشترى غيره- كما يظهر من

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 47

المحقق في الشرائع حيث لم يذكر إلّا هذين الموردين.

يلاحظ عليه: أنّ الصحة في المورد الأوّل، ليس على خلافها، لما عرفت. نعم المخالفة في المورد الثاني كذلك.

2- ما ذكره صاحب الجواهر من تنزيل هذه النصوص على إرادة بقاء الإذن في المضاربة و إرادة الضمان من الاشتراط كما يؤمي إليه خبر رفاعة عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- «في مضارب يقول لصاحبه: إن أنت أدنته أو أكلته فأنت له ضامن قال:

هو ضامن إذا خالف شرطه» «1».

انفساخ العقد بموت المالك أو العامل:

المشهور أنّ عقد المضاربة يبطل بموت المالك أو العامل، و إليك بعض الكلمات:

1- قال الشيخ: «و متى مات أحد الشريكين بطلت الشركة» «2».

2- و قال المحقق: «فبموت كل منهما تبطل المضاربة لأنّها في المعنى وكالة» «3».

3- و قال يحيى بن سعيد: «و موت كل منهما يبطلها» «4».

4- و قال العلّامة: «و ينفسخ بموت أحدهما و جنونه» «5».

______________________________

(1)- الجواهر: 26/ 355. و

من المعلوم أنّ حديث رفاعة صحيح سندا.

(2)- النهاية: 427.

(3)- الجواهر: 26/ 355.

(4)- الجامع للشرائع: 316.

(5)- القواعد، انظر مفتاح الكرامة: 7/ 502 (قسم المتن).

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 48

5- و قال في التذكرة: «يعتبر في العامل و المالك ما يعتبر في الوكيل و الموكل لا نعلم فيه خلافا» «1».

6- و قال في الإرشاد: «و يبطل بالموت منهما و الخروج عن أهليّة التصرف» «2».

7- و نقله العاملي: عن التذكرة و جامع المقاصد و المسالك و مجمع الفائدة و البرهان و أنّهم زادوا الإغماء و الحجر عليه لسفه، و زيد في التذكرة و جامع المقاصد:

الحجر على المالك للفلس، لأنّ الحجر على العامل للفلس لا يخرجه عن أهلية التصرف في مال غيره بالنيابة، لأنّ المالك يخرج بعروض هذه، له، عن أهلية الاستنابة، و العامل عن أهليه النيابة لأنّها وكالة في المعنى «3».

8- قال المحقق الأردبيلي في وجه البطلان: قد علم أنّه توكيل فيبطل بموت كل منهما كالوكالة، و لأنّ بالموت يخرج المال عن ملك المالك و يصير للورثة فلا يجوز التصرف بالإذن الذي كان من المورث «4».

9- و قال ابن قدامة: «و إذا مات ربّ المال قدّمنا حصة العامل على غرمائه، و لم يأخذوا شيئا من نصيبه لأنّه يملك الربح بالظهور، فكان شريكا فيه، و ليس لرب المال شي ء من نصيبه فهو كالشريك بماله- إلى أن قال:- و إن مات المضارب و لم يعرف مال المضاربة بعينه صار دينا في ذمته «5».

فهذا النص يكشف عن أنّ المضاربة تبطل عندهم بالموت فعليه بنى ما ذكر من الفرع.

______________________________

(1)- التذكرة: 2/ 231.

(2)- مجمع الفائدة و البرهان: 10/ 245.

(3)- مفتاح الكرامة: 7/ 502.

(4)- مجمع الفائدة و البرهان: 10/ 245.

(5)- المغني:

5/ 177.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 49

دليل بطلان المضاربة بالموت:

أمّا بطلانه بموت العامل فلأنّه كان هو المجاز، و طرف العقد، و ليس هو من الحقوق حتى يرثه وارثه، و بعبارة أخرى هو كالوكيل، فإذا مات بطلت الوكالة، و ليست أمرا وراثيا لأولاد الوكيل.

و أمّا إذا مات ربّ المال، فلأجل أنّه ينتقل إلى الورثة، فيكون أمر المال بيدهم بعد الانتقال، و لعلّ هو معنى البطلان، لا بمعنى عدم قابلية المضاربة للإبقاء كما سيوافيك.

توضيح ذلك: أنّ العقود على قسمين: إيجادي و إذني، ففي الأول يكفي الإنشاء و إيجاد الأمر الاعتباري عن اختيار، و إن ارتفع الإذن و الرضا بعد الإنشاء، فالإذن آنا ما مقرونا بالإنشاء كاف في إباحة المثمن و الثمن للمشتري و البائع، و مثله النكاح و الإجارة، و لأجل ذلك قلنا في محله: إنّ الإجارة لا تبطل بموت الموجر، لأنّها من العقود الإيجادية التي يكفي فيها الإذن آنا ما، لإنشاء تمليك المنفعة في مدّة معينة.

و أمّا الثاني فهو يتقوم بالإذن في التصرف و يدور مدار وجوده، فما دام الإذن باقيا في خلد العاقد، فالحكم باق و إذا ارتفع يرتفع بارتفاعه، و هذا كالعارية، و الأمانة و الوكالة، و الهبة إلى غير ذوي الرحم فإنّ المقوّم لجواز التصرف هو الإذن الباطني، و لا يحتاج إلى الإنشاء اللفظي بل يكفي إعلان الرضا بأيّ وسيلة أمكنت.

فالمضاربة من العقود الإذنية فمقوّمها الإذن، فإذا مات أو جنّ يرتفع الإذن عن خلده، و بارتفاعه يرتفع الحكم من غير فرق بين موت العامل أو المالك و إن كان الحكم في الثاني أوضح، لأنّ إذنه في التصرف مؤثر في جواز تصرف العامل في المال.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 50

نعم

هذا إذا لم يكن هناك إنشاء محدّد أو مشروط بعدم الفسخ، فتصير المضاربة لازمة بالعرض فلا تنفسخ بموت المالك كما مر.

هل يمكن إبقاء المضاربة؟

انفساخ المضاربة بموت أحد المتعاقدين في المضاربة إنّما يتمشّى في المضاربة بين شخصين و أمّا إذا كان المضارب قانونا هو الشركات الكبيرة ذات السهام الكثيرة، فإنّ القول بانفساخ المضاربة بموت بعض أصحاب السهام يشلّ أمر التجارة و ربّما تتعلق رغبة الوارث ببقاء الشركة، و الإعاشة من منافعها، و ربّما يكون هناك التزام في بدء الأمر بعدم سحب الشركاء سهامهم في سنين محددة عن الشركة، لئلّا يختلّ أمر التجارة، و لأجل ذلك يلزم على الفقيه، بذل الجهد لتصحيح بقاء المضاربة إذا رضي الوارث فنقول:

إنّ الإبقاء يتصوّر على وجهين: تارة يكون بعقد جديد مع العامل، و إن كان في تسميته إبقاء نوع مجاز.

و أخرى إبقاءها بالمعنى الحقيقي، أي استمرارية العمل و الاتفاق على النحو الذي عقد في بدء الأمر.

أمّا الأوّل فلا إشكال في صحته، فيصح إذا كان رأس المال ناضّا لا دينا و لا منفعة، و لا متاعا على ما سيجي ء من أنّه يشترط أن يكون رأس المال غير دين و لا متاع، نعم لو قلنا بصحة المضاربة بالمتاع فيكون العقد الجديد صحيحا، و إن لم يكن المال ناضّا، و سيوافيك الكلام في لزوم هذا الشرط.

و أمّا الثاني: فيراد منه استمرارية العقد بلا حاجة إلى عقد جديد و إنشاء كذلك.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 51

قال المحقق: «و لو مات ربّ المال، و بالمال متاع فأقرّه الوارث، لم يصحّ لأنّ الأوّل بطل بالموت» و الظاهر من المحقق هو إرادة القسم الثاني لا الإنشاء الجديد، و مراده من البطلان، ارتفاعه اعتبارا فلا يقبل الإبقاء فليس

له أيّة صحة لا فعلية و لا تأهّلية.

و على ذلك فلو خالفنا قول المحقّق و قلنا بالصحة على النحو الثاني أيضا، تظهر الثمرة فيما إذا كان المال غير ناض، فلا يصح بالإنشاء الجديد، بخلاف ما لو قلنا بالصحة بالوجه الثاني، فإنّه لمّا كان مفاده استمرارا للعقد المتحقق صحيحا سابقا، فلا يشترط فيه كونه ناضّا أو عينا، و ذلك لما سيوافيك أنّ دليل الاشتراط منصرف إلى العقد الجديد، و الاتفاق الابتدائي لا في إعطاء الاستمرارية للعقد المتحقق سابقا، غير أنّ كثيرا من محشّي العروة لما لم يفرّقوا بين القسمين من حيث النتيجة علّقوا على عبارة العروة، أعني: «و هل يجوز لوراث المال إجازة العقد بعد موته؟» ما هذا لفظهم:

لمّا كان عقد المضاربة من العقود الإذنية الصالحة لأن تنعقد بأيّ لفظ يدل عليها، جاز أن ينشأ بذلك و يكون إنشاء لعقد المضاربة من الوارث، لا إنفاذا لعقد المورث، و قال معلّق آخر: يمكن أن يقال: لمّا كان عقد المضاربة من العقود الإذنية الصالحة لأنّ يعقد بأيّ لفظ يدل عليها، جاز إنشاؤها بذلك و يكون إنشاء العقد مضاربة مستأنفة من الوارث، لا إبقاء لعقد المورث «1» و حاصل كلامهما أنّ ظاهر اللفظ و إن كان إبقاء المضاربة بشكل تنفيذ ما سبق فيما يأتي و لكن يحمل على إنشاء العقد مضاربة مستأنفة، لأنّها يكفي فيها كل لفظ يدل عليها.

أقول: لو كان الإشكال عدم إيفاء اللفظ للإنشاء الجديد، كفى ما ذكروه في دفعه.

و لكن الإشكال في موضع آخر و هو أنّه يشترط في الإنشاء المستأنف كل

______________________________

(1)- التعليق الأول للسيد جمال الدين الگلپايگاني، و الثاني للسيد الاصطهباناتي- قدّس سرّهما-.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 52

ما ذكره من الشروط

في رأس المال و هذا بخلاف الإبقاء، فلا يشترط فيه ما ذكر لانصراف الأدلة و كون القدر المتيقّن منها هو العقد الابتدائي. فإرجاع القسم الثاني إلى القسم الأوّل و إن كان يضفي على العقد وصف الصحة، و لكن لا يفي بمقصود القائل بالصحة و هو إثباتها و إن كانت بعض الشرائط غير موجودة، إذ على الإرجاع يشترط كون المال ناضّا أو لا أقلّ عينا. مع أنّه يمكن التصحيح مطلقا و إن كان دينا.

الاستدلال على عدم صحة الإبقاء:

ثم إنّ صاحب الجواهر استدلّ على عدم الصحة بالنحو التّالي: «و ليس هو- أي عقد المورث- فضوليا بالنسبة إلى الوارث الذي لم يكن له علقة بالمال حال العقد بوجه من الوجوه».

و توضيح ما قال: أنّ العقد الفضولي إنّما يصح بالإجازة إذا كان المجيز مالكا للمعقود عليه أو ذا حقّ فيه و ليس الوارث بالنسبة إلى رأس المال في حياة المورّث كذلك، فليس بمالك و لا ذي حق.

ثم إنّه خاض في النقض و الإبرام ما هذا توضيحه.

فان قلت: إذا آجر البطن الأوّل العين الموقوفة مدّة زادت على حياتهم، فإنّ الإجارة تصح بإجازة البطن الثاني فما الفرق بينه و بين المقام؟

قلت: الفرق واضح بين المقامين، لتعلّق حقّ البطن اللاحق بالعين من جانب الواقف يوم الوقف، و لأجل ذلك تكون الإجارة على المدّة الزائدة في نفس الأمر لهم. و إن لم يعلم بها حال العقد بخلاف المقام الذي هو ابتداء ملك للوارث بالموت، و حينئذ فالمدار في الفضولية كون المعقود عليه حال العقد للغير، و لكن الفضوليّ أجرى العقد عليه، بخلاف المقام الذي هو للمالك و لكن بالموت ينتقل عنه إلى وارثه، فليس هو في عقده على ماله فضوليّا عن الغير الذي لا مدخلية له

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 53

حال العقد.

فإن قلت: ما الفرق بين المقام و بين تصرّف الموصي في ماله بأزيد من الثلث، فإنّ التنفيذ يتوقف على إجازة الوارث، مع أنّ الموصي كان مالكا لماله و لم يكن للوارث حين الإيصاء حقّ في ماله؟

قلت: الفرق هو أنّ الوصية تصرف بعد الموت الذي هو محل تعلّق حقّ الوارث، و هذا بخلاف عقد المضاربة، فإنّه تصرّف في المال في حال حياته «1».

هذا كلامه، و لكن الحق أنّ المعاملات أمور عرفية يكفي في صحة الإجازة كون المال في معرض الانتقال إليه، و إن لم يكن له علقة به حال العقد، فكونه سيصير له كاف، و مرجع إجازته حينئذ إلى إبقاء ما فعله المورث، لا قبوله و لا تنفيذه، فإنّ الإجازة على أقسام: قد تكون قبولا لما فعله الغير كما في إجازة بيع ماله فضولا، و قد تكون راجعا إلى إسقاط الحق كما في إجازة المرتهن لبيع الراهن، و إجازة الوارث لما زاد عن الثلث، و قد تكون إبقاء لما فعله المالك كما في المقام «2».

هذا ما ذكره الأعلام في المقام، و قد عرفت في بدء البحث أنّ القول بانفساخ العقد بموت أحد المتعاقدين، يشلّ أمر التجارات الكبيرة و الشركات المتشكّلة من أصحاب السهام المختلفة التي أسّست على البقاء و الانتفاع بالمنافع طيلة سنين.

و ربّما تتوفر رغبة الوارث إلى استمرار الشركة و الإعاشة بما تدرّ فلا عتب للفقيه إذا جاهد في طريق التصحيح فنقول: إذا تدبّرت في الأمور التالية يسهل لك تصديق ما ذكره السيد الطباطبائي:

______________________________

(1)- الجواهر: 26/ 362- 363.

(2)- العروة الوثقى: كتاب المضاربة، المسألة 29.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 54

1- إذا قلنا بعدم اشتراط

كون المال عينا. بل يكفي كونه دينا قابلا للتحصيل، أو قلنا- بعد تسليم اشتراط كونه عينا-: بعدم اشتراط كونه ناضّا بل يكفي كونه عروضا و متاعا فلا حاجة إلى بذل الجهد لتصحيح الإبقاء، إذ للوارث أن يدخل من باب الإنشاء الجديد لعدم الفرق بين الأمرين في عدم الكلفة الزائدة.

و لو قلنا باعتبار كونه عينا بل درهما أو دينارا، فإن قلنا بعدم الفرق بين الإنشاء الجديد، و الإبقاء في الشرائط، فلا حاجة أيضا إلى بذل الجهد لتصحيح الإبقاء لعدم الاختلاف في رعاية الشرائط.

و أمّا لو قلنا بلزوم وجود هذه الشرائط حدوثا لا بقاء لأنّ الدليل المهمّ لها هو الإجماع و لا إطلاق لها و القدر المتيقّن منه هو الحدوث لا البقاء، فيكون السعي لتصحيح إبقاء المضاربة أمرا مطلوبا، لعدم الحاجة إلى الشرائط فيه بخلاف العقد المستأنف.

2- إنّ تفسير الانفساخ بالموت ببطلان العقد و صيرورته كالمعدوم إنّما يتم فيما إذا كان عقد المضاربة مطلقا غير محدّد بأجل، فإذا كان من العقود الإذنيّة و لم يكن محدّدا بأجل يعمّ بعد الموت يتقوّم بالإذن، فيرتفع بارتفاعه و أما إذا كان العقد محدّدا بأجل يمتد إلى ما بعد الموت يكون له اقتضاء البقاء إذا انضمّ إليه إذن المالك. فيكون جامعا للشرائط و يكون معنى الانفساخ هو خروج أمر المال من يد المورّث و انتقاله إلى الوارث.

3- إنّ حصر العقد الفضولي بما إذا كان المعقود عليه حال العقد ملكا للغير أو متعلّق حقّ للغير حين الحدوث، لا وجه له إذ لم يرد فيه نصّ حتّى يقتصر عليه بل يعمّه، و ما إذا كان ملكا أو متعلق حقّ للغير بقاء لا حدوثا، كما في المقام لأنّ موت المالك موجب لانتقال رأس المال

إلى الورثة فصار متعلقا للغير بقاء لا حدوثا، فإبقاء المضاربة متوقّف على إذن صاحبه. و هذا مثل ما إذا أعار ماله ثم

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 55

باعه فبقاء عقد العارية، رهن إذن المشتري لأنّه صار متعلقا للغير بقاء و إن لم يكن حدوثا.

و بذلك يظهر النظر فيما أفاده السيد الحكيم- قدّس سرّه- فقد استقرب عدم الصحة بوجهين:

1- الاجازة لا تصح إلّا بشرطين: الأوّل: أن يكون العقد المجاز صادرا من غير الولي عليه، فلا يصح منه إلّا بالاجازة. الثاني: أن يكون للمجيز ولاية على العقد، فإذا انتفى ذلك لم تصح الإجازة. و هذان الشرطان موجودان في الأمثلة المذكورة في الجواهر و في المتن، أمّا فيما نحن فيه فمفقودان معا، إذ العقد الواقع من المالك صادر من الولي عليه فيصح، و لا معنى لاجازته و الإجازة الصادرة من الوارث- سواء كانت صادرة منه حال حياة الموروث، أم بعد وفاته- صادرة ممن لا ولاية له على العقد. نعم إذا كانت صادرة منه بعد وفاة الموروث فهي ممن له ولاية على تجديد العقد لا على العقد نفسه، فلا معنى لتعلقها بالعقد «1».

وجه النظر: أن ما ذكره إنّما يتم إذا لوحظ العقد حدوثا في مدة حياته، فله الولاية دون الوارث، فالشرطان غير موجودين، و أمّا إذا لوحظ بقاء حسب التحديد الوارد في العقد فليس للمالك الولاية، بل الولاية للوارث.

2- إنّ الإبقاء متعذّر، لأنّ المفروض بطلانه فكيف يمكن إبقاؤه. مع أنّه غير مقصود للمجيز.

يلاحظ عليه: بما عرفت من أنّ الانفساخ في العقد المطلق يلازم البطلان، و لكنّه في العقد المحدّد بمعنى انتهاء ولايته له، و انتقال الولاية للوارث، فإذا انضمّ إليه إذنه، يكون نافذا، لعدم القصور في

العقد، إلّا من ناحية إذن الولي و المفروض انضمامه، ثم لم يتحقّق لي معنى قوله: «مع أنّه غير مقصود للمجيز» بل مقصوده هو الإبقاء.

______________________________

(1)- المستمسك: 12/ 320.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 56

3- إنّ المالك ركن في عقد المضاربة كالعامل، فإذا مات أحدهما بطل العقد ضرورة كما هو في موت أحد الزوجين فلا يمكن جعل إبقائه.

[تحليل ما استشكل به على تصحيح المضاربة عند الموت]

يلاحظ عليه: أنّ المضاربة علاقة بين عمل العامل و رأس المال، لا العامل و المالك و لذلك يصحّ، و لو لم يعرف المالك كما في المضاربة جعالة، و لأجل ذلك تبطل المضاربة بهلاك رأس المال، و هذا بخلاف الزوجين فإنّهما ركن، يقول سبحانه: وَ أَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَ الصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ وَ إِمٰائِكُمْ (النور- 32) و النكاح علاقة بين الزوجين.

و على ضوء هذا، يلزم التفصيل بين موت العامل فتبطل المضاربة، و تحويلها لوارث العامل يحتاج إلى عقد مستأنف بخلاف المالك، إذ الركن هو المال و هو باق و إن تغيّرت إضافته من المالك إلى الورثة فتدبّر.

ثم إنّ الميت إمّا هو المالك أو العامل و لكلّ صور خمس، لأنّ المال حين الموت إمّا ناضّ أو عروض، و على تقدير كونه ناضّا إمّا أن يكون فيه ربح أو لا، و على كونه متاعا إمّا أن يكون الربح فيه قطعيا أو مرجوّا أو معلوم العدم. يظهر أحكام جميع الصور من الإمعان فيما تقدم فنقول:

أمّا إذا كان الميت، هو المالك و كان المال ناضّا فإن ربح يقسّم حسب الاتفاق و ليس للغرماء مزاحمة العامل في حصته، لما ستعرف من أنّه يملك الربح بالظهور فكان شريكا للمالك. و إن لم يربح، فالمال كلّه للوارث.

و إن كان المال عروضا فإن علم الربح بظهوره،

فيشارك الوارث فيه حسب سهمه من الربح. و إن علم عدمه فالمال كلّه للوارث. و إن رجى فقد ذهب صاحب المسالك إلى أنّ للعامل بيعه، و هو كما ترى مع عدم رضاية الوارث المالك

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 57

فعلا، و قد عرفت أنّ البحث في المضاربة المطلقة، لا المحدودة بعام أو عامين الذي نفترض توفّي المالك أثناء المدّة، أو المشروط فيها عدم الفسخ و إلّا فله الاشتغال بالعمل. و الأولى التصالح إذا كان هناك رجاء للربح.

هذه الصور الخمس فيما إذا كان الميت هو المالك.

و أمّا إذا كان الميت هو العامل فتأتي فيه تلك الصور أيضا، فإن كان المال ناضّا، رابحا يدفع سهمه من الربح إلى وارثه. و إن لم يربح فالمال كلّه للمالك.

و إن كان المال متاعا، فإن علم فيه الربح بظهوره يشاركه حسب سهمه، و إن علم عدمه يدفع المال إلى المالك، و إن كان الربح مرجوّا ففي الجواهر أنّه ينصّب الحاكم أمينا يبيعه، فإن ظهر فيه ربح، أوصل حصّته إلى الوارث، و إلّا سلّم الثمن للمالك «1». و يمكن القول بالتصالح أيضا.

______________________________

(1)- الجواهر: 26/ 356.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 59

الفصل الثاني: في شرائط المتعاقدين

يشترط في المتعاقدين في المقام كل ما يشترط في غيره من العقد و البلوغ و الاختيار، فلا تصح المضاربة من المجنون و غير البالغ و المكره، كما يشترط عدم الحجر لفلس في المالك دون العامل، لأنّ حجر المالك للفلس يمنعه عن التصرف في ماله، و ليس كذلك حجر العامل لأنّه يمنع عن التصرف في ماله لا في مال الغير بعنوان النيابة، نعم يشترط خلوّهما عن الحجر لسفه، فإنّه مانع عن استنابة المالك و نيابة العامل. و

بما أنّ الأصحاب أشبعوا الكلام في الاستدلال على هذه الشرائط في غير هذا المقام نعطف عنان البحث إلى المقام الثالث، فمن أراد التفصيل في ذلك فليرجع إلى ما أفاضه الشيخ الأنصاري في البيع عند البحث عن شرائط المتعاقدين.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 61

الفصل الثالث: في مال القراض

اشارة

يشترط فيه عند المشهور أمور:

الشرط الأول: أن يكون عينا فلا يكفي الدين و لا المنفعة:

قال الشيخ: «و من كان له على غيره مال دينا، لم يجز له أن يجعله شركة أو مضاربة إلّا بعد أن يقبضه ثم يعطيه إيّاه إن شاء» «1».

و قال المحقق: «و من شرطه أن يكون عينا» «2».

و قال العلّامة: «و لا يجوز القراض على الديون، و لا نعلم فيه خلافا» «3».

و قال أيضا: «و لو قارض بالدين و إن كان على العامل أو بثمن ما يبيعه لم تصح» «4».

______________________________

(1)- النهاية: 43.

(2)- الجواهر: 26/ 536.

(3)- تذكرة الفقهاء: 2/ 236.

(4)- مجمع الفائدة: 10/ 249 (قسم المتن).

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 62

و نقله في مفتاح الكرامة عن المبسوط و النافع و التحرير و المسالك و الروضة و المختلف، و التنقيح، و إنّه قال في الرياض: لا خلاف فيه و أنّه لم يذكره في المقنعة و المراسم و الكافي، و المهذّب و الوسيلة و الغنية و السرائر و اللمعة و المفاتيح، و نقل عن الكفاية أنّه قال: و قالوا: «الظاهر التأمّل في لزوم هذا الشرط» «1».

و قال الأردبيلي: «فلو لا الإجماع في اشتراط كونه غير دين لأمكن القول بعدمه» «2».

و يمكن الاستدلال على لزوم هذا الشرط: بأنّ المضاربة علاقة بين عمل العامل و المال كما عرفت سابقا، و الدين بما هو في الذمّة ليس بمال، حتى يقع طرفا للعلاقة، و بيع الكلّي في الذمة سلفا، ليس دليلا على كونه مالا، و إن قيل في تعريف البيع: إنّه مبادلة مال بمال. و أنّ معنى كون الشي ء في الذمة هو تقبّل و تعهّد من البائع على أن يدفع إلى المشتري مقدارا من الحنطة مثلا في أجل كذا في مقابل الثمن المعيّن، و بذلك

فسرنا قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» فليس معناه أنّ العين المغصوبة سواء كانت موجودة أو تالفة، ثابتة على ذمة صاحب اليد، بل المراد أنّ عليه مسئولية ردّ العين أو بدلها، مثلا أو قيمة، و نظيره الكفالة فإنها عبارة عن تقبّل مسئولية تسليم المكفول للحاكم الشرعي.

و لو تمّ هذا البيان، فلا حاجة إلى دعوى الإجماع الذي تعرف مقدار قيمته مع عدم تعرّض لفيف من الفقهاء به، و إن لم يتمّ. بدعوى أنّ ما في الذمة مالا، بشهادة أنّه يباع، فكفى في شرطيته ما رواه الكليني عن السكوني عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السلام- في رجل له على رجل مال فيتقاضاه و لا يكون عنده، فيقول: هو عندك مضاربة؟ قال: «لا يصلح حتى تقبضه منه» «3».

______________________________

(1)- مفتاح الكرامة: 7/ 441.

(2)- مجمع الفائدة: 10/ 235.

(3)- الوسائل الشيعة: 13، الباب 5 من أبواب أحكام المضاربة، الحديث 1.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 63

و قال الأردبيلي: «و هي مروية في التهذيب عن النوفلي عن السكوني و هما ليسا بموثقين، قيل في الأول: إنّه غلا في آخر عمره، و الثاني عامّي و في السند إبراهيم بن هاشم أيضا، فتأمل» «1».

يلاحظ عليه: أنّه روى في الكافي أيضا بهذا السند، و الرجلان ممّن عملت برواياتهما الطائفة في غير مورد، و أمّا إبراهيم بن هاشم فهو فوق الثقة، و قد وردت في حقّه جمل تدل على أنّه فوق أن يوصف بأنّه ثقة، و إن لم يصفه أهل الرجال بالوثاقة.

و مع ذلك كلّه فلو ترك دينه في يد المديون لأن يتّجر به، فاتّجر و ربح فالمعاملة صحيحة و

إن لم يصدق عليه عنوان المضاربة، لما قلنا من أنّ المعاملات الصحيحة ليست بمنحصرة بما كانت رائجة في عصر الرسالة أو بعده بقليل، بل كلّ تجارة نابعة عن رضا الطرفين، إذا لم تصادم الأصول و الضوابط الشرعية، فهي صحيحة، هذا كلّه في الدّين. و أمّا المنفعة، فكما إذا آجر حماما و اتّفق مع المستأجر أن يتّجر بأجرته شهرا بعد شهر، و لعلّ عدم الصحة لأجل لزوم أن يكون رأس المال محدّدا موجودا في ظرف العقد، و المنفعة ليست كذلك، و إنّما يتدرّج وجودا شهرا بعد شهر.

نعم لو جعل أجرة شهر واحد مالا للمضاربة بعد وصوله، فلا إشكال، و يأتي فيه ما ذكرناه في الدين من أنّه إذا لم تصحّ بعنوان المضاربة، تصحّ بعنوان معاملة مستقلّة.

______________________________

(1)- مجمع الفائدة و البرهان: 10/ 235.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 64

الشرط الثاني: أن يكون من النقد:

اشارة

و المقصود أن يكون دراهم و دنانير مضروبة منقوشة، هذا هو الشرط الثاني عند أكثر العلماء، قال الشيخ: «لا يجوز القراض إلّا بالأثمان التي هي الدراهم و الدنانير، و به قال أبو حنيفة، و مالك و الشافعي، و قال الأوزاعي و ابن أبي ليلى:

يجوز بكل شي ء يتموّل، فإن كان ممّا له مثل كالحبوب و الأدهان، يرجع إلى مثله حين المفاصلة، و الربح بعده بينهما نصفين، و إن كان ممّا لا مثل له كالثياب و المتاع و الحيوان، كان رأس المال قيمته، و الربح بعد بينهما، دليلنا: أنّ ما اخترناه مجمع على جواز القراض به، و ليس على جواز ما قالوه دليل.

ثم قال: «القراض بالفلوس لا يجوز، و به قال أبو حنيفة و أبو يوسف و الشافعي، و قال محمد: هو القياس إلّا أنّي أجيزه استحسانا لأنّها

ثمن الأشياء في بعض البلاد، دليلنا: أنّ ما قلناه مجمع على جواز القراض به، و ما ذكروه ليس عليه دليل. و الاستحسان عندنا باطل».

ثم قال: لا يجوز القراض بالورق المغشوش سواء كان الغشّ أقل أو أكثر أو سواء، و به قال الشافعي.

و قال أبو حنيفة: إن كان سواء أو كان الغش أقلّ جاز، و إن كان الغش أكثر لم يجز، دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء «1».

و قال القاضي: و القراض من العقود الجائزة، و ليس يجوز القراض إلّا بالأثمان من الدنانير و الدراهم، و لا يجوز بغيرهما و لا يصحّ بالنقرة «2» لأنّها معتبرة بالقيمة كالثياب و الحيوان «3».

______________________________

(1)- الخلاف: 3، كتاب المضاربة، المسألة 1- 3.

(2)- الفضة المذابة أو الذهب المذاب غير المسكوكين.

(3)- المهذب: 1/ 460.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 65

و قال: لا تكون المضاربة إلّا بالأثمان التي هي الدنانير و الدراهم، و إنّما قلنا هذا لأنّه لا خلاف في أنّ ما ذكرناه مضاربة صحيحة و ليس كذلك ما يخالفه ... «1».

و قال ابن إدريس: و من شرط ذلك أن يكون رأس المال دراهم أو دنانير معلومة أو مسلّمة إلى العامل، و لا يجوز القراض بغير الدنانير و الدراهم من سائر العروض، فعلى هذا لا يجوز القراض بالفلوس و لا بالورق المغشوش «2».

و قال المحقق: و أن يكون دراهم أو دنانير، و في القراض بالنقرة تردّد، و لا يصح بالفلوس و لا بالورق المغشوش و كذا لا يصح بالعروض «3».

و قال ابن سعيد: إنّما يصحّ بالأثمان الخالصة من الغش بشرط ذكر حصة مشاعة من الربح معلومة «4».

و قال العلّامة: أن تكون من النقدين دراهم و دنانير مضروبة منقوشة عند علمائنا

«5».

و قال في الإرشاد: و لا يصح إلّا بالأثمان الموجودة المعلومة القدر المعيّنة «6».

و قال في القواعد: فلا يصح القراض بالعروض و لا بالنقرة، و لا بالفلوس و لا بالدراهم المغشوشة «7».

و قال ابن قدامة: و لا خلاف في أنّه يجوز جعل رأس المال الدراهم و الدنانير فإنّها قيم الأموال و أثمان البياعات و الناس يشتركون من لدن النبيّ إلى زمننا من غير نكير، فأمّا العروض فلا تجوز الشركة فيها في ظاهر المذهب، نصّ عليه أحمد في

______________________________

(1)- جواهر الفقه: 124.

(2)- السرائر: 2/ 407.

(3)- الجواهر: 26/ 357، (قسم المتن).

(4)- الجامع للشرائع: 314.

(5)- التذكرة: 2/ 231.

(6)- مجمع الفائدة: 10/ 447، (قسم المتن).

(7)- مفتاح الكرامة: 7/ 440، (قسم المتن).

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 66

رواية أبي طالب و حرب، و حكاه عنه ابن المنذر، و كره ذلك ابن سيرين و يحيى بن كثير و الثوري و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و أصحاب الرأي «1».

إذا عرفت الأقوال فنقول: استدلّ على اشتراط كون المال درهما أو دينارا بوجهين:

الأوّل: الإجماع، و قد عرفت عبارة العلّامة في التذكرة حيث نسبه إلى علمائنا.

و الإمعان في كلماتهم يعرب عن أنّ الإجماع انعقد على صحّة المضاربة بالأثمان و لم ينعقد على الصحة بغيرها، لا أنّه انعقد على عدم الصحة في غير الأثمان، و إن كنت في شكّ ممّا ذكرنا فلاحظ عبارة الشيخ في الخلاف و القاضي في الجواهر، فإنّ الأوّل استدلّ في جميع المراحل الثلاث (المضاربة بالدراهم و الدنانير- المضاربة بالفلوس- المضاربة بالورق المغشوش) بأنّه لا خلاف في أنّ ما ذكرناه مضاربة صحيحة و ليس كذلك ما يخالفه. أي الإجماع منعقد على الصحة في الأولى و لم ينعقد على الصحة

في الأخيرتين، و أتى القاضي نفس العبارة في الجواهر، و يظهر ذلك أيضا من التدبّر في عبارة ابن قدامة، و على ذلك فالإجماع منعقد في الجانب الإيجابي دون الجانب السلبي.

الثاني: ما ذكره ابن قدامة، و أشار إليه العلّامة أيضا. قال الأوّل: إنّ الشركة إمّا أن تقع على أعيان العروض أو قيمتها أو أثمانها.

لا يجوز وقوع المضاربة على أعيانها، لأنّ الشركة تقتضي الرجوع عند المفاصلة برأس المال أو بمثله و هذه لا مثل لها فيرجع إليه، و قد تزيد قيمة جنس أحدهما دون الآخر فيستوعب بذلك جميع الربح، أو جميع المال، و قد تنقص قيمته، فيؤدي إلى أن يشاركه الآخر في ثمن ملكه الذي ليس بربح.

و لا على قيمتها لأنّ القيمة غير متحققة القدر فيفضي إلى التنازع و قد يقوّم

______________________________

(1)- المغني: 5/ 124.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 67

الشي ء بأكثر من قيمته و لأنّ القيمة قد تزيد في أحدهما قبل بيعه فيشاركه الآخر في العين المملوكة له. و لا يجوز وقوعها على أثمانها، لأنّها معدومة حال العقد و لا يملكانها «1».

و قال العلّامة: بأنّها لو جعلت رأس مال، لزم إمّا أخذ المالك جميع الربح أو أخذ المالك بعض رأس المال «2».

توضيح الدليل: أنّ رأس المال إذا كان مثليا فلا يخلو إمّا أن يكون رأس المال نفس الشي ء بما هو هو، لا قيمته السوقية وقت العقد، و إمّا أن يكون قيمته.

فلو كان رأس المال نفس الشي ء بما هو هو بحيث يلزم عند المفاصلة دفع العين إن كانت باقية أو مثلها إن كانت تالفة، كما إذا دفع طنّا من الحنطة و جعلها بما هي هي رأس المال سواء كانت القيمة السوقية ثابتة عند المفاصلة أو

مرتفعة أو منخفضة.

و على هذا لو كانت قيمتها يوم الدفع ألف درهم و ربحت المضاربة خمسمائة درهم و كانت القيمة السوقية للحنطة غير متغيرة، لا يتوجه إشكال أبدا و إنّما الإشكال في الصورة التالية:

إذا ارتفعت القيمة و صارت قيمة طن من الحنطة ألفا و خمسمائة درهم، أو انخفضت القيمة فصار الطن منها ثمانمائة درهم، فعند المفاصلة يجب على العامل أن يدفع نفس الحنطة بمقدارها المعيّنة و أن يشتري طنّا من السوق تارة بألف و خمسمائة درهم، و أخرى بثمانمائة درهم، فعلى الأوّل يلزم دفع الأصل و الربح إلى المالك، و هو معنى قوله: استيعاب جميع المال، و على الثاني يلزم أن يدفع إلى المالك بعض رأس المال أي طنّا من الحنطة المقوّمة بثمانمائة درهم، و يشارك العامل فيما

______________________________

(1)- المغني: 5/ 124- 125، و العبارة لم تخل من تشويش، و لم يتحقق معنى قوله: «و هذه لا مثل لها» لأنّها صادقة في القيمي لا المثلي، و أعيان العروض ليست قيمية دائمة، بل ربّما تكون مثليّة.

(2)- التذكرة: 2/ 230.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 68

بقي أعني المائتين.

هذا كله إذا كان رأس المال مثليا و كان نفسه رأس المال، و أمّا إذا كان رأس المال قيمته السوقية يوم العقد أو كان رأس المال من الأمور القيميّة كالأنعام، فعند ذاك لا يتوجه أيّ إشكال لأنّه يجعل رأس المال قيمتها وقت العقد، فلا فرق بين تجسيم القيمة و جعله درهما أو دينارا، أو جعله عروضا و تقويمه بأحدهما فلا يكون ارتفاع القيمة فيما بعد أو انخفاضها مؤثرا، فلا يلزم استيعاب المالك الأصل و الربح أو مشاركة العامل في بعض الأصل.

نعم يرد عليه ما ذكره ابن قدامة في

الشق الثاني من كلامه- أعني: «و لا على قيمتها لأنّ القيمة غير متحققة القدر ...».

الإجابة عن الاستدلال:

هذا كلّه توضيح الاستدلال، و أمّا الدفع فهو واضح جدا، لأنّ ارتفاع قيمة المثلي أشبه بالخسران في المضاربة فكما أنّه إذا خسرت المضاربة يرجع العامل صفر اليد فهكذا في المقام، إذ يجب عليه ضمّ الربح إلى الأصل حتى يشتري العين و يدفعها إلى المالك، كما أنّ انخفاض القيمة أشبه بالاسترباح في المضاربة فإنّ اشتراء رأس المال بقيمة رخيصة كثمانمائة، يوجب استرباح العامل بربح كثير، حيث يشتري رأس المال بقيمة رخيصة، و يدفع إلى المالك.

و أما ذكره ابن قدامة في الشق الثاني فمندفع أوّلا بأنّ التنازع يرتفع بالمقوم، و ثانيا نختار أنّ رأس المال هو الأثمان و لا يضر كونها معدومة حال العقد، بعد كونها في قوة الوجود و سيوافيك صحته.

و بذلك تقف على أنّ لتأمّل صاحب الكفاية في لزوم مراعاة هذا الشرط وجها، و قد صرّح المحقق الأردبيلي بالصحة في النقرة و هي الذهب أو الفضة المذابة غير المنقوشة و قال- بعد نقل كلام التذكرة الحاكي للإجماع-: بل ينبغي عدم

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 69

الإشكال في الجواز لعموم أدلّة القراض و تسلّط الناس على أموالهم و لا يضر عدم الإجماع (على الصحة) و كون القراض على خلاف الأصل إن سلم، فتأمّل «1».

هذا و قد فصل سيدنا الأستاذ- قدّس سرّه- بين الفضة و الذهب غير المسكوكين و السبائك و العروض فقال بعدم الصحة فيها، و بالصحة في الأوراق النقدية الرائجة في البلاد «2»، و لم يعلم وجه الفرق إلّا أن يقال: إنّ الإجماع ناظر إلى نفي الصحة في العروض و المتاع لا إلى نفي الصحة في

الأوراق النقدية غير الدراهم و الدنانير.

و لكن الحقّ الصحة في الجميع، فإنّ المضاربة لم تكن معاملة تأسيسية من قبل الشارع حتى نتفحّص عن قيودها و شروطها، بل هي معاملة عرفية كانت رائجة قبل الإسلام، و إنّما جاءت الشريعة لتقويم أودها، و العرف لا يفرّق بين الأثمان مثل الدراهم و الدنانير و السبائك و النقرة و الفلوس إذا كانت المعاملة رائجة بها. حتى المغشوش إذا كان كذلك فإنّ لكل ذلك قيمة تكون هي رأس المال حقيقة، و ليست المعاملات أمورا تعبّدية يتوخّى فيها نظر الشارع في كل جزئي من جزئياته، بل يكفي كونها صحيحة عند العرف و عدم مخالفتها للأصول المسلّمة الواردة في الإسلام، و بذلك تعرف صحّة ما مال إليه السيد الطباطبائي و إن عدل عنه في آخر كلامه، حيث قال:

«تأمّل بعضهم في الإجماع على عدم صحة المضاربة بالفلوس و العروض و هو في محلّه، لشمول العمومات إلّا أن يتحقق الإجماع، و ليس ببعيد، فلا يترك الاحتياط» «3».

______________________________

(1)- مجمع الفائدة: 10/ 248.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1416 ه ق نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ص: 69

(2)- تحرير الوسيلة: 1/ 108- 109.

(3)- العروة الوثقى، كتاب المضاربة، الشرط الثاني.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 70

نعم، الورق المغشوش على قسمين: تارة يكون الغش معلوما، و أخرى مزوّرا، فالأول لا بأس بالمعاملة به، و أمّا الثاني فيحرم المعاملة به و ربّما يجب كسرها حسما لمادّة الفساد، ففي خبر المفضل بن عمر الجعفي قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السلام- فألقي بين يديه دراهم، فألقى إليّ درهما منها فقال: «ايش

هذا؟» فقلت:

ستوق. فقال: «ما الستوق؟» فقلت: طبقتين فضة و طبقة من نحاس و طبقة من فضة، فقال- عليه السلام-: «اكسرها فإنّه لا يحل بيع هذا و لا إنفاقه» «1».

قال المحقق في الشرائع: لو قال: بع هذه السلعة، فإذا نضّ ثمنها فهو قراض لم يصح، لأنّ المال ليس بمملوك عند العقد «2».

أقول: إنّ للمسألة صورا:

1- أن تكون نفس السلعة رأس المال بنفسه، هذا مبني على صحة جعل العروض رأس المال في المضاربة، و قد عرفت صحته.

2- أن يقصد العاقد بكلامه هذا و يوكّل العامل في بيعها و جعل ثمنها رأس المال، بإجراء العقد عن الطرفين وكالة من جانب صاحب السلعة، و هذا أيضا لا ريب في صحته.

3- أن يقصد بذلك إجراء العقد بالفعل و جعل الثمن قراضا عند الانضاض، فهذا هو موضوع البحث، و البحث عن هذه الصورة مبنيّ على عدم صحة جعل العروض رأس المال.

______________________________

(1)- الوسائل: 12، الباب 10 من أبواب الصرف، الحديث 5.

(2)- الجواهر: 26/ 362 (قسم المتن).

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 71

و قد استدلّ على البطلان بما يلي:

ألف: عدم دخول الثمن في ملك صاحب السلعة قبل وقوع البيع فقد جعله رأس المال مع أنّه غير مملوك.

ب- أنّه مجهول.

ج- العقد معلق «1».

أمّا الأوّل: فلم يدل دليل على كون مال القراض مملوكا حين العقد بل يكفي كونه مملوكا بالقوة.

خرج من ليس له قدرة لتبديل شي ء إلى الثمن المسكوك، و أمّا صاحب السلعة التي سيبدّل إلى الثمن بعد زمن قليل فهو مالك الثمن فلا وجه للبطلان، و لم يدل دليل على أنّ العقد كالعلل الطبيعية يطلب أثره بعد العقد فورا.

و أمّا الثاني: فغير مضر إذا آل إلى العلم كما سيوافيك بيانه في الشرط

الثالث من شروط مال المضاربة.

و أمّا الثالث: فالتعليق غير مضرّ إلّا إذا دلّ الدليل الشرعي عليه كما في النكاح و الطلاق.

فرع: إذا دفع إنسان إلى صيّاد شبكة:

إذا دفع إنسان إلى صياد شبكة، و قال له: اصطد بها فما رزق اللّه سبحانه من صيد فهو بيننا، فقد ذهب المشهور إلى بطلانه، قال ابن البرّاج: كان باطلا فإن اصطاد شيئا كان له، دون صاحب الشبكة لأنّه صيده و يكون لصاحب الشبكة أجرة مثله «2».

______________________________

(1)- الجواهر: 26/ 362.

(2)- المهذب: 1/ 461.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 72

و قال ابن سعيد: و إن أعطاه شبكة ليصطاد بها بالنصف لم يصحّ، و الصيد لصياده، و عليه أجرة الشبكة، و إن أعطاه بغلا ليستقي عليه بينهما نصفين فالماء للمستقي، و عليه أجرة البغل، و إن سلّم إليه أرضا ليغرسها من ماله على أنّ لكل واحد نصف ما للآخر لم يصح، و الأرض لربّها، و الغراس لربّه، و لربّ الأرض أن يقرّه في أرضه بأجرة أو يقلعه و يضمن أرشه، أو يقوم عليه فيرد قيمته «1».

و قال المحقق: و لو دفع إلى العامل آلة الصيد كالشبكة بحصة فاصطاد كان للصائد و لكن عليه أجرة المثل للآلة «2».

و قال العلامة: و لو دفع شبكة للصائد بحصة، فالصيد للصائد و عليه أجرة الشبكة «3».

وجه البطلان واضح و هو انتفاء الشرط على مبنى القوم أعني الأثمان المسكوكة، و عدم حصول الشركة و عدم الامتزاج.

ثم إنّ المحقق الثاني قال: إنّ البطلان مبني على أنّه لا يتصوّر التوكيل في تملّك المباحات، أو أنّ العامل لم ينو بالتملك إلّا لنفسه، فلو نوى بالحيازة الملك له و لصاحب الشبكة، و قلنا بحصول الملك بذلك، كان لكل منهما الحصة المعينة له، و على

كل منهما للآخر من أجرة مثل الصائد و الشبكة بحسب ما أصابه من الملك «4».

هذه كلمات القوم، و لكنّك قد عرفت أنّه لا دليل على كون المال من الأثمان المسكوكة، بل تكفي الأعيان الخارجية القابلة للتجارة، و الإشكال في موضع آخر

______________________________

(1)- الجامع للشرائع: 317- 318.

(2)- الجواهر: 26/ 358: (قسم المتن).

(3)- مفتاح الكرامة: 7/ 441، قسم المتن (القواعد)

(4)- المصدر نفسه: 7/ 441.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 73

و هو أنّ المضاربة عبارة عن الانتفاع بالتجارة أعني ارتفاع القيمة و ليس ذلك على فرض عدم شرطية الأعيان المسكوكة من هذا القبيل.

و على ذلك يقع الكلام في صحة نفس العقد برأسه. أمّا تصحيحه من جانب التوكيل فهو شي ء لا يدور في خلد واحد من الطرفين، و إنّما الموجود في نية المتعاملين هو أن تكون الشبكة من واحد، و العمل من آخر و الصيد بينهما على نسبة خاصة فيلزم على الفقيه تصحيح ما نويا أو إبطاله، و بما أنّك قد عرفت أنّه لا دليل على اختصاص وجوب الوفاء بالعقود، بالعقود الموجودة في عصر الرسالة، فلا مانع من تصحيح نفس ذلك الاتّفاق برأسه، لكونه تجارة عن تراض و عقدا بين الطرفين و لا يصادم شيئا من العمومات الناهية أو المطلقات المانعة، خصوصا مع توفّر هذا النوع من العقد بين العقلاء، حيث إنّ أصحاب السيارات و السفن و القوارب يسلّمونها إلى العمال للانتفاع بها، بالشركة، و لا يرونه مخالفا لأيّ أصل من الأصول، فالأولى تصحيح هذا النوع من العقود برأسه بما أنّه عقد عقلائي لا تخالفه الأصول الشرعية.

الشرط الثالث: أن يكون معلوم القدر:

قد عرفت أنّه يشترط في القراض أن لا يكون دينا و يكون من الأثمان المسكوكة حسب رأي القوم، و هناك

شرط ثالث ذكروه في المقام، و هو أن لا يكون رأس المال جزافا بل يكون معلوم القدر.

1- قال الشيخ: لا يصح القراض إذا كان رأس المال جزافا و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: يصحّ القراض و يكون القول قول العامل حين المفاصلة، و إن كان مع كل واحد منهما بيّنة، قدّمت بيّنة ربّ المال، دليلنا: أنّ القراض عقد شرعي يحتاج إلى دليل شرعي و ليس في الشرع ما يدل على صحة هذا

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 74

القراض، فوجب بطلانه «1».

2- و قال القاضي: إذا دفع إنسان إلى غيره ثوبا و قال له: بعه فإذا حصل ثمنه فقد قارضتك عليه، كان باطلا، لأنّ القراض لا يصحّ بمال مجهول و هذا قراض بمال مجهول لا تعرف قيمته وقت العقد «2».

3- و قال ابن حمزة: القراض الصحيح: ما اجتمع فيه شروط ثلاثة ...

و تعيين مقدار المال «3».

4- و قال ابن إدريس: و من شرط صحة ذلك أن يكون رأس المال دراهم أو دنانير معلومة مسلّمة إلى العامل «4».

5- و قال المحقق: لا بدّ أن يكون معلوم المقدار، و لا تكفي المشاهدة، و قيل:

يصحّ مع الجهالة، و يكون القول قول العامل مع التنازع في قدره «5».

6- و قال العلّامة: الثالث أن يكون معلوما فلا يصح على المجهول قدره، و في المشاهد إشكال فإن جوّزناه فالقول قول العامل مع يمينه في قدره «6».

و مع ذلك فليست المسألة إجماعيا، بل خالف الشيخ الطوسي في المبسوط، فصرّح في آخر كلامه بصحة القراض بالمال المجهول، و استجوده في المختلف «7».

قال ابن سعيد: فإن دفع إليه جزافا صح، و القول قول العامل في قدره مع

______________________________

(1)- الخلاف: 3،

كتاب المضاربة، المسألة 17.

(2)- المهذب: 1/ 460.

(3)- الوسيلة: 264.

(4)- السرائر: 2/ 407.

(5)- الجواهر: 26/ 358، (قسم المتن).

(6)- مفتاح الكرامة: 7/ 445، (قسم المتن).

(7)- المختلف: 6/ 253.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 75

يمنيه، و كذلك ثمن المبيع و السلم و الأجرة، و قيل: لا يصح «1».

و قال الشهيد في اللمعة: ينبغي أن يكون رأس معلوما عند العقد «2».

و قال الأردبيلي: و أمّا دليل عدم الجواز بالمشاهد المجهول، فكأنّه الجهل، و نقل عن الشيخ قولا بالجواز و أنّه مع الاختلاف و عدم البينة، القول قول العامل مع اليمين، بل نقل عنه قولا بالجواز في الجزاف و إن لم يكن مشاهدا، و إنّه قوّاه في المختلف محتجّا بالأصل و أنّ المؤمنين عند شروطهم و إذ لا إجماع و لا دليل واضح على المنع، فالقول به لعموم الأدلة غير بعيد، و إن كان خلاف المشهور، و الأحوط التعيين «3».

هذه هي الأقوال و الآراء في المسألة فنقول: ينبغي ذكر صور المسألة، فنقول:

إنّ المجهول على قسمين: قسم لا يؤول إلى علم، و قسم آخر يؤول إليه و لو بعد وقوع العقد، و نحوه.

أمّا الصورة الأولى فالموافقة مع الصحة مشكلة لأنّ المعاملة سفهية أولا، و خطرية ثانيا، فيشمله نهي النبي عن الغرر «4» الذي هو بمعنى الخطر، و عدم الوقوف على الربح و الخسران ثالثا الذي هو الغاية من المضاربة، من غير فرق بين المجهول المشاهد و غيره إلّا أن يكون المشاهد كافيا في العلم بالمقدار تقريبا، بحيث لا يصدق عليه كون المعاملة سفهية، أو كونها مخطورة، و هو خلف الفرض.

و لا يكفي ارتفاع معظم الغرر، لصدق الغرر أيضا بعد ارتفاع المعظم.

______________________________

(1)- الجامع للشرائع: 314.

(2)- الروضة البهية: (قسم المتن).

(3)- مجمع

الفائدة: 10/ 248- 249.

(4)- الوسائل: 12، الباب 10 و 12 من أبواب البيع و شروطه، الحديث 2 و 13.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 76

أمّا المجهول الذي يؤول إلى العلم و لو بعد ساعة أو يوم أو شهر، فلا بأس بالقول بالصحة، لكون المعاملة عقلائية أولا و الإطلاقات شاملة لها و ليس الجهل المؤقت مانعا عن الصحة لعدم الفرق عند العقلاء بين العلم من بدء الأمر أو العلم بعد مدة، من غير فرق بين أن يكون المجهول مشاهدا أو غير مشاهد، فالحق هو التفريق بين المجهول الذي لا يؤول إلى علم أو يؤول إليه لا التفريق بين المشاهد و غير المشاهد.

و أمّا تصحيح المضاربة بمال مجهول مطلقا، بما ذكره الشيخ، من كون المرجع هو قول العامل قدرا و ربحا عند التنازع، فهو فرع كون المعاملة عقلائية و شمول الإطلاقات له، على أنّ المفروض فيما إذا لم يئول إلى علم، فالاعتماد على قول العامل إن كان لكونه أمينا فهو يرجع إلى القسم الثاني الذي يمكن فيه تحصيل العلم، و إلّا فالدخول في هذه المعاملة بحجّة أنّ المرجع هو العامل مع فرض كونه ليس أمينا في تعيين المقدار، معاملة سفهية و غررية، و لأجل كون المسألة ذات صورتين احتاط السيد المحقق الخوئي في المسألة و قال: على الأحوط الأولى، نعم أفتى السيد الطباطبائي في المتن باشتراط كونه معلوما مدة و وصفا و لا تكفي المشاهدة و إن زال به معظم الغرر «1».

الشرط الرابع: أن يكون متعينا:

قال المحقق: فلو أحضر مالين و قال: قارضتك بأحدهما أو بأيّهما شئت لم ينعقد بذلك قراض «2». قال العلّامة: لو دفع إليه كيسين، و قال: قارضتك على أحدهما، و الآخر وديعة و لم

يعيّن، أو قال: قارضتك على أيّهما شئت، لم يصح «3».

______________________________

(1)- العروة الوثقى: 2/ 427، كتاب المضاربة، الشرط الثالث تعليقة السيد الخوئي.

(2)- الجواهر: 26/ 359 (قسم المتن).

(3)- مفتاح الكرامة: 7/ 445، (قسم المتن).

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 77

و قال في التذكرة: الثالث أن يكون معينا، فلو أحضر المالك العين، و قال للعامل: قارضتك على إحدى هاتين الألفين، أو على أيّهما شئت، لم تصحّ لعدم التعيين «1».

و قال الأردبيلي: كان دليل اشتراط الحضور بالمعنى المذكور هو إجماعنا فتأمّل. و قال أيضا: عدم الجواز بأحد الألفين مثلا كأنّه الإجماع و الجهالة في الجملة و لكن كونه مضرّا غير ظاهر «2».

و قال في مفتاح الكرامة: قد ترك اشتراط ذلك الشرط في جميع ما عدا الكتب العشرة المذكورة، و يريد من العشرة: التحرير، جامع المقاصد، التذكرة، الإرشاد، و الروض، و مجمع البرهان، و المبسوط، و المهذّب، و الشرائع، و المسالك «3».

و قال السيد الطباطبائي: الرابع أن يكون معيّنا، فلو أحضر مالين، و قال:

قارضتك بأحدهما أو بأيّهما شئت، لم ينعقد إلّا أن يعيّن ثم يوقعان العقد عليه، و قال السيد الخوئي في تعليقته: على الأحوط و لا يبعد عدم اعتباره.

و قد استدل في الجواهر على اعتباره بأنّ المبهم لا وجود له في الخارج و تلزم موقوفية العقد مع التخيير إلى حال وقوعه، و ليس في الأدلة- حتى الإطلاقات- ما يدل على مشروعية ذلك، بل لعلّ الأدلّة، قاضية بخلافه ضرورة ظهورها في سببية العقود و عدم تأخر آثارها عنها و جعل الخيار كاشفا عن مورد العقد من أوّل الأمر، لا دليل عليه، لكونه مخالفا للأصل و من هنا لم يحك خلاف في البطلان حتى من القائلين بالجواز مع الجهالة

«4».

______________________________

(1)- التذكرة: 2/ 231- 234 و 248.

(2)- مجمع الفائدة و البرهان: 10/ 234 و 248.

(3)- مفتاح الكرامة: 7/ 444.

(4)- الجواهر: 26/ 359.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 78

يلاحظ عليه: أنّ النكرة و إن لم يكن موجودا في الخارج، في النظرة الفلسفية لكنّها ليست كذلك في النظرة العرفية فالعرف يراها موجودا في الخارج، بشهادة أنّه يرى مفهوم أحد الكيسين منطبقا على الخارج، و كفى في ذلك قوله سبحانه ناقلا عن لسان شعيب النبيّ- عليه السلام-: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هٰاتَيْنِ عَلىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمٰانِيَ حِجَجٍ (القصص- 27) خصوصا على القول بأنّ قوله هذا كان عقدا، لا اقتراحا منه لموسى- عليه السلام- و المعاملات أمور عرفية، و ليست أمورا عقلية، فإذا كان العقد أمرا عقلائيا، يكفي في صحته، شمول عمومات المضاربة إذا لم يصادم سائر الأصول.

و لا مانع من أن يكون العقد جزء العلة و يتم العقد باختيار العامل أحد الكيسين، و القول بعدم انفكاك الأثر من العقد من باب قياس الأمور الاعتبارية بالعلل التكوينية و لم يثبت كون العقد في عالم الاعتبار مؤثّرا تامّا في حصول الأثر، بشهادة التمليك في الوصية في ظرف العقد، و لكنّها تحصل بعد الموت، و مثله التدبير، أعني قوله: أنت حر بعد وفاتي، و الظاهر عدم اعتباره.

نعم، لا فرق بين أن يكون مشاعا أو مفروزا بعد العلم بمقداره و وصفه، فلو كان المال مشتركا بين شخصين، فقال أحدهما للعامل: قارضتك بحصتي في هذا المال، صحّ مع العلم بحصته من ثلث أو ربع، و كذا لو قال للمالك مائة دينار مثلا، قارضتك بنصف هذا المال، صحّ.

الشرط الخامس: أن لا يكون رأس المال بمقدار يعجز العامل عن التجارة به.

الغاية من المضاربة هي التجارة برأس المال، و هي المقوّمة لها، فإذا

كان رأس المال بمقدار يعجز العامل عن التجارة به إمّا لاشتراط المباشرة و هو عاجز

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 79

عن القيام بها مباشرة، و إن كان قادرا إذا استعان فيها بالغير، أو لعجزه مطلقا، حتى مع الاستعانة بالغير، يقع الكلام في الأمور التالية:

1- صحة العقد و بطلانه:

2- على القول بالبطلان هل الربح للمالك أو العامل.

3- فعلى القول بأنّ الربح للمالك فهل للعامل أجرة المثل أو لا؟

4- إذا تلف فهل العامل ضامن أو لا؟

و على كل تقدير فإمّا أن يكونا عالمين أو جاهلين، أو المالك عالما و العامل جاهلا أو بالعكس فنقول: قال المحقق: و إذا أخذ من مال القراض ما يعجز عنه ضمن «1».

أقول: أمّا الأوّل أعني حكم العقد فيمكن أن يقال: إنّ القدرة على التجارة بمال المضاربة من مقوّماتها، فإذا كان عاجزا عن القيام يبطل العقد لعدم المقوّم كما هو الحال في الاستئجار و الوصاية، فلو تبيّن عجز الأجير و الوصي يكشف عن بطلانه من غير فرق بين كونهما عالمين أو جاهلين، أو أحدهما عالما و الآخر جاهلا لأنّ القدرة شرط واقعي لصحة العقد و ليس العلم و الجهل مؤثرين فيهما.

و أمّا الثاني فإنّ الربح تابع للأصل فإذا كان المال للمالك يتبعه الربح، من غير فرق بين كونهما عالمين أو جاهلين أو مختلفين.

و أمّا الثالث أعني أجرة المثل للعامل، فلأجل احترام عمل المسلم و لكن ربّما يشترط في استحقاقها عدم كون العامل عالما بفساد العقد سواء كان المالك عالما أم جاهلا، فعلم العامل و جهله يؤثران في استحقاق أجرة المثل و عدمه، و أمّا علم المالك و جهله فليسا بمؤثرين في استحقاق أجرة المثل و عدمه، فإذا كان العامل عالما

بفساد العقد و مع ذلك اتّجر بعقد فاسد، فقد سلب احترام عمله و أقدم على

______________________________

(1)- الجواهر: 26/ 360. (قسم المتن).

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 80

بذل عمله مجانا.

و لكن الحق أن يقال: إنّه لم يقدم على بذل ماله بالمجان و لم يسلب حرمة عمله، بشهادة أنّه شرط المشاركة في الربح. فالعلم بفساد العقد لا يلازم سلب حرمة عمله كما هو الحال في كل عقد فاسد لم يقدم الإنسان على بذل المال مجانا مثل الإجارة و غيرها، نعم قوّى السيد الطباطبائي في كتاب الإجارة، عدم الضمان في صورة العلم بالبطلان فقال: «و كذا في الإجارة على الأعمال إذا كانت باطلة، يستحق العامل أجرة المثل لعمله دون المسماة إذا كان جاهلا، و أمّا إذا كان عالما، فيكون هو المتبرع بعمله سواء كان بأمر من المستأجر أو لا، فيجب عليه ردّ الأجرة المسمّاة أو عوضها و لا يستحق أجرة المثل «1».

و لكن الحق، التفصيل بين ما إذا كان الفساد مستندا إلى كون الإجازة بلا أجرة فبما أنّ مثل هذا فاسد و مفسد لكونه مخالفا لمقتضى العقد، فلا يستحق الأجرة، عالما كان بالفساد أو لا، لأنّه هتك حرمة ماله، و مثله ما إذا جعل مال الغير أجرة العمل مع علم الأجير له، و أمّا ما سوى ذلك، فالأقوى هو الضمان لأنّه لم يسلّطه على المنفعة مجانا حتى يكون خارجا من أدلة الضمانات و لم يهتك حرمة ماله و إن علم فساده شرعا.

و أمّا الرابع أعني الضمان، فالظاهر أنّه غير ضامن، لكونه من مصاديق «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفساده» فإنّ مال المضاربة غير مضمون على العامل في المضاربة الصحيحة فلا يكون مضمونا عليه في الباطلة،

ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: «صاحب الوديعة و البضاعة مؤتمنان»، و قال- عليه السلام-: «ليس على مستعير عارية ضمان، و صاحب العارية و الوديعة مؤتمن» «2».

______________________________

(1)- العروة الوثقى: كتاب الإجارة، المسألة 16.

(2)- الوسائل: 13، الباب 1، من أبواب كتاب العارية، الباب 1، الحديث 6.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 81

ثم إنّ هناك تفصيلين:

الأول: ما ذكره سيد مشايخنا المحقق البروجردي من التفصيل في المسألة و حاصله: هو صحة العقد فيما يقدر، و بطلانه فيما لا يقدر سواء أخذ مال القراض دفعة أو تدريجا. قال- قدّس سرّه-: اعتبار القدرة على العمل في تحقق المضاربة عقلا، لتقوّمها بالمال و العمل، و عدمها (في المقام) بالنسبة إلى جميع المال لكثرته، لا يوجب بطلانها، فيما يقدر عليه و يبذله من العمل في بعضه، فالأقوى صحّتها بالنسبة إلى ما يقدر عليه، و استحقاق العامل فيما يعمل به، حصته من الربح، بل الأمر في الإجارة أيضا كذلك، و إن كان بينهما فرق من جهة أخرى. نعم يكون للمستأجر مع جهله خيار التبعّض.

يلاحظ عليه: أنّ هنا معاملة و مضاربة واحدة بالمال المشخص المعلوم، لا تتكثر و لا تتعدد، فكيف يصح التبعيض في الصحة فيصح فيما يقدر، و يبطل فيما لا يقدر، خصوصا فيما إذا كان ما يقدر أقل بكثير ممّا لا يقدر فهل يمكن هناك استكشاف رضى المالك بالعقد على الأقل الذي لا ينفع؟

نعم، لو علم من قرينة خارجية أنّ هناك مطلوبين متعدّدين، فلا مانع من القول بالتبعيض في الصحة و على ذلك ينقلب الحكم في المواضع الأربعة فتصح المضاربة فيما يستطيع، و يكون الربح بينهما لا لخصوص المالك، و لا تكون للعامل أجرة المثل، كما

لا يكون ضامنا فيما يقدر، لكونه أمينا فيه و منه يظهر النظر في ما أفاده المحقق الخوئي- قدّس سرّه- من التصحيح في ما يقدر مطلقا، بحجّة أنّ المضاربة كغيرها من العقود تنحل إلى عقود متعدّدة على أجزاء رأس المال و إن كان بحسب الإنشاء واحدة، و حالها في ذلك، حال سائر العقود، و حيث إنّ المفروض أنّ العامل ليس بعاجز عن التجارة بجميع أجزاء ذلك المال، و إن كان عاجزا عن

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 82

الاتّجار بمجموعه، فلا موجب للحكم بالبطلان من رأس و في جميع المال «1».

و ذلك لأنّ القول بانحلال العقد حسب أجزاء المال أمر غير عرفي، فلو ضارب الرجل بمليون ريال، فعلى الانحلال أنّ هناك مضاربات بعدد الريالات و هو كما ترى بل الحق، ملاحظة المقدور و مقايسته مع غير المقدور فإذا استكشف تعدد الرضاء، و المطلوب و أنّ المضارب راض أيضا بالمضاربة بالقليل مع ترك الكثير، فللصحة مجال و إلّا فلا.

و بذلك يظهر أنّ الميزان استكشاف تعدد الرضا و المطلوب سواء كان المقدار المقدور متميزا عن غير المقدور أو لا، فما أفاده ذلك المحقق في ذيل كلامه من عدم الريب في صحة المعاملة بالنسبة إلى المقدور، غير واضح إذا كان رضاؤه مشروطا بالمعاملة مع الكل. و إلّا فتصح المعاملة مع الأقل و إن لم يكن متميزا.

الثاني: التفصيل بين ما إذا أخذ الجميع دفعة و ما إذا أخذ ما يقدر أوّلا و ما لا يقدر ثانيا، فيحكم بالبطلان إذا أخذ الجميع دفعة، و بالصحة إذا أخذ ما يستطيع معه على التجارة أوّلا ثم أخذ ما يعجز عن التجارة به ثانيا و لكن لم يمزجه بما أخذه أولا. حكاه

في المسالك و قال: و ربّما قيل: إنّه إن أخذ الجميع دفعة فالحكم كالأوّل و إن أخذ مقدوره، ثم أخذ الزائد و لم يمزجه به ضمن الزائد خاصة «2».

يلاحظ عليه: بما لوحظ على الأوّل، فإنّ هناك عقدا واحدا و تعهدا فاردا، فلو كان العجز من التجارة بتمامه مانعا عن صحّة أصل المضاربة، فكل ما يأخذه من هذا المال دفعة أو تدريجا مبنيّ على العقد الفاسد فيكون الأخذ دفعة و تدريجا على حدّ سواء، و لو كان مانعا عن الصحة بالنسبة إلى الزائد على القدر المستطاع فمقتضاه و إن كان هو التفصيل، لكن نسبة العجز و القدرة بالنسبة إلى ما أخذه

______________________________

(1)- مباني العروة الوثقى: 3/ 30.

(2)- المسالك: 1/ 297.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 83

أوّلا و ما أخذه ثانيا على حدّ سواء، لا ترجيح لأحدهما على الآخر، و ما ذكره السيد الطباطبائي في تقوية هذا القول بأنّ الأوّل وقع صحيحا و البطلان مستند إلى الثاني و بسببه، و المفروض عدم المزج، غير تام و ذلك لأنّ المفروض وحدة المضاربة، فليس ما أخذه بقدر المقدور متعلقا بمضاربة مستقلة، فإذا ضمّ إليه ما لا يستطيع، تكون نسبة الجميع إلى العقد على حدّ سواء.

و بعبارة أخرى أنّه يأخذ المقدور و غير المقدور بنيّة العقد الواقع أوّلا، فلا وجه لتفكيك ما أخذه أوّلا عمّا أخذه ثانيا، خصوصا إذا كان كل واحد ممّا أخذ مقدورا له، و إن كان الجميع غير مقدور. اللّهمّ إذا كان هناك قرينة تكشف عن تعدّد المطلوب و الرضاء فيصح في المقدور كما مرّ و عندئذ لا فرق بين الأخذ دفعة أو تدريجا، و حمل الأخذ الأوّل على وقوع المضاربة معاطاة، خلاف المفروض و

إلّا فيكون في المقام مضاربتان حقيقة.

لو ضارب بما في يد الغاصب معه:

و لو كان مال المضاربة في يد غاصب فإذا ضاربه المالك عليه فهل يصح العقد أو لا؟ و على فرض الصحة هل يبطل الضمان أو لا؟

أمّا صحة المضاربة، فلا إشكال فيه إذا كان مال القراض جامعا للشرائط، و أمّا بطلان الضمان، فلأجل أنّه مع عقد المضاربة ينقلب العنوان فيصير الغاصب عاملا أمينا معامليّا لا أمينا تبرعيا كالودعي فيترتب عليه كل ما يترتب على الأمين المعاملي، و أمّا استظهار الضمان من قوله- عليه السلام-: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» باعتبار عدم حصول الأداء، فالجواب: أنّه منصرف إلى ما إذا كان الغاصب باقيا على غصبه لا ما إذا انقلب العنوان منه إلى عنوان آخر.

و بذلك يظهر أنّه لا وجه لما يقال من أنّه إنّما يرتفع الضمان إذا اشترى به

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 84

شيئا و دفع المال إلى البائع، و لأنّه قد قضى دينه بإذنه، و ذلك لما عرفت من أنّ المضاربة تقلّب اليد عن العدوانية إلى الأمانية فينقلب الحكم، و بذلك يظهر حكم الرهن إذا كان عند الغاصب ثم رضي المالك بكونه رهنا له في مقابل دينه، فإنّه يرتفع به الضمان.

لو اختلفا في قدر رأس المال:

قال المحقق: لو اختلفا في قدر رأس المال فالقول قول العامل مع يمينه، لأنّه اختلاف في المقبوض «1».

أقول: توضيح المسألة و تحقيقها هو أنّ لها صورتين:

1- إذا تنازع المالك و العامل في مقدار رأس المال الذي أعطاه للعامل و كان النزاع مركّزا عليه فقط، قدّم قول العامل بيمينه مع عدم البيّنة، من غير فرق بين كون المال موجودا أو تالفا مع ضمان العامل، لأصالة عدم إعطائه أزيد ممّا يقوله، و أصالة براءته إذا كان تالفا من الأزيد.

2- أن يكون النزاع

في مقدار رأس المال راجعا إلى نزاع آخر و هو النزاع في مقدار نصيب العامل من الربح، كما إذا علم مقدار المال الموجود فعلا بيد العامل و أنّه ألفا دينار مثلا، و اختلفا في مقدار نصيب العامل منه، لأجل الاختلاف في مقدار رأس المال، بأن يدّعي المالك أنّ رأس المال هو الألف، و الألف الآخر هو الربح، فلكلّ واحد خمسمائة دينار- بناء على أنّ الربح بينهما بالتناصف-، و ادّعى العامل أنّ رأس المال هو ثمانمائة دينار و أنّ الربح هو ألف و مائتا دينار، فلكلّ واحد ستمائة دينار، فذهب المحقق إلى أنّ القول قول العامل بيمينه، لأنّه يرجع إلى اختلاف المقبوض، و في الواصل إليه و الداخل تحت سلطانه بالتصرّف فيه،

______________________________

(1)- الجواهر: 26/ 363 (قسم المتن).

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 85

فالمالك يدّعي الأكثر و العامل الأقل، و الأصل عدم دخول الزائد تحت سلطانه، فيكون هو المنكر و المالك هو المدّعي، فالقول قول المنكر لو لم يقم المدّعي البينة.

و يمكن أن يقال: إنّ ما ذكره يتمّ في الصورة الأولى أعني إذا كان النزاع مركّزا على مقدار رأس المال و كان الربح معيّنا لا نزاع فيه، و أمّا إذا كان النزاع فيه راجعا إلى النزاع في مقدار نصيب العامل من هذا المال الموجود فلا، لأنّه على تقدير قلّة رأس المال يصير مقدار الربح له أكثر فيكون نصيب العامل أزيد، و على تقدير كثرته، يكون بالعكس، و مقتضى الأصل كون جميع هذا المال للمالك إلّا بمقدار ما أقرّ به للعامل.

و بعبارة أخرى أنّ الاختلاف في مقدار رأس المال، واجهة لادّعاء أنّه يستحق شيئا كثيرا من المال الموجود و المالك ينكره، و قد تسالموا على الألف،

و هو يدّعي أزيد منه بمائتين و الأصل عدمه.

و يظهر سرّ ذلك إذا وقفنا على أنّ المال أصله و فرعه ملك للمالك بالأصالة و منه ينتقل إلى العامل و بما أنّ الفرع تابع للأصل و المقدار المسلّم الخارج منه هو ما تسالما عليه، فالزائد عليه يحتاج إلى الدليل. و إلى ذلك يشير صاحب الجواهر بقوله: «و لأنّ الأصل مع بقاء المال يقتضي كون جميعه للمالك إلّا ما أقرّ به للعامل» «1».

إن قلت: إنّ الأصل عدم دفع أزيد من ثمانمائة دينار إلى العامل فيتعين الباقي للربح.

قلت: إنّ الأصل غير مفيد لأنّ تعيّن الزائد للربح ليس أثرا شرعيا لعدم دفع أزيد من ثمانمائة، بل من لوازمه العقلية. و مثله الأصل الآخر أعني أصالة عدم

______________________________

(1)- الجواهر: 26/ 364، لاحظ العروة الوثقى: المسألة: 52، 60 من كتاب المضاربة.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 86

حصول الربح أزيد من مقدار ألف فيتعين الباقي كونه رأس المال، و ذلك لأنّ تعيّن الباقي في كونه جزءا لرأس المال ليس أثرا شرعيا لعدم حصول الربح الزائد بل هو لازم عقلي له.

إنّ ما ذكرناه مبنيّ على أنّ الميزان في تمييز المدّعي عن المنكر، إنّما هو مآل الدعوى و مرجعها و حاصلها فيكون المدّعي- على هذا- هو العامل. و أمّا إذا كان الميزان، هو مصبّ الدعوى و ظاهرها، فالعامل هو المنكر، و المالك هو المدّعي لموافقة قول العامل الأصل، و مخالفة قوله له فالأصل عدم كون رأس المال زائدا على ثمانمائة. و ممّن تنبّه لذلك السيد عبد الهادي الشيرازي- قدّس سرّه- في تعليقته على العروة فعلّق على قول السيد: «هذا إذا لم يرجع نزاعهما إلى النزاع في مقدار نصيب العامل من الربح» قوله:

«و كذا إذا رجع إليه إذا كان مصبّ الدعوى، النزاع في مقدار رأس المال كما هو المفروض»، و لعلّه لأجل ذلك تأمّل سيد مشايخنا البروجردي- قدّس سرّه- في تعليقته و قال: محلّ تأمّل و إشكال.

و المرجع عندنا في باب تمييز المدّعي عن المنكر، هو العرف لا الأصول العملية، و لا الظواهر، و لا مصب الدعوى و على هذا، فالعرف يتلقّى العامل مدّعيا و المالك منكرا.

نعم، إذا اختلفا في حصول الربح و عدمه فالقول قول العامل، أو اتفقا في مقدار رأس المال و ادّعى العامل أنّه ربح ألف، و المالك ربح أزيد، فالقول قوله أيضا.

و أمّا إذا اختلفا في مقدار الحصة و أنّه النصف أو الثلث، فالقول قول المالك.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 87

الفصل الرابع: في الربح

اشارة

إنّ الربح من أركان المضاربة، فالغاية من تشريعها هو الاسترباح، فيقع الكلام حوله في أمور:

الأوّل: للعامل حصّة من الربح لا أجرة المثل:

إذا كان رأس المال من المالك و العمل من العامل فهناك شركة بين المال و العمل، فالذي يقابل العمل هو حصة من الربح حسب ما اتفقا عليه، و لا تقابله أجرة المثل أبدا، و ليس للمالك الخيار بين إعطاء حصة من الربح حسب الاشتراط أو أجرة المثل، بل ليس له إلّا العمل على الاتّفاق و الاشتراط، و دفع حصّة العامل من الربح، و عليه جمهور الفقهاء من الطائفتين بل هو قول جميع المسلمين كما في الروضة إلّا قليلا من أصحابنا كما في المسالك و الكفاية و إلّا شواذا من أصحابنا كما في المفاتيح و عليه الإجماع كما في السرائر، و هو المشهور كما في المهذب البارع و المقتصر، و المشهور المفتى به كما في التنقيح «1».

______________________________

(1)- مفتاح الكرامة: 7/ 487.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 88

نعم، خالف المفيد و الشيخ الطوسي و أبو الصلاح و سلار، و لم نجد مخالفا غير هؤلاء الأربعة. قال المفيد: و إذا دفع الإنسان إلى تاجر مالا ليتّجر به على أنّ الربح بينه و بينه، لم ينعقد بذلك بينهما شركة، و كان له أجرة مثله في تجارته «1».

و ظاهره أنّ المضاربة عنده عقد فاسد، بشهادة قوله: لم ينعقد بذلك بينهما شركة، فيرجع في مقابل العمل إلى أجرة المثل كما هو الحال في الإجارة الفاسدة، فإنّ للأجير عندئذ أجرة المثل، و لم نقف لحدّ الآن على دليله على فساد المضاربة مع تضافر الروايات على صحّتها و تطابق السيرة على العمل بها.

قال الشيخ: ... و أعطاه المال ليضارب له به، كان للمضارب أجرة المثل.

و كان

الربح لصاحب المال و الخسران عليه، و قد روي أنّه يكون للمضارب من الربح مقدار ما وقع الشرط عليه من نصف أو ربع أو أقل أو أكثر، و إن كان خسرانا فعلى صاحب المال «2».

و لا يمكن حمل كلام الشيخ على المضاربة الفاسدة بشهادة أنّه قال: و قد روي أنّه: «يكون للمضارب من الربح بمقدار ما وقع الشرط عليه» و من المعلوم أنّ الروايات وردت في مورد المضاربة الصحيحة، و لم يعلم لحدّ الآن كيف ترك الشيخ العمل بما رواه هو و غيره في مسانيدهم، فإنّ روايات الباب مطبقة على أنّ العامل ينتفع بحصّة من الربح لا بأجرة المثل، و مع ذلك فقد أفتى في بعض الموارد على خلافه، و قال: و متى اشترى المضارب مملوكا، فكان أباه أو ولده، فإنّه يقوّم عليه، فإن زاد ثمنه على ما اشتراه انعتق منه بحساب ما يصيبه من الربح «3».

______________________________

(1)- المقنعة: 632.

(2)- النهاية: 428.

(3)- النهاية: 430.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 89

و قال أبو الصلاح: و إمضاء شرطها أفضل، فإن تنازعا فللمضارب أجرة مثله «1» و قوله صريح في أنّ للمالك الخيار في نقض العقد، و دفع أجرة المثل، و لكن العمل بالعقد أفضل، و هو عجيب.

و قال سلّار: و المضاربة أن يسافر رجل بمال رجل فله أجرة مثله و لا ضمان عليه «2».

و على كلّ تقدير فهذا القول و إن صدر من المشايخ العظام، قول شاذ في مقابل إطباق الفقهاء و سيرة المسلمين على أنّ العامل ينتفع بحصة من الربح لا بأجرة المثل. فلاحظ الباب الثاني من أبواب أحكام المضاربة و غيره و نحن في غنى عن سرد الروايات.

الثاني: تعيين حصة العامل و المالك:

اشارة

و من شروط صحة المضاربة تعيين

حصة العامل، قال العلّامة: و من الشروط أن تكون الحصة لكل منهما معلومة «3».

و قال الخرقي في متن المغني: و من شرط صحة المضاربة، تقدير نصيب العامل لأنّه يستحقه بالشرط فلم يقدر إلّا به، و لو قال: خذ هذا المال مضاربة و لم يسمّ للعامل شيئا من الربح، فالربح كلّه لربّ المال، و الوضيعة عليه، و للعامل أجرة مثله «4».

و علّله المحقق الأردبيلي بأنّ عدم التعيين مستلزم للجهل الموجب للبطلان،

______________________________

(1)- الكافي: 347.

(2)- المراسم: 182.

(3)- التذكرة: 2/ 235.

(4)- المغني: 5/ 142.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 90

و يمكن أن يقال: إنّ الغاية من المضاربة هو تملّك كل واحد من المالك و العامل حصّة من الربح، و المملوك يجب أن يكون متعيّنا، و المبهم و المردّد بين الثلث و الربح و غيرهما لا يكون مملوكا، مضافا إلى ما ذكر من حديث الغرر، و الرجوع الى أجرة المثل خلاف مقتضى المضاربة، و إنّما يرجع إليها إذا فسدت و المقصود في المقام هو تحديد المضاربة الصحيحة.

إذا جعل لأحدهما شيئا معيّنا و الباقي بينهما:

و لو شرط لأحدهما شيئا معينا، و الباقي بينهما، بأن يقول المالك: لي من الربح عشرة دنانير و ما بقي بالمناصفة، فقد حكم المحقّق بأنّه يفسد و علّله بعدم الوثوق بحصول الزيادة، فلا تتحقق الشركة، و قال العلّامة: و يشترط في الربح الشياع، فلو شرط إخراج معيّن من الربح و الباقي للشركة بطل.

و علّله المحقق الأردبيلي بقوله: يشترط كون كلّ جزء جزءا مشتركا، و كأنّه لا خلاف في هذا الشرط، و كونه داخلا في مفهوم المضاربة «1».

و علّله في الجواهر: بعدم ثبوت ما يدلّ على الصحة في الفرض ضرورة اقتصار النص و الفتوى على صحّة المشتمل على اشتراك جميع الربح بينهما

على جهة الإشاعة بنحو النصف و الثلث و الربع، و ما يؤدّي مؤدّاها، و منهما ينقدح الشك في تناول الإطلاقات له، هذا مع قطع النظر عن ظهور النصوص في البطلان و لو لظهورها في اعتبار الشركة الإشاعية في جميع الربح، فضلا عن صريح الفتاوى فحينئذ يبطل القراض، و إن وثق بالزيادة لعدم اشتراك جميع الربح بينهما حينئذ بعد اختصاص أحدهما بشي ء معيّن منه «2».

______________________________

(1)- مجمع الفائدة و البرهان: 10/ 250- 251.

(2)- الجواهر: 26/ 367.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 91

يلاحظ على ما ذكره المحقق: أنّه ربّما يحصل الوثوق بأنّ الشركة ستربح أكثر بكثير ممّا شرط لأحدهما معيّنا، نعم يتم ما ذكره فيما إذا لم يحصل الوثوق و هو خلاف الفرض.

و يلاحظ على ما ذكره صاحب مجمع الفائدة و صاحب الجواهر من اعتبار الشركة الإشاعية في جميع الربح في حقيقة المضاربة: بأنّه دعوى بلا دليل، فإنّ المعتبر في المضاربة هو أن يكون لكلّ من المالك و العامل سهم من الربح مقابل البضاعة حيث لا يكون للعامل فيها سهم و مقابل القرض حيث لا يكون للمالك فيه سهم، بخلاف المضاربة، فإنّ لكل واحد سهما من الربح، و المفروض تحقّق ذلك و لو بالإشاعة في غير ما عيّن، و إن شئت قلت: إنّ إخراج عشرة دنانير من الربح يرجع إلى استثناء خمسة دنانير من الإشاعة فكأنّه قال: الربح بينهما مشاع إلّا في خمسة دنانير.

و العجب أنّ السيد الطباطبائي أفتى في المقام ببطلان المضاربة، و قال: فلو جعل لأحدهما مقدارا معيّنا و البقية للآخر، أو البقية مشتركة بينهما لم يصح، مع أنّه أفتى في المساقاة بخلاف ذلك «1».

و حاصل الكلام: أنّ إطلاق العقد يقتضي المشاركة بالإشاعة في

كل جزء جزء من الربح، و هو لا يمنع عن تقييد الإطلاق بتخصيص شي ء معيّن من الربح للمالك أو العامل و الاشتراك بالإشاعة في البقية، و ليست الإشاعة في كل جزء، جزء من مقومات المضاربة و حدودها العرفية حتى يكون الشرط مخالفا لمقتضى العقد، و بذلك تظهر صحّة قسم آخر و هو أن يجعل لأحدهما مقدارا معيّنا و البقية

______________________________

(1)- انظر العروة الوثقى، كتاب المساقاة في شرائط المساقاة، قال: التاسع و كذا لو اشترط اختصاص أحدهما بأشجار معلومة و الاشتراك في البقية. أو اشترط لأحدهما مقدار معيّن مع الاشتراك في البقيّة إذا علم كون الثمر أزيد من ذلك المقدار و أنّه تبقى بقية.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 92

للآخر، لما ذكرنا من أنّ الإشاعة من مقتضيات مطلق المضاربة و إطلاق العقد، لا من مقومات حقيقتها، و على ذلك فكل شرط لم يكن مخالفا لمقتضى العقد أو حكم الكتاب و السنّة، أو لم يكن غرريا و لا ربويا و نحوهما، يكون نافذا بحكم أدلّة الشروط و إطلاقات وجوب الوفاء بالعقد.

إذا جعل جزءا من الربح لأجنبي:

إذا شرط جزء من الربح لأجنبي عنهما أو لعبد واحد منهما فهل يصح أو لا؟

أقوال، و إليك صور المسألة:

1- أن يجعل جزء من الربح لأجنبي عنهما، و لكن كان له عمل مخصوص في المضاربة بأن يحمل لهم المتاع إلى السوق، أو أن يدلّل عليه، و نحوه من الأعمال الجزئية المضبوطة، فلو أطلق عليه الأجنبي عند ذاك، فلأجل أنّ العامل عبارة عمّن كان قائما بجميع الأعمال، لا ما ينحصر عمله في الحمل و النقل أو في المحاسبة و نحوهما، فالظاهر صحّته لأنّ الأجنبي لا يعمل تبرّعا بل لغاية الأجرة فيكون من مئونة التجارة فلا فرق

بين أن يقدّر أجرته بشي ء معيّن أو تكون أجرته سهما من الربح، اللّهمّ إلّا أن يقال إذا كان الأجنبيّ خارجا عن طرف المضاربة يكون أجيرا يجب أن تكون أجرته معيّنة و لا تصحّ أن تكون سهما من الربح لاحتمال عدمه.

2- أن يجعل جزء لأجنبيّ من غير أن يشترط عليه عمل متعلّق بالتجارة، قال الخرقي في متن المغني: و إذا شرطا جزءا من الربح لغير العامل نظر، فإن شرطاه لعبد أحدهما أو لعبديهما صحّ و كان ذلك مشروطا لسيده، فإذا جعلا الربح بينهما و بين عبديهما أثلاثا كان لصاحب العبد الثلثان، و للآخر الثلث، و إن شرطاه لأجنبي أو لولد أحدهما أو امرأته أو قريبه و شرطا عليه عملا مع العامل صحّ و كانا عاملين، و إن لم يشترطا عليه عملا لم تصحّ المضاربة و بهذا قال الشافعي، و حكي

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 93

عن أصحاب الرأي أنّه يصح، إلى أن قال: إنّ ربّ المال يستحقّ الربح بحكم الأصل، و الأجنبي لا يستحقّ شيئا، لأنّه إنّما يستحق الربح بمال أو عمل، و ليس هذا واحدا منهما، فما شرط لا يستحقه فيرجع إلى ربّ المال كما لو ترك ذكره «1».

و المستفاد من هذه الكلمات:

إنّ الثابت من القراض ما كان تمام الربح فيه مشتركا بين المالك و العامل، و اشتراك شخص ثالث في الربح يحتاج إلى دليل، و إليه يرجع ما نقلناه عن الخرقي.

يلاحظ عليه: أنّ مقتضى إطلاق العقد كون تمام الربح بينهما و هذا الأثر لا ينفك عنه ما دام العقد مطلقا، فإذا قيّد، يؤخذ بالتقييد ما لم يكن القيد مخالفا لمقتضى العقد، أو مخالفا للكتاب و السنّة، و انحصار الربح فيهما ليس

من مقومات المضاربة عرفا و لأجله لا يعدّ شركة الدولة بمقدار الضريبة مخالفا للمقتضى، و الشاهد على ذلك أنّ العرف لا يراه مناقضا لمفهوم المضاربة، و هذا بخلاف ما إذا باع بلا ثمن و آجر بلا أجرة، حيث يرى اشتراط عدم الثمن و الأجرة مخالفا لمفهومهما.

و هناك وجه آخر للبطلان ذكره المحقق الخوئي- قدّس سرّه- من أنّه من قبيل تمليك المعدوم و ليس لدينا عموم أو إطلاق يشمل تمليك ما لا يملك «2».

يلاحظ عليه: بأنّه لو كان من قبيل تمليك المعدوم لعمّ الإشكال للعامل فكيف يملك النصف للعامل مع أنّه غير موجود؟ و الحلّ أنّ التمليك صحيح لوجود المقتضى، و إن لم يكن الربح موجودا بالفعل، و إن شئت قلت: إنّه من قبيل التمليك المشروط و ليس أمرا غريبا و كم له من نظير، و ذلك كما في نذر النتيجة

______________________________

(1)- المغني: 5/ 146.

(2)- مباني العروة الوثقى: 3/ 28.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 94

فإذا قال: لو أنتجت شاتي هذه توأمين فهما وقف للّه أو نذر لزوار ضريح الإمام، فالتمليك فعليّ مع أنّ المملوك غير موجود، و يكفي في التصحيح وجود المقتضى أو الاشتراط: أي إن أنتجت.

و هناك وجه ثالث و هو: أنّ مقتضى القاعدة تبعية المنافع بأكملها لرأس المال في الملكية و إنّما خرجنا عنها في المضاربة حيث يكون بعض الربح للعامل بالدليل الخاص، و حيث لا دليل على جواز الجعل للأجنبي يكون باطلا لا محالة، بعد أن لم يكن له شي ء من رأس المال أو العمل «1» و هو أيضا محتمل كلام الخرقي.

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره صحيح و لكنّه من آثار المضاربة المطلقة، لا مطلق المضاربة فلا مانع من تقييد

الإطلاق بالشرط فيكون واجب الوفاء حسب الإطلاقات، و العمومات، فالربح تابع للمال، و لكنّه ليس على نحو لا يقبل الانفكاك بالاشتراط بدليل انفكاكه في مورد العامل، و الحاصل أنّ كون الربح تابعا للمال من قبيل المقتضي لا العلة التامّة.

و منه تظهر حال ما إذا جعل سهم لعبد المالك، فلو قلنا بأنّه لا يملك شيئا فيكون راجعا إلى سيّده. و إن قلنا بأنّه يملك، فيدخل فيما إذا جعل سهم للأجنبي.

الثالث: كون المال بيد العامل:

اشارة

قال العلّامة في التحرير: يشترط أن يكون رأس المال بيد العامل، و لو اشترط المالك أن يكون بيده لم يصح، و قال في القواعد: يشترط أن يكون مسلّما في يد العامل، فلو شرط المالك أن تكون يده عليه لم يصح، أمّا لو شرط أن يكون مشاركا في اليد أو يراجعه في التصرّف أو يراجع مشرفه، فالأقرب الجواز «2».

______________________________

(1)- مباني العروة: 3/ 27.

(2)- مفتاح الكرامة: 7/ 446. (قسم المتن).

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 95

و قال في التذكرة: لو شرط المالك أن يكون الكيس في يده يوفي الثمن منه إذا اشترى العامل شيئا جاز، و هو أوفق بأصول المذهب لأنّه شرط سائغ لا يخالف كتابا و لا سنّة و أنّه لو لم يشرع لزم تضرّر صاحب المال، إمّا بترك التجارة أو تسليم ماله إلى الخائن و كلاهما ضرر.

و التحقيق أن يقال: إنّ طبع المضاربة يقتضي أن يكون المال في يد العامل يتقلّب فيه على حسب المصلحة. غير أنّ ذلك مقتضى إطلاق العقد، لا مطلق عقد المضاربة، فلا مانع من أن يشترط أن يكون المال في يد المالك بحيث لا يكون مانعا عن التجارة، أو اختلالها.

و ما ربما يقال من انتفاء المضاربة مع عدم استقلال العامل

بالمال، منظور فيه لأنّ المعتبر عرفا هو تمكّن المضارب من التجارة على أيّ نحو شاء، فلو استلزم كون المال بيد المالك عدم تمكّنه منها صحّ ما ذكر، و إلّا فلا وجه للاشتراط مع صدق المضاربة. قال السيد العاملي: إنّ وضع المضاربة و مشروعيتها على أن يكون المال في يد العامل، كما أنّ وضع الشركة على أن يكون الربح تابعا لرأس المال و ليس ذلك شرطا فيهما، لكن إذا اشترط في المضاربة أن يكون في يد المالك جاز، كما إذا اشترط التفاوت في الشركة فإنّه يجوز «1».

تعدد العامل مع وحدة المالك «2»:

لو تعدّد العامل مع وحدة المالك خصوصا فيما إذا كان المال كثيرا لا يقوم بحقّه شخص واحد يصح أن يقول: «ضاربتكما بهذا المال، و لكما النصف»، و الدليل على الجواز السيرة و إطلاق الأدلة.

______________________________

(1)- مفتاح الكرامة: 7/ 446. (قسم المتن).

(2)- البحث عن هذه المسألة و ما يليها في هذا الفصل استطراديّ فلاحظ.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 96

ثم إنّ مال كل منهما إمّا أن يكون متميزا أو لا، فعلى الأوّل تكون مضاربتين مستقلّين، و إن كان الإنشاء واحدا لكلّ حكمه بخلاف ما إذا كان غير متميز، فإنّه مضاربة واحدة، قائمة بعاملين، لها حكمها الواحد.

و على هذا لو اتّفق فسخ المضاربة بفاسخ قهري أو اختياري و كان أحدهما قد عمل و ربح و الآخر بعد لم يعمل أو لم يربح، ففيما إذا كان المال متميزا، فالربح بين العامل و المالك و لا صلة له للعامل الآخر الذي لم يعمل أو عمل و لم يربح، بخلاف ما إذا كان غير متميز فلو ربح أحدهما يستحق الآخر حصته، و إن لم يكن له عمل أو ربح، و هذا كما إذا

كان متجر كبير، يتصدّى أحدهما للحبوب شراء و بيعا، و الآخر للألبسة كذلك، فربح أحدهما دون الآخر مع كون رأس المال مشاعا فيقسّم الربح الحاصل بين العاملين و المالك أثلاثا مثلا.

ثم إنّه يجوز أن يفضّل المالك أحدهما على الآخر، و إن كان عملهما سواء، أو كان مختلفا و ذلك واضح فيما إذا كان المال متميزا فيقارض أحدهما بنصف الربح و الآخر بثلث الربح، و مثله ما إذا كان غير متميز و ذلك للسيرة و إطلاق الأدلّة، لأنّ الربح أوّلا بالذات للمالك فله أن يخصّ أحدهما بشي ء أزيد، خصوصا إذا كان أحدهما أليق من الآخر و المضاربة في صورة عدم تميّز المال و إن كانت واحدة لكن لا دليل على التسوية في الربح مع الاستواء في العمل، و ما هو الركن أن يكون للعامل حصة من الربح، و أمّا استواء العاملين في الربح، فلا و كون القبول واحدا قائما بهما لا يستلزم تسوية القابلين في الربح.

تعدد المالك و وحدة العامل:

فكما جاز وحدة المالك و تعدد العامل، يجوز العكس فيجوز تعدّد المالك و توحّد العامل، سواء كان المال مشاعا من أول الأمر، أو متميزا لكن أجاز المالك

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 97

أن يخلط المال و يحصل الشركة بينهما، و أمّا إذا كان متميزا و غير مخلوط فهو خارج عن موضوع البحث، يقول السيد الطباطبائي: و كذا يجوز مع عدم اشتراك المال بأن يكون مال كل منهما ممتازا و قارضا واحدا مع الإذن في الخلط «1». وجه الجواز، إطلاق الأدلة و السيرة، ثم إنّ الاختلاف في تقسيم الربح في المقام يتصوّر على وجهين:

1- الاختلاف في جانب العامل، بأن يضاربه أحد المالكين بالنصف و الآخر بالثلث و الربع.

و بالتالي يكون سهم المالكين مختلفا ناشئا من اختلاف سهم العامل، لا ابتداء، بخلاف الشقّ: التالي فإنّ سهمهما يكون مختلفا من بدء العقد.

2- الاختلاف في جانب المالك، كما إذا قارضا واحدا و اشترطا نصف الربح له و لكن تفاضل المالكان في النصف الآخر، بأن جعل لأحدهما أزيد من الآخر مع تساويهما في مقدار رأس المال، أو تساويا في الباقي مع تفاوتهما فيه.

أمّا الأوّل، فلا إشكال فيه، لأنّ لكل شريك ولاية على حصته فكأنّ أحد الشريكين قال للعامل: اتّجر بحصّتي و لك النصف، و قال الآخر: اتّجر بحصتي و لك الثلث، و إن شئت قلت: إنّ العقد الواحد ينحلّ إلى عقدين حكما، فلكل عقد حكمه، و تكون نتيجة ذلك بعد إخراج سهم ربح العامل، هو تفاضل سهم المالكين، لأنّ النماء تابع للعين، فنصف الربح راجع إلى ذلك المالك، و النصف الآخر إلى المالك الآخر غاية الأمر أخرج كلّ عن ملكه ما عيّنه للعامل من الربح، فيؤدي أحدهما من الربح المختص بماله النصف للعامل، و الآخر الثلثين من الربح المختص به و بالتالي يحصل التفاضل بين المالكين. قال السيد الطباطبائي- قدّس سرّه-: فإن كان من قصدهما كون ذلك للنقص على العامل بالنسبة إلى صاحب

______________________________

(1)- العروة الوثقى: كتاب المضاربة، المسألة: 27.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 98

الزيادة بأن يكون، كأنّه اشترط على العامل في العمل بماله، أقلّ مما شرطه الآخر له كأن اشترط هو للعامل، ثلث ربح حصته، و شرط له صاحب النقيصة ثلثي ربح حصته مثلا مع تساويهما في المال فهو صحيح «1» فقد تسلّم أنّه لو كان هناك نقص على العامل، ينتفع به صاحب الشرط، لا الشريكان.

إنّما الكلام في الصورة الثانية أي فيما

إذا كان الاختلاف ناشئا من اتفاق المالكين على التفاضل فرضيا على أن يكون النصف الآخر من الربح بينهما أثلاثا مع تساويهما في مقدار رأس المال أو أنصافا مع اختلافهما فيه. و منشأ الإشكال أمران:

1- إنّ التفاضل على خلاف مقتضى الشركة فإنّ مقتضاها عدم التفاضل في الربح إذا تساويا في مقدار رأس المال.

2- إنّه على خلاف مقتضى السنّة، لأنّها دلّت على تبعية النماء للعين في الملك فربح مال كلّ أحد، له.

و اشتراطه لغيره جزءا أو كلّا يحتاج إلى الدليل و تصحيحه بأدلّة الشروط غير صحيح، لأنّها غير مشرّعة و إنّما ينفذ بها كلّ شرط شرعي في نفسه، فما لم يكن سائغا بنفسه لا يكون سائغا بالشرط و لذا لم يلتزموا بصحة هذا الشرط في غير الشركة و المضاربة، كما لو باع متاعه لشخص على أن يكون ربحه من تجارته الأخرى له على نحو شرط النتيجة «2».

يلاحظ على الأوّل: وجود الفرق الواضح بين كون أحد الشريكين صفر اليد و كونه، أقل نصيبا من الآخر، فالأول يخالف مقتضى العقد، دون الآخر.

و الميزان في تمييز خلاف المقتضى عن عدمه، ظهور التناقض عند العرف

______________________________

(1)- العروة الوثقى: كتاب المضاربة، المسألة: 28.

(2)- مستند العروة: 3/ 90.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 99

بعد الاشتراط كما إذا قال: بعت بلا ثمن. أو قال: آجرت بلا أجرة و ليس المقام كذلك، فلو قالا: ضاربنا واحدا، و اتفقا على أن يكون سهم أحدهما من الربح أكثر من سهم الآخر لغرض من الأغراض فلا يعدّ مناقضا.

و أجيب عن الثاني، بالتفريق بين كون الحكم فعليا من جميع الجهات فلا يمكن تغييره بالشرط و غيره، و كونه اقتضائيا و حينئذ لا مانع من اشتراط التفاضل لا

في عقد الشركة و لا في غيره من العقود فيصح أن يشترط في المبيع التفاضل في النماء للمال المشترك، لأنّ تبعيته للمال حكم اقتضائي قابل للتغيير بالاشتراط في العقد.

يلاحظ عليه: أنّه مبنيّ على ما فسّره الشيخ: الشرط المخالف و غيره بتقسيم الأحكام على قسمين: فعلي و اقتضائي، و الأوّل منهما لا يتطرق إليه التبدل أبدا لا بالشرط و لا بالنذر كالواجبات و المحرّمات، بخلاف المباحات و أختيها، فإنّها يتطرق إليها التغيير بطرو عناوين ثانوية، ثم مثّل لذلك بأمثلة.

و لكنّه غير تام، و ذلك لأنّ الأحكام الشرعية فعلية مطلقا لا يتطرق إليها التبدّل و التغيّر مطلقا، و ليس فيما بأيدينا من الأدلة ما يدل على تقسيم الأحكام إلى فعلية و اقتضائية، و في صحيحة عبد اللّه بن سنان: «المسلمون عند شروطهم إلّا كل شرط خالف كتاب اللّه عزّ و جلّ فلا يجوز» «1» كيف و إنّ الإمام جعل اشتراط ترك التسري و التزوّج على الزوجة خلاف شرط اللّه.

و على ذلك، فلو دلّت السنّة على تبعية الربح للمال لا يمكن التجاوز عنه إلّا بدليل كما في المضاربة حيث يكون العامل شريكا لربّ المال من حين ظهور الثمرة.

______________________________

(1)- الوسائل: 12، الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2 و لاحظ أحاديث الباب.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 100

ما هو الميزان للشرط المخالف و الموافق؟

قد أوضحنا حال الأمرين عند البحث عن الشروط في ذيل الخيارات، و قلنا بأنّه ليس للتكليفين الإلزاميين- أي الوجوب و الحرمة- إلّا حالة واحدة فلو كان الشرط موجبا أو منتهيا إلى ترك الواجب أو ارتكاب الحرام فهو مخالف للكتاب و السنّة. إنّما الكلام في غير الإلزاميين فله صورتان:

1- أن يكون الاشتراط تدخّلا في مجال التشريع، كأن يلتزما بحرمة ما

أباحه اللّه في كتابه و سنّة نبيه كحق التسري و التزوّج بامرأة أخرى، بأن لا يكون له ذلك الحق المشروع، فهذا من قبيل تحريم الحلال.

2- أن يطلب منه العمل بأحد طرفي المباح و يتّفقا على ذلك، بلا تدخّل في مجال التشريع من الحكم و الحق، فالشارط و المشروط عليه يتفقان على كون التسري حقا للزوج و مباحا من جانب الشارع، لكن يطلب الشارط أن يختار المشروط عليه أحد طرفي المباح كالفعل، أو الترك و مثل هذا لا يعد مخالفا للكتاب و السنّة، و إلّا لعاد جميع الشروط مخالفا، مثلا إذا باع داره و اشترط على المشتري خياطة ثوب له فالخياطة بالذات مباحة يجوز له فعلها و تركها، و لكنّها بعد الاشتراط تصبح لازمة، و لا يعد مثل ذلك إيجابا للمباح لأنّ الطرفين يتفقان على الحكم الشرعي و إنّما يتفقان على أنّ المشروط عليه، يختار من الطرفين جانب الفعل، لا الترك.

و على ضوء هذا تبيّن ما هو المخالف للشرع، فلو شرط كون الشريك مالكا لجزء من سهم الشريك الآخر بظهوره من دون تمليك منه بل يملك بنفس هذا الاشتراط، فهذا مخالف للسنّة. نعم، لو كان الاشتراط على نحو شرط الفعل بأن يشترط تمليك أحد الشريكين قسما من ربحه للآخر، فهو صحيح، و بعبارة أخرى:

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 101

شرط النتيجة مخالف للسنّة دون شرط الفعل لكن الثاني يتصوّر بوجهين:

1- أن يكون المشترط هو العامل كأن يشترط على أحد الشريكين و يقول: لا أضارب بسهمك إلّا أن تملك جزءا من الربح الحاصل للشريك الآخر، و يطلب منه فعل ذلك، من دون تدخّل في حكم الشارع بكون الربح بالظهور للشريكين على نحو التساوي بل يشترط

عليه أن يملّك جزءا منه للآخر، و لا يلزم أن تكون فائدة الشرط عائدة إلى المشترط، بل يمكن أن يكون له غرض من الشرط و هذا هو الذي استند إليه صاحب المستمسك و أوضح حاله. لكن يلاحظ بأنّه خروج عن محطّ البحث. لأنّ مفروضه أنّ التفاضل مستند إلى اشتراط المالكين في عقد المضاربة لا إلى العامل.

2- أن يشترط أحد المالكين على الآخر التفاضل في الربح، في نفس عقد المضاربة على نحو شرط الفعل، فهو و إن كان جائزا في نفسه لكن نفس عقد المضاربة لا يصححه، لأنّ العقد بين كل من المالكين و العامل لا بين المالكين، و المالكان عند العقد مع العامل يقعان في طرف الإيجاب و العامل في طرف القبول، و الشرط في كل عقد إمّا من الموجب على القابل، أو من القابل على الموجب، و لم يعهد الشرط من الموجب على الموجب «1» و لأجل ذلك لا محيص في مقام التصحيح من تمهيد شركة عقدية بين المالكين قبل عقد المضاربة ثم إيقاع المضاربة عليه، بأن يتفق الشريكان على أن يضاربا عاملا بشرط أن يتفاضلا في الربح.

و بعبارة أخرى اتّفقا قبل عقد المضاربة على أن يضاربا في المستقبل بشرط أن يملّك أحد المالكين جزءا من ربحه للمالك الآخر إذا ظهر الربح، و هذا لا

______________________________

(1)- و إلى ذلك الإشكال يشير المحقق البروجردي في تعليقته و يقول: الشركة بين المالكين، ليست شركة عقدية، حتى يقال بصحة اشتراط الزيادة فيها على القول بها هناك، و إنّما يكون العقد هنا، بين كل من المالكين، و العامل، لا بين المالكين.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 102

إشكال فيه.

و إلى هذا التصحيح يشير بعض المحشّين للعروة بقوله:

الظاهر توقّف الصحة هنا أيضا على إيقاع عقد الشركة أوّلا بين المالكين، متضمّنا لما ذكر من شرط التساوي أو التفاضل في الربح الحاصل لهما مع إيقاع عقد المضاربة بينهما، و العامل. و لا يجوز الاكتفاء بعقد المضاربة وحده، و اشتراط التساوي أو التفاضل المذكور في ضمنه. فتلخّص من هذا البحث الضافي، الأمور التالية:

1- أنّ المساواة في الربح ليست من مقتضى الشركة، حتى يكون التفاضل على خلاف مقتضى العقد.

2- أنّ تبعية النماء للعين حكم فعلي، و ليس حكما اقتضائيا قابلا للتغيّر بالنذر و الشرط، و أنّ الأحكام واجباتها و محرماتها و مستحباتها و مكروهاتها و مباحاتها لا يتطرق إليه التغيّر بالعناوين الثانوية، فما عن الشيخ من التفريق بين الواجبات و المحرمات و الثلاثة الأخيرة بتصوير الأوليين فعليّتين من جميع الجهات، غير قابل للتغيّر بخلاف الثلاثة الأخيرة، فإنّها أحكام اقتضائية قابلة للتغيّر غير تام. لما قلنا في محلّه من أنّ الإمام عدّ ترك التزوّج و التسري مع كونهما من المباحات، مخالفا للسنّة في الروايات، و كذا كون الولاء لغير المعتق.

3- أنّ الطريق الواضح للتعرّف على الشرط المخالف للكتاب و السنّة، أنّه إذا كانت الغاية من الشرط هو التدخل في مجال التشريع، حتى في المباحات و المكروهات فكيف المحرمات و الواجبات، فيجعل المباح حراما و التزوّج و التسري محظورا فهذا على خلاف الكتاب و السنّة، و أمّا إذا كانت الغاية من الشرط طلب أحد طرفي المباح منه، بأن يختار من المباح الفعل أو الترك مع الالتزام بكون العمل مباحا متساوي الطرفين في الشرع فهذا لا يكون على خلاف الكتاب و السنّة.

4- و على ضوء هذا فلو كان المبدأ للتفاضل هو العامل، بأن يشترط العامل

نظام المضاربة في الشريعة

الإسلامية الغراء، ص: 103

على أحد المالكين بأنّه لا يقبل المضاربة إلّا بأن يدفع جزءا من ربحه إليه، فهذا جائز و نافذ، و لكنّه خارج عن محل البحث، نعم لو شرط على نحو شرط النتيجة بأن يكون جزء من ربحه، للمالك الآخر بلا سبب سوى نفس هذا الشرط فهو على خلاف الكتاب و السنّة.

و أمّا إذا كان مبدأ الاختلاف هو نفس المالكين، فبما أنّهما طرفا الإيجاب، و العامل هو القابل فلا يدور الشرط إلّا منهما إليه، أو منه إليهما، و لا يصح من أحدهما على الآخر مع كون موقف كلّ، موجبا.

لكن، لو اتفقا على شركة عقدية قبل المضاربة، و تقبّلا بأن يدفع أحد الشريكين جزءا من ربحه الحاصل بالمضاربة التي سيعقدانها مع العامل ثم يعقدان المضاربة على هذا الشرط فلا إشكال.

نعم، لو كان الشرط في العقد المتقدّم على المضاربة على نحو شرط النتيجة فهو باطل، و ذلك لأنّه على خلاف السنّة، لأنّ الربح و نماء كل عين يرجع إلى صاحب العين إلّا أن يكون هناك سبب مخرج غير الشرط، و الشرط لا يكون مشرعا.

هذا هو تفصيل المرام في هذه المسألة و قد أطنبنا الكلام و ليعذرني إخواني.

القراض في مرض الموت:

و لو دفع قراضا في مرض الموت، و شرط ربحا، صحّ و ملك العامل الحصة و يعد القراض من منجزات المريض و هو صحيح و لا إشكال فيما إذا كانت الحصة معادلة لأجرة المثل. و قد جرّ المريض بعمله هذا ربحا للوارث، إنّما الكلام فيما إذا كانت الحصة أزيد من أجرة المثل. فإن قلنا بأنّ تبرعات المريض تخرج من الأصل كما هو المشهور فلا إشكال أيضا. و أمّا إذا قلنا بأنّها من الثلث، فهل يخرج

نظام المضاربة في

الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 104

ما زاد عن أجرة المثل عن ثلث الميت أو لا؟ فلو زاد عن الثلث توقّف على إجازة الوارث؟ وجهان:

لا يخرج، لأنّ الربح أمر معدوم متوقّع الحصول و ليس مالا للمريض، بل هو على تقدير حصوله أمر جديد يحصل بسعي العامل، و يحدث على ملكه بعد العقد فلم يكن للوارث فيه اعتراض، و بذلك افترق عن مثل نماء الدابة و الشجرة «1».

و يخرج من الثلث لأنّه و إن لم يكن موجودا لكنّه بما أنّه مال المالك فتمليكه محاباة تضييع على الوارث كما إذا آجر ملكه بأقل من أجرة المثل و إن لم تكن المنافع موجودة و إنّما يستوفيها الأجير في ظرف حصولها، و كذا لو ساقى أو زارع الفلاح بأكثر من الحصة المتعارفة فإنّ ذلك كلّه إضرار عرفا بمال الوارث «2».

و الثاني هو الأوجه، و ذلك لأنّ المنفعة و إن لم تكن موجودة، لكن المقتضي و المنشأ و هو مال القراض موجود فتسليمه إليها ليقارض بحصة أزيد من أجرة المثل يعدّ محاباة. خصوصا إذا كانت المنفعة بمرحلة قريبة من الفعلية. و إلى ما ذكر يشير المحقق الأردبيلي: «و إن كان الربح أكثر من أجرة المثل، و في المساقاة و المزارعة بحث و في الفرق تأمّل» «3».

الإقرار بالربح ثم الرجوع عنه:

قال المحقق: و لو قال العامل: ربحت كذا و رجع، لم يقبل رجوعه و كذا لو ادّعى الغلط، أمّا لو قال: ثم خسرت، أو قال: ثم تلف الربح، قبل «4»، و قال

______________________________

(1)- الجواهر: 26/ 372.

(2)- المستمسك: 12/ 438 و قريب منه في مستند العروة: 3/ 206.

(3)- مجمع الفائدة: 10/ 255.

(4)- الجواهر: 26/ 372 (قسم المتن).

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 105

العلّامة في

القواعد: و لو قال العامل: ما ربحت شيئا أو ربحت ألفا ثم خسرت أو تلف الربح قبل، بخلاف ما لو قال: غلطت أو نسيت «1».

و قال العلّامة في الإرشاد: لو ادّعى الغلط في الإخبار بالربح أو بقدره ضمن، أمّا لو قال: ربحت ثم خسرت، أو تلف المال بعد الربح، قبل «2».

و قال المحقق الأردبيلي: «لو أخبر بالربح مجملا أو عيّن قدره أم لا. ثم قال:

غلطت، و ما ربحت شيئا أو غلطت في تعيين المقدار فإنّه كان أقل من ذلك، فيؤخذ بإقراره، و لا يسمع الرجوع لأدائه إلى بطلان الأقارير، و عدم سماع الرجوع كسائر الأقارير، فلا فرق في ذلك بين إظهار وجه يمكن، أم لا بحسب الظاهر ...

- إلى أن قال:- أمّا لو ادّعى الخسران بعد أن اعترف بالربح، أو تلف المال بعده و أمكن ذلك قبل، لأنّه أمين من غير ظهور خيانته، و قال: ما يمكن فيقبل كما في غير هذه الصورة و سائر من كان أمينا» «3».

و نقل هذا التفصيل عن المبسوط و التذكرة و التحرير و جامع المقاصد و الروض و المسالك و الكفاية «4».

أمّا قبوله في الصورة الثانية أي فيما لو ذكر بعد الإقرار، الخسران أو تلف الربح، فله حالتان: إمّا أن يذكر الخسران و التلف بعد الإقرار بالربح، بلا فصل، أو يذكر بعده مع الفصل بيوم أو شهر.

أمّا الحالة الأولى، فوجه القبول أنّ للمتكلم أن يلحق بكلامه ما شاء من القيود فلا يؤخذ بالإقرار ما لم يفرغ من كلامه.

______________________________

(1)- مفتاح الكرامة: 7/ 518 (قسم المتن).

(2)- الارشاد: 1/ 436.

(3)- مجمع الفائدة: 10/ 256.

(4)- مفتاح الكرامة: 7/ 518.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 106

و أمّا الحالة الثانية، فلأنّه أمين يصدق

بالنسبة إلى كلا الأمرين، نعم إذا شهدت القرائن على الكذب، فلا يقبل منه إلّا باليمين، و لأجل ذلك قيّده بعض محشي العروة بقوله: إذا لم يكن متّهما.

إنّما الكلام في الصورة الأولى أعني ما إذا أقرّ بالربح ثم رجع كما قال المحقق: ثم رجع، أو ادّعى الغلط. ففي القسم الأوّل أي الرجوع: فالحق هو عدم القبول، لأنّه مصداق «لا إنكار بعد الإقرار» إذا كان المراد من الرجوع هو نفي الإقرار السابق أي: ما ربحت، كما هو الظاهر.

و أمّا القسم الثاني أي إذا قال: غلطت أو اشتبهت، ففيه احتمالات ثلاثة:

الأوّل: عدم قبوله حتى مع البيّنة.

الثاني: قبول دعواه معها.

الثالث: قبول قوله مع اليمين.

أمّا الأوّل، فهو خيرة صاحب الجواهر حيث قال: لا يقبل لسبق إقراره الماضي عليه، لقاعدة إقرار العقلاء على أنفسهم جائز، و قاعدة «عدم سماع الإنكار بعد الإقرار» السالمتين عن معارضة قاعدة «سماع الأمين في كل ما يدّعيه»، بعد عدم ثبوت هذا العموم فيها، و إنّما الثابت المسلّم منها ما لم يسبق بإقرار، و أمّا عدم قبول قول البينة لكون العامل مكذبا لها بإقراره السابق، و أمّا قوله: البينة على المدّعي فإنّما هو ظاهر فيما إذا كان الدعوى (الإنكار بعد الإقرار) مسموعة لا ما إذا أسقطها الشارع بقاعدة الإقرار فيبقى حينئذ شهادة البينة نفسها بلا دعوى «1».

يلاحظ عليه: أنّه إنّما يعد إنكارا إذا قال: «ما ربحت» الذي هو يقابل قوله:

______________________________

(1)- الجواهر: 26/ 373.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 107

«ربحت» لا ما إذا قال: «اشتبهت» أو «غلطت» لأنّه لا يعني إنكارا للإقرار السابق، بل هو يعترف بقوله السابق، و لكن يضيف: أنّي اشتبهت في المحاسبة و ظننت الربح ثم بدا لي عدمه، و تكون دعواه مسموعة

بالبينة و ليست مما أسقطها الشارع بالقاعدة السابقة: «لا إنكار بعد الإقرار» بل يمكن أن يقال: بسماع دعواه الثانية بلا بينة أيضا بحجّة أنّه أمين، غاية الأمر يدخل تحت قاعدة «ليس على الأمين إلّا اليمين» و ليس للمالك إلّا الاستحلاف كما ورد في الأجير.

روى بكر بن حبيب قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: أعطيت جبة إلى القصار فذهبت بزعمه؟ قال: «إن اتّهمته فاستحلفه، و إن لم تتهمه فليس عليه شي ء» «1». كل ذلك فيما إذا لم تشهد القرائن المفيدة للاطمئنان على أحد الطرفين إذ ما من تاجر إلّا و له دفتر و محاسب و وصولات تجارية تعين على القضاء كما لا يخفى.

هل يملك العامل بالظهور أو بالانضاض؟

المشهور بين فقهائنا أنّ العامل يملك بالظهور. و قلّ من قال بأنّه يملك بالانضاض.

1- قال الشيخ في المبسوط: و إن اتفقا على قسمة و إفراز رأس المال جاز لأنّ الربح لهما «2».

2- و قال المحقق: و العامل يملك حصة من الربح بظهوره و لا يتوقّف على وجوده ناضّا «3».

______________________________

(1)- الوسائل: 13، الباب 29 من أبواب أحكام الإجارة، الحديث 16.

(2)- المبسوط: 3/ 196.

(3)- الجواهر: 26/ 373 (قسم المتن).

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 108

3- و قال في النافع: و يملك العامل نصيبه من الربح بظهوره و إن لم ينض «1».

4- و قال العلّامة في القواعد: و يملك بالظهور لا بانضاض على رأي ملكا غير مستقر و إنّما يستقر بالقسمة أو بالانضاض «2».

5- و قال في الإرشاد: و يملك حصته بالظهور «3».

6- و قال الشهيد الثاني، تعليقا على قول المحقق: بل لا يكاد يتحقق فيه مخالف و لا نقل في كتب الخلاف عن أحد من أصحابنا ما يخالفه «4».

7- و نقله في

مفتاح الكرامة عن التذكرة و التحرير، و التبصرة و إيضاح النافع و جامع المقاصد و الروض و الكفاية و المفاتيح و اللمعة و الروضة «5».

و مع ذلك فقد نقل الخلاف أيضا.

8- قال فخر المحققين: الذي سمعته من والدي المصنف أنّ في هذه المسألة ثلاثة أقوال: «6».

«الأوّل: يملك بالظهور، الثاني: يملك بالانضاض لأنّه قبله غير موجود خارجا، بل هو مقدّر موهوم يثبت له بالظهور حق مؤكّد فيورث عنه و يضمنه المتلف له، لأنّ الإتلاف كالقسمة. الثالث: إنّه يملك بالقسمة لأنّه لو ملك قبلها لكان شريكا في المال فيكون النقصان الحادث شائعا في المال فلما انحصر في الربح

______________________________

(1)- المختصر النافع: 147 ط مصر.

(2)- مفتاح الكرامة: 7/ 487 (قسم المتن).

(3)- مجمع الفائدة: 10/ 254 (قسم المتن).

(4)- المسالك: 1/ 299.

(5)- مفتاح الكرامة: 7/ 488.

(6)- الإيضاح: 2/ 322، الصحيح أن يقول أربعة أقوال كما يظهر من نقلها.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 109

دلّ على عدم الملك، لأنّه لو ملكه لاختصّ بربحه، الرابع: إنّ القسمة كاشفة عن ملك العامل لأنّها ليست بعمل حتى يملك بها» و الظاهر أنّ بعض هذه الأقوال لغير الشيعة إذ ليس منها في كتبنا عين و لا أثر و لا يعد مثل ذلك خلافا.

9- و قال في التنقيح: و قيل: لا يملك إلّا بالانضاض و تظهر الفائدة في العامل إذا اشترى أباه، فإن قلنا بالظهور فحال ما يحصل فيه ربح، ينعتق عليه قدر نصيبه و يسعى الأب في الباقي «1».

10- و في جامع المقاصد: اختلف الفقهاء في وقت ملكه إيّاه على أقوال أصحّها أنّه يملكه حين الظهور «2».

و لو كان خلاف و كان بعض هذه الأقوال لفقهائنا، فالخلاف نادر.

و أمّا الأقوال في أهل السنّة:

فقال ابن قدامة: و أمّا ملك العامل لنصيبه من الربح بمجرّد الظهور قبل القسمة، فظاهر المذهب أنّه يثبت هذا الذي ذكره القاضي مذهبا و به قال أبو حنيفة، و حكى أبو الخطاب رواية أخرى: أنّه لا يملكه إلّا بالقسمة، و هو مذهب مالك و للشافعي فيه قولان كالمذهبين، و احتج من لم يملكه بأنّه لو ملكه لاختصّ بربحه، و لوجب أن يكون شريكا لربّ المال كشريكي العنان «3».

و قد ظهرت ممّا ذكرنا أدلّة الأقوال و لنأخذها بالتحقيق. و الحق ما عليه المشهور.

و يدل على القول المشهور أمور:

______________________________

(1)- التنقيح: 2/ 223.

(2)- جامع المقاصد: 8/ 124.

(3)- المغني: 5/ 169 و قريب منه ما في الشرح الكبير المطبوع في ذيل المغني، لاحظ المصدر: ص 166.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 110

الأوّل: قضاء العرف و لأجل ذلك تصحّ له المطالبة بالقسمة فكان مالكا كأحد شريكي العنان، لكن ملكية غير مستقرّة، و إنّما تستقر بالقسمة القاطعة و ذلك لكون الربح وقاية لرأس المال، من غير فرق بين ربح العامل، و ربح المالك و لأجل الخلط بين الملكية اللازمة و غيرها، و أيضا بين الملكية، و في الوقت نفسه كون المملوك وقاية لرأس المال كما سيأتي، اختلط الأمر على أصحاب الأقوال فقال من قال: يملك بالقسمة بأنّه لو ملكه قبلها لزم الأمور التالية:

أ- شيوع النقصان الحادث في جميع المال بالنسبة.

ب- لزم أن يكون شريكا لربّ المال كشريكي العنان.

ج- لزم أن يختصّ العامل بربحه.

و الإجابة عن الكل واضحة، و هو أنّ الملكية لمّا كانت غير مستقرّة، و الربح وقاية للمال قبل القسمة، لا يكون شريكا كشريكي العنان، و لا يتوجّه النقصان إلى الأصل مع وجود الربح، و لا يختصّ العامل

بربحه.

الثاني: أنّ المال ليس منحصرا في النقد، فإذا ارتفعت قيمة العروض فرأس المال منه ما قابل رأس المال و الزائد ربح و هو محقق الوجود. و بذلك يعلم ضعف ما حكاه الفخر عن والده «بأنّه يملك بالانضاض لأنّه غير موجود خارجا بل هو مقدّر موهوم» و ذلك لما عرفت من أنّ لكلّ من رأس المال و ارتفاع القيمة معادلا في العروض فكيف يكون معدوما؟!

و بذلك يظهر ما في الجواهر من أنّه لا يقاس الربح بالدين، لأنّه و إن كان حكما إلّا أنّه مال- شرعا و عرفا- موجود في الذمة، بخلاف قيمة الشي ء «1» و قد جرى- قدّس سرّه- في المقام على الفكر الذي أعطاه في مضاربة المريض محاباة و قال

______________________________

(1)- الجواهر: 26/ 375.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 111

هناك: «إنّ الربح أمر معدوم» و لو سلم كلامه هناك لعدم ارتفاع القيمة حين العقد فيه فهو غير مسلّم في المقام، لأنّ العروض يعادل رأس المال و شيئا زائدا باسم الربح.

الثالث: ما جاء في كلماتهم: بأنّ العامل إذا اشترى من ينعتق عليه و ظهر ربح: إنّه ينعتق عليه وفقا لما جاء في صحيح محمد بن قيس: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى أباه و هو لا يعلم؟ قال:

«يقوّم فإن زاد درهما واحدا أعتق و استسعى في مال الرجل» «1» و في بعض النسخ مكان «قيس»: «ميسر».

فعلى الثاني الرواية صحيحة لأنّ محمد بن ميسر، ثقة صرّح به النجاشي في رجاله «2».

إنّما الكلام في محمد بن قيس، فاثنان منهما ثقتان، و الثالث ممدوح و الرابع ضعيف «3».

و على الأوّلين تكون صحيحة و على الثالث حسنة و على الرابع

ضعيفة، لكن اتقان النص و موافقته مع الأصول يكشف عن صحّتها.

ثم إنّه يترتّب على ما ذكرنا أنّه لو خسر قبل إنهاء عقد المضاربة، يخرج الربح عن ملك العامل لا أنّ الخسران يكون كاشفا عن عدم الملكية كما هو شأن كلّ ملكية متزلزلة، فالفسخ المتعقّب للعقد الجائز يهدم الملكية و يزيلها لا أنّه يكشف عن عدم الملكية.

نعم، سيّد مشايخنا البروجردي لم يستبعد كون الخسران كاشفا عن عدم

______________________________

(1)- الوسائل: 13، الباب 8 من أبواب أحكام المضاربة، الحديث 1.

(2)- رجال النجاشي: 2 برقم 998.

(3)- رجال النجاشي: 2 برقم 878، 882، 880، 881 و رجال الشيخ برقم 294.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 112

الملكية، قائلا بأنّ ما اشترط في العقد كونه بينهما، هو ربح تجارته بالمال لا ربح كل واحدة من معاملاته فالربح المتعقّب بالخسران، لا يوجب كون التجارة رابحة حتى يشمله الشرط، فدلالة النص عليه لا تخلو عن مناقشة.

يلاحظ عليه: أنّه خلط بين الربح المستقر و غيره، فالأول عبارة عن مجموع التجارات الواردة على المال، و أمّا غيره فهو ربح كل واحدة من معاملاته، و بذلك يظهر النظر في كلامه: أنّ الربح المتعقّب بالخسران لا يوجب كون التجارة رابحة، فإنّه صحيح إذا أريد من الربح الربح المستقرّ و أمّا إذا أريد مطلق الربح، فنمنع عدم الصدق بل يقال: ربحنا في معاملة كذا ثم خسرنا في معاملة أخرى. أضف إلى ذلك: كيف يمكن أن يكون ربح جميع المعاملات بينهما و لا يكون ربح كل معاملة بينهما مع أنّه يتشكّل من أرباح جزئية في فترات مختلفة.

ثمرة القول بالملكية المتزلزلة:

إذا قلنا بأنّ العامل يملك حصته بالظهور ملكية متزلزلة يترتب عليها أثر كل ملكية متزلزلة الذي أشار إليه السيد الطباطبائي في

كلامه بقوله: «إنّه يترتب عليه جميع آثار الملكية من جواز المطالبة بالقسمة و إن كانت موقوفة على رضى المالك، و من صحة تصرفاته من البيع و الصلح و نحوهما، و من الارث و تعلق الخمس و الزكاة، و حصول الاستطاعة للحج، و تعلق حقّ الغرماء به، و وجوب صرفه في الدين مع المطالبة» «1».

يلاحظ عليه: أنّ بعض هذه الثمرات يترتّب على كلا القولين أي حصول الملكية بالظهور أو بالانضاض.

و ذلك لأنّ القائل بالقول الثاني يقول بأنّ ظهور الربح يحدث حقا للعامل

______________________________

(1)- العروة الوثقى، كتاب المضاربة، المسألة 34.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 113

الذي فسره صاحب الجواهر بقوله «إنّه بالظهور ملك العامل أن يملك بمعنى أنّ له الانضاض و لو قدر رأس المال، فيتحقّق الربح حينئذ و يتبعه تحقق الملك» «1» و على ذلك فالارث ثابت على القولين و أمّا تعلق الخمس و الزكاة فهو متوقف على تعلّقهما بالملكية المتزلزلة و قد قال السيد الطباطبائي في كتاب الخمس بعدم تعلّقه بغير اللازم» «2» و مثله الاستطاعة، فإنّها تحصل بمال يجوز للإنسان التصرّف فيه بلا أيّ شرط، و هو هنا مفقود، لعدم جواز التصرف في الربح بلا استئذان المالك مع بقاء عقد المضاربة و هو أشبه بالعين المرهونة، حيث لا يجوز فيه التصرف بلا إذن المرتهن.

الربح وقاية لرأس المال:

إنّ كون الربح وقاية لرأس المال من الأحكام المسلّمة عند الفقهاء و قد طفحت به كتبهم.

قال العاملي في شرح قول العلّامة في القواعد: «و الربح وقاية لرأس المال، فإن خسر و ربح جبّرت الوضيعة من الربح ..» ما هذا لفظه:

و قد أجمع أهل الإسلام على أنّه إن ربح و خسر جبّرت الوضيعة بالربح كما في جامع المقاصد، لأنّ

الربح هو الفاضل عن رأس المال، و قد روى إسحاق بن عمار عن الكاظم- عليه السلام- أنّه: سألته عن مال المضاربة؟ فقال: «الربح بينهما، و الوضيعة على المال» «3».

و المال يتناول الأصل و الربح، و يقتضي ثبوت هذا الحكم ما دام مال المضاربة فيستمر ما دامت المعاملة باقية «4».

______________________________

(1)- الجواهر: 26/ 375.

(2)- العروة الوثقى، كتاب الخمس، المسألة 57.

(3)- الوسائل: 13 الباب 3، من أبواب المضاربة، الحديث 5.

(4)- مفتاح الكرامة: 7/ 490.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 114

و لا يخفى أنّ الرواية ظاهرة في خلاف ما يتبنّاه، حيث إنّ المراد من المال هو ما سبق في سؤال السائل و قال: سألته عن مال المضاربة. فلو أخذنا بظهوره يكون المراد أنّ الوضيعة على رأس المال. و الرواية محمولة على ما إذا لم يكن ربح.

و الأولى أن يستدل عليه بوجه آخر كما سيوافيك، و قال ابن قدامة: «في الربح الظاهر، أنّ هذا الربح مملوك فلا بدّ له من مالك و رب المال و لا يملكه اتّفاقا و لا تثبت أحكام الملك في حقّه، فلزم أن يكون للمضارب، و لأنّه يملك المطالبة بالقسمة، فكان مالكا كأحد شريكي العنان و لا يمنع أن يملكه و يكون وقاية لرأس المال، كنصيب ربّ المال من الربح» «1».

و الدليل عليه: أنّ مقوم المضاربة عند العرف هو كون الربح بينهما بعد إنهاء المضاربة، و لا يصدق الربح إلّا عن ما زاد على أصل المال، و إلّا فلو كان الموجود في نهاية الأمر، هو نفس المال أو أنقص منه- و إن ربح في الأثناء- لا يصدق أنّه ربح على وجه الإطلاق، و بعبارة أخرى: أنّ ما يجب تقسيمه هو الربح الخالص و الخالص

هو الزائد عن رأس المال، لا المتحقق أثناء المضاربة، لزواله بتدارك النقص المالي الحادث من خسران أو تلف.

إنّما الكلام في الأمر الذي به يتحقق الاستقرار و يزول التزلزل، فهنا أمور ممّا يحتمل أن يحصل بها الاستقرار وحده أو مجتمعا:

1- الانضاض. 2- القسمة. 3- الفسخ. 4- الانضاض مع القسمة.

5- الانضاض مع الفسخ. 6- القسمة مع الفسخ. 7- الانضاض مع القسمة و الفسخ معا.

1- أمّا الانضاض وحده فلا يحصل معه الاستقرار مع بقاء عقد المضاربة،

______________________________

(1)- المغني: 5/ 170.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 115

فربّما يتبدّل غدا إلى العروض ثم العروض إلى الانضاض، فما لم يكن إنهاء لعقد المضاربة لا يصير الانضاض سببا لاستقرار الملكية.

[بما ذا تستقر الملكية المتزلزلة]

2- و أمّا القسمة وحدها، فإن اختصّت القسمة بالربح دون أصل المال، فلا يفيد الاستقرار مع عدم إنهاء المضاربة و التصميم على استمرارها كما هو المفروض، غاية الأمر يكون التصرّف في الحصة من الربح جائزا لكن مع ترقّب العاقبة، و الضمان لدى الخسران، أو عدم الربح، إنّما الكلام إذا تعلّقت القسمة بالأصل و الربح فقد صرح العلّامة بحصول الاستقرار بها وحدها قال: و إنّما يستقرّ بالقسمة أو بالانضاض و الفسخ قبل القسمة «1».

خلافا لصاحب الجواهر فذهب إلى عدم مدخليتها في الاستقرار، بل إن حصل شي ء من الأمور المذكورة يقتضي الاستقرار فثبوته به و إلّا فلا.

و لكن الظاهر أنّ تقسيم الأصل و الربح- سواء كان المال ناضا أو لا- فسخ فعلي للمضاربة و إنهاء له. و إلّا فلا داعي لتقسيم الكل.

3- الفسخ وحده. فلا يفيد الاستقرار، و ذلك لعدم وصول المال إلى مالكه و ذلك لأنّ القسمة المتلازمة لرد المال إلى صاحبه من متمّمات عمل المضاربة، و ليس من قبيل مميز المشتركات

فتقسيم مال الورثة، من قبيل الثاني، دون المقام فإنّه من محقّقات إنهاء المضاربة و ختمها فتأمّل.

4- الانضاض مع القسمة و قد ظهر حكمه مما سبق، فليس للانضاض دور في الاستقرار و إنّما المؤثر هو القسمة إذا تعلقت بكلّ المال لا بمجرد الربح.

5- الانضاض مع الفسخ و قد تبيّن حكمه، لأنّ الانضاض لا دور له، و الفسخ و إن كان من مقدّمات الإنهاء لكنّه ليس عاملا تامّا في تحقّق الاستقرار،

______________________________

(1)- مفتاح الكرامة: 7/ 489 (قسم المتن).

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 116

لعدم وصول مال المالك إلى يده ما لم ينضمّ إليه شي ء آخر، و التقسم من متمّمات عقد المضاربة و ليس مميزا للمال المشترك.

6- القسمة مع الفسخ، فلا شك أنّه يتحقق بهما الاستقرار. لما عرفت من غير فرق بين كون المال ناضا أو عروضا أو مختلطا، نعم فصّل السيد الطباطبائي في صورة كون المال غير ناض، بأنّه لو قلنا بوجوب الانضاض على العامل فالظاهر عدم الاستقرار و إن قلنا بعدم وجوبه ففيه وجهان أقواهما الاستقرار.

يلاحظ عليه: أوّلا: أنّه لم يقل أحد بوجوب الانضاض بعد القسمة و لو قيل به فإنّ مورده، هو قبل القسمة.

و ثانيا: أنّ التقسيم إنهاء للمضاربة، و إرجاع لمال المالك أي صاحبه، غاية الأمر يتوجّه إلى العامل تكليف انضاض المال و هو لا ينافي استقرار الملك.

هنا نكتة و هي أنّ ما ذكر من الأقسام و الاحتمالات يرجع إلى المضاربة بصورة مصغّرة و أمّا إذا كانت بصورة شركة كبيرة فالمتّبع في الاستقرار هو العرف.

7- إذا اجتمعت الأمور الثلاثة حيث تنتهي المضاربة بها بلا ريب.

و على ضوء ذلك فالربح وقاية للخسران و النقص إلّا إذا أنهي عقد المضاربة، و هو يتحقق بالفسخ و

القسمة، قولا أو فعلا. و قد عرفت أنّ القسمة الفعلية تتضمّن الفسخ أيضا، و أمّا سائر الصور فلا يخرجه عن الوقاية إلّا إذا اشتملت على الأمرين.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 117

الفصل الخامس: في اللواحق

اشارة

و فيها أمور:

العامل أمين:

كون العامل أمينا، ممّا طفحت به كتب القوم. اقتداء بالنصوص: قال الشيخ في المبسوط: العامل أمين في ما في يديه كالوكيل لأنّه يتصرف في مال المالك بإذنه كالوكيل «1».

و قال المحقق: العامل أمين، لا يضمن ما يتلف إلّا عن تفريط أو خيانة «2».

و قال ابن سعيد: المضارب أمين لا يضمن إلّا بالتفريط «3».

و قال العلّامة في القواعد: و العامل أمين لا يضمن ما يتلف إلّا بتعدّ أو تفريط «4» إلى غير ذلك من الكلمات و النصوص بين مصرّح بالصغرى: كونه أمينا،

______________________________

(1)- المبسوط: 3/ 174.

(2)- الجواهر: 26/ 378.

(3)- الجامع للشرائع: 315.

(4)- مفتاح الكرامة: 7/ 513. (قسم المتن).

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 118

و مصرّح بالكبرى: و هو لا يضمن التلف.

أمّا الأوّل: فيكفي فيه صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر- عليه السلام- قال:

سألته عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق أعلى صاحبه ضمان؟ فقال:

«ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أمينا» «1».

و أمّا الثاني: فقد تضافرت النصوص فيه، ففي صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: «قال أمير المؤمنين- عليه السلام-: من اتّجر مالا و اشترط نصف الربح فليس عليه ضمان» «2».

ثم الأمين على قسمين: تارة يأخذ المال لصالح صاحب المال كالودعيّ، و هذا لا يصح تضمينه في غير مورد التعدّي و التفريط، بل يعد التضمين أمرا مستهجنا و مخالفا لمقتضى العقد، و أخرى لصالح نفسه كالأجير و المضارب و المستأجر، و هو نوع آخر، و يصحّ تضمينه في غير الموردين كما هو محرر في محلّه و ربّما يحصل الخلط بين النوعين.

ثم إنّ مقتضى كونه أمينا أنّه لا يضمن إلّا بالتعدي و التفريط و الأوّل عبارة عن فعل ما

ينبغي تركه، و الثاني عبارة عن ترك ما ينبغي فعله، و الخيانة جامع بين الأمرين، فما عن السيد الطباطبائي من جعلها قسيما معها، ليس بتام، قال:

العامل أمين فلا يضمن إلّا بالخيانة كما إذا اشترى لنفسه و أدّى الثمن من ذلك، أو التفريط بترك الحفظ، أو التعدي بأن خالف ما أمره به و نهاه عنه «3» و ما أسماه خيانة فهو من مقولة التعدّي حيث فعل ما ينبغي تركه.

ثم إنّه لما كان الضمان في المقام، من مقولة ضمان اليد، و ليس من ضمان العقد، فتارة يضمن المال لأجل التلف و أخرى يضمن الوضيعة الواردة على المال.

______________________________

(1)- الوسائل: 13، الباب 3 من أبواب المضاربة، الحديث 2 و 3 و لاحظ الحديث 4 و 5 و غيرهما.

(2)- الوسائل: 13، الباب 3 من أبواب المضاربة، الحديث 2 و 3 و لاحظ الحديث 4 و 5 و غيرهما.

(3)- العروة الوثقى، كتاب المضاربة، المسألة 39.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 119

أمّا الأوّل: أعني التلف فإذا كان التعدّي أو التفريط سببا، لتلف المال يكون ضامنا للرقبة كما لو سافر مع نهيه عنه أو عدم إذنه في السفر، أو اشترى ما نهي عن شرائه، أو ترك شراء ما أمره به، فإنّه يصير بذلك ضامنا للمال لو تلف و إن بقيت المضاربة.

و لا بدّ من تقييد الضمان بما إذا كان التعدّي سببا و لو ناقصا للتلف، و منتهيا إليه كما في الموارد المذكورة و مثل ما إذا كان المال قطنا فأمر ببيعه فخالف حتى حدث حرق في المخزن فاحترق رأس المال كلّه، و أمّا إذا لم يكن له أيّ تأثير كما إذا كان رأس المال حديدا فأمر بتبديله قطنا فامتنع و جاء

السيل فذهب بكل شي ء، فالضمان هنا مشكل جدا لأنّه لو قام بما أمر، لذهب به السيل بسهولة أيضا.

و الحاصل أنّه يجب في الحكم بالضمان، أن يكون لتعدّيه، أو تفريطه تأثير في التلف فالقول بالضمان مطلقا و لو بآفة سماوية أمر مشكل و إن أطبقت كلماتهم على الضمان في المقام، و ليس هو كالغاصب الذي يؤخذ بأشقّ الأحوال، و يحكم بالضمان حتى يؤدي العين أو المثل أو القيمة.

و أمّا الثاني: أعني الوضيعة، فالظاهر من الجواهر أنّه ضامن لها فقال: ظاهر الأدلّة كونه ضامنا للوضيعة التي تكون في ذلك، و لها صور:

1- إذا سافر، و خسر في التجارة بحيث لو كان في البلد لما خسر.

2- إذا سافر، و خسر في التجارة على وجه لو بقي في البلد التي سافر عنها لحصلت تلك الوضيعة أيضا.

3- إذا نزل السوق في البلد و غيره الذي سافر إليه، فسافر فخسر، و قد حكم صاحب الجواهر بالضمان في الصورتين الأوليين دون الثالثة، و لكن الحق اختصاصه بالصورة الأولى دون الأخيرتين.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 120

ثم إنّ السيد الحكيم- قدّس سرّه- خصّ ضمان الوضيعة بمخالفة أمر المالك و قال: إنّ المذكور في النصوص أمران: ضمان المال، و ضمان الوضيعة، و الأوّل يكون بمطلق الخيانة و التعدّي و التفريط، أمّا ضمان الوضيعة فيختص بالمخالفة للمالك، فإذا كانت الوضيعة حاصلة بعد التعدّي أو التفريط لم يضمنها و إن كان يضمن العين، و إذا كانت الوضيعة بعد مخالفة المالك ضمنها كما ضمن العين «1».

يلاحظ عليه: أنّه إذا انتهت الخيانة إلى تلف العين فلا شك أنّه لا يضمن إلّا نفس الخيانة، مثلية كانت أو قيمية، فلا يضمن المنافع غير المستوفاة بل هو محكوم بردّ

ما أخذ عينا أو مثلها أو قيمتها، و أمّا إذا لم يتّجر فهو ضامن للوضيعة و إن لم تكن هناك مخالفة لأمره، كما إذا ترك التجارة في يوم تكثر فيه الرغبة فنزل السوق فهو ضامن لها و إن لم تكن فيه مخالفة للأمر الشخصي. اللّهمّ إلّا أن يعمّم أمر المالك إلى مثل المقام فإنّه خالف الشرط العام في العقد و الاتّفاق.

قال السيد الطباطبائي: «و لو اقتضت المصلحة بيع الجنس في زمان و لم يبع ضمن الوضيعة إن حصلت بعد ذلك» «2» و لما خصّ السيد الحكيم ضمان الوضيعة بصورة مخالفة أمر المالك حاول أن يصحّح فتوى المتن بقوله: «اللّهمّ إلّا أن يكون مبنى العقد على البيع مع المصلحة فتركه مخالفة للعقد فيكون مخالفا للمالك».

يلاحظ عليه: أنّ تعميم مخالفة أمر المالك إلى حالة مخالفة المصلحة ناشئ من تخصيص ضمان الوضيعة بما إذا خالف أمر المالك، و إلّا فلا حاجة لإدغام الأوّل في الثاني فضمان الوضيعة أوسع من مخالفة أمر المالك.

______________________________

(1)- المستمسك: 12/ 351.

(2)- العروة الوثقى، كتاب المضاربة، المسألة: 39.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 121

إذا ادّعى العامل تلف المال:

مقتضى كون العامل أمينا هو قبول قوله في التلف، لأنّه استأمنه على المال بشهادة أنّه دفع إليه ماله، و قد عرفت تضافر النصوص على الصغرى و الكبرى فيقبل قوله سواء أسند التلف إلى أمر ظاهر أو خفيّ، و كذا لو ادّعى الخسارة أو عدم الربح أو كون المال دينا في أيدي الناس إذا فرض كونه مأذونا في البيع بالدين، كلّ ذلك لإطلاق كونه أمينا، و معنى كونه أمينا عدم صحّة تكليفه بالبيّنة و اليمين. هذا و لكن جرت السيرة في هذه الأيام على التأكّد من صحّة الادّعاء عن طريق

تشكيل لجنة تقوم بهذا الشأن بالنظر إلى القرائن المؤكّدة للتلف و النظر إلى الحسابات المصرفية إذا ادّعى الخسارة، و لا يرون ذلك مخالفا للائتمان و لعلّ التأكّد من صحّة الدعوى من الشروط الضمنية في عقد المضاربة أو من الشروط التي يبنى عليه العقد.

و بالجملة: إذا تمكّن المالك من الاطّلاع على صحّة الادّعاء فله أن يقوم بذلك بطرق عادية حتى يتجلّى له الحق، فإن شهدت القرائن على كذب العامل فيضمن إذا أفادت للقاضي اليقين، و هذا من قبيل جمع القرائن و الشواهد التي أصبحت أساسا للقضاء في محاكم اليوم و يورث اليقين للقاضي. فلو جاز للقاضي العمل بعمله فالمراد مثل هذا العلم الذي يمكن إيقاف الغير على المقدمات التي أورثته اليقين. و لو لم يتمكّن المالك من هذا الأمر فيخلّي سبيل العامل.

و لا فرق في سماع قوله بين أن يكون الادّعاء قبل فسخ المضاربة أو بعده، لإطلاق الأدلّة، كما لا فرق بين أن يدّعي التلف قبل الفسخ أو بعده لأنّه أمين و لا يخرج بالفسخ عن كونه أمينا ما لم يكن مقصّرا في الردّ و إلّا فلا يسمع.

ثم إنّ السيد الخوئي- قدّس سرّه- استدلّ في المقام بالروايات الواردة في باب

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 122

الإجارة فيما إذا ادّعى الصائغ أو الملّاح أو المكاري تلف المتاع من غير تعدّ و لا تفريط و أنكر المالك التلف، أو ادّعى التفريط فخرج إلى عدم ضمان العامل فيما إذا كان مأمونا و ليس له أن يطلب منه الإثبات بإقامة البينة على دعواه، بخلاف ما إذا كان متّهما حيث يطالب بإثبات ما ادّعاه و إلّا تعيّن الضمان عليه «1».

يلاحظ عليه: أنّ استنتاج حكم المقام من روايات باب

الإجارة أمر مشكل لأنّ العامل في المضاربة غير الأجير، و لو كانت للاستئمان درجات فهو في المضاربة آكد و أشدّ و الائتمان في العامل و إن كانت أقلّ من الودعي و لكنّه ليس كالأجير، فلأجل ذلك لا يكون تضمين الأجير المأمون دليلا على تضمين العامل الذي يستعمله المالك و يدفع إليه ما يملكه من البيضاء و الصفراء ليعمل بها، أ فيمكن أن يقاس بمستأجر البيت و خيّاط الثوب؟ و لأجل ذلك لم نجد هذا التفصيل في كلمات المحققين المعاصرين.

إذا ادّعى العامل الردّ و أنكره المالك:

إذا ادّعى العامل ردّ المال و أنكره المالك قدّم قول المالك، عملا بقاعدة «البيّنة للمدّعي و اليمين على من أنكر»، و تردّد المحقق في الحكم أوّلا ثم استظهر عدم القبول. و قيل في وجه التردّد أمران:

1- كونه أمينا كالودعي.

2- إنّ في عدم قبول قوله: إمّا تكليفا بما لا يطاق لاحتمال صدقه، أو تخليدا في السجن لو أصرّ على إنكاره المحتمل الصدق «2».

يلاحظ على الأوّل: بأنّه قياس مع الفارق، فإنّ الودعيّ أخذ المال لصالح

______________________________

(1)- مباني العروة الوثقى: 3/ 173.

(2)- جامع المقاصد: 8/ 166.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 123

المالك دون العامل فإنّه أخذه لصالح الطرفين.

و يلاحظ على الثاني: بأنّه لا يلزم واحد من المحذورين إذا قام برد المثل أو القيمة إذا كان متمكّنا، و إن كان معسرا فيخلّي سبيله.

في فسخ المالك أو العامل أو انفساخ العقد:

قد عرفت أنّ عقد المضاربة عند الفقهاء من العقود الإذنية القائمة بالإذن، فإذا ارتفع الإذن، ارتفع الجواز. و عندنا من العقود الجائزة إذا فقد الأجل فإنّها- بطبعها في ذلك المجال- لا توصف باللزوم بخلاف ما إذا كانت مؤجّلة فإنّها تكون لازمة صونا عن اللغوية.

ثم على القول بكونها من العقود الإذنية، هل يصح اشتراط لزومها في ضمن عقد جائز أو في ضمن عقدها أو لا؟ وجهان و قد عرفت أنّ الأقوى: صحّة الاشتراط و إنّ مثل هذا الاشتراط ليس مخالفا لمقتضى العقد، و لا الكتاب و السنّة.

ثم إنّه قد يحصل الفسخ من أحدهما، و قد يحصل البطلان و الانفساخ بموت أو جنون أو تلف مال التجارة أو لعدم إمكان التجارة، لمانع فيقع الكلام في حكمها في جهات:

1- استحقاق العامل للأجرة و عدمه.

2- وجوب الانضاض عليه و عدمه إذا كان بالمال عروض.

3- وجوب الجباية عليه و

عدمه إذا كان به ديون على الناس.

4- وجوب الرد على المالك و عدمه و كون أجرة الرد عليه و عدمه، فيبحث عن هذه الأحكام في ضمن مسائل:

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 124

الأوّلى: لا إشكال في الحكم إذا كان الفسخ- حيث جاز- قبل الشروع في العمل و لا في مقدماته أو كان بعد العمل و الانضاض.

إذ على الأوّل، لا شي ء له و لا عليه، لعدم صدور عمل من العامل حتى يبحث عن الأجرة للعامل و عدمها، و على الثاني لو كان هناك ربح يقتسمانه حسب ما اتّفقا عليه، و لو لم يكن شي ء، فليس للعامل شي ء لعدم الربح، و لو كانت خسارة فهي على المالك.

نعم، لو اشترطا كون الخسارة عليهما و قلنا بصحّة هذا الاشتراط تكون الخسارة عليهما. أو اشترط العامل على المالك شيئا إن لم يحصل ربح يكون له ما اشترط، إذا قلنا بصحّة هذا الشرط و سيوافيك بيانه.

نعم، ذهب العلّامة في التذكرة إلى أنّه إذا صار المال ناضّا و تبيّن عدم الربح كان للعامل أجرة عمله إلى ذلك الوقت «1» و خالفه في القواعد «2» و هو الحقّ إذ هو على خلاف مبنى المضاربة.

الثانية: إذا كان الفسخ في الأثناء قبل حصول الربح فله صورتان:

إمّا يكون الفسخ من العامل فلا أجرة له لما مضى من عمله، و احتمال استحقاقه لقاعدة الاحترام، لا وجه له لأنّه على خلاف مبنى المضاربة أوّلا، و كونه الباعث على انحلال العقد و صيرورته باطلا ثانيا.

أو يكون الفسخ من المالك أو حصل الانفساخ القهري ففيه قولان، فقد ذهب المحقق في الشرائع «3» و المختصر النافع «4» إلى أن للعامل أجرة المثل قائلا:

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء: 2/ 245. الفصل الخامس

التنازع، المسألة الأولى.

(2)- جامع المقاصد: 8/ 148 (قسم المتن).

(3)- الجواهر: 26/ 388 (قسم المتن).

(4)- المختصر النافع: 147 قال: و متى فسخ المالك المضاربة صح و كان للعامل أجرته إلى ذلك الوقت.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 125

بأنّ عمله محترم صدر بإذن المالك لا على وجه التبرّع بل في مقابل الحصة و قد فاتت بفسخ المالك قبل ظهور الربح، فيستحقّ أجرة المثل إلى حين الفسخ.

و ذهب الشهيد في المسالك و صاحب الجواهر و السيد الطباطبائي في العروة إلى عدم شي ء للعامل لأنّ الالتزام بالشي ء التزام بلوازمه، لأنّه أقدم على المعاملة الجائزة التي مقتضاها عدم استحقاق شي ء إلّا الربح، و بعبارة أخرى لم يقدم إلّا على الحصة على تقدير وجودها و لو لم توجد فلا شي ء له. و المالك مسلّط على الفسخ حيث شاء.

و ما ربّما يقال: إنّه أقدم من حيث البناء على الاستمرار، غير تام، لأنّه بناء قلبي قائم بنفس العامل و لم يلتزم به المالك فلا يكون موجبا للضمان.

على أنّ سبب الضمان إمّا هو احترام العمل، أو الاستيفاء، أو التفويت، و الكل منتف، لأنّ الالتزام بالعقد الجائز التزام بلازمه و هو أنّه لا أجرة لعمله قبل ظهور الربح و تحقق الفسخ، و الثاني معلوم الانتفاء، و الثالث إنّما يوجب الضمان إذا أتلف المال، أو كان التفويت محرما كما إذا حبس العبد فإنّ الحابس يضمن منافعه، بل الأقوى ضمان منافع الحر إذا منعه عن العمل.

الثالثة: لو كان الفسخ من العامل بعد السفر بإذن المالك، و صرف جملة من رأس المال في نفقته، فهل للمالك تضمينه مطلقا أو إذا كان الفسخ من العامل لا لعذر؟ وجهان:

1- عدم الضمان، لأنّ المالك أقدم على معاملة جائزة قابلة

للفسخ في كل زمان فهو المقدم على ضرر نفسه.

2- الضمان مطلقا، لأنّ الإذن في السفر مشروط- بقرينة الحال- بالقيام بالتجارة بعده، فيكون ضامنا إذا تخلّف و لو لا ذلك لما أجاز المالك السفر. و هذا النوع من الشروط التي تدل عليه القرائن و العادات، من الشروط المبنيّ عليه

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 126

العقد، التي يجب الوفاء بها، فلو تخلّف، فللمالك تضمينه لما صرف من النفقة.

ثم إنّ السيد البروجردي صحّح التضمين بالبيان التالي: «كون النفقة على رأس المال ممّا علم من النصّ، و لا إطلاق له لهذه الصورة».

يلاحظ عليه: أنّه لو لم يكن في المقام نصّ بل كان هناك اتّفاق على كون نفقة السفر من رأس المال، لكفى في انصرافه إلى ما إذا كان السفر مقدّمة للاشتغال بالتجارة أو استمرارها بعده. نعم، لو كان الفسخ من المالك، فلا موجب للضمان إذ لم يقصّر العامل في مقام العمل.

و لا يخفى أنّ المضاربة الرائجة بين التجّار لا تنتهي إلى هذه الصورة، لأنّ أصحابها يذكرون شروط المضاربة و خصوصياتها في عقودهم و اتفاقياتهم و أنّ نفقة السفر على المالك أو العامل، و أنّه لو سافر و كسب التجارب اللازمة يجب أن يكون في خدمة الشركة بضع سنين و إلّا يلزم عليه دفع غرامة كذا.

و هذا النوع من المضاربة المهملة، لا يحوم حولها أصحابها إلّا الغجر من الناس و المغفّل منهم.

الرابعة: لو حصل الفسخ أو الانفساخ قبل حصول الربح و بالمال عروض، فإن ظهر عدم الربح- حتى لو افترضنا أنّه قام بالبيع بعده لا يربح قطعا من غير فرق بين البيع الخاصّ أو المطلق-، فهذا هو الذي فرغنا عنه في المسألة الثانية.

و إن ظهر الربح و

حصل، فهذا هو الذي يأتي الكلام فيه في المسألة الخامسة.

و الكلام في هذه المسألة، هو عدم ظهور الربح (لا ظهور عدمه) و لكن يحتمل الربح لو قام بالبيع بعد الفسخ. و هذا هو موضوع تلك المسألة، نعم قيّده السيد الطباطبائي بالبيع المعين و قال: «و إن احتمل تحقّق الربح بهذا البيع» و لم

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 127

يعلم وجه التخصيص. و الحاصل أنّ الموضوع هو عدم ظهور الربح إلى زمان الفسخ و بالمال عروض، و لكن يحتمل حصول الربح لو مكّنه المالك من المال و قام هو بالبيع.

فيقع الكلام تارة في وجوب تمكين المالك العامل في المال للبيع و الانضاض لتحصيل الربح المحتمل، أو جواز تصرف العامل في المال لتلك الغاية. و أخرى في وجوب الانضاض عليه إذا طلبه المالك و الكلام في الأوّل يرجع إلى الجهة الأولى، و في الثاني يرجع إلى الجهة الثانية.

أمّا تصرّف العامل في المال لتحصيل الغاية المحتملة من دون إذن المالك فلا يجوز، لأنّه تصرّف في مال الغير بلا إذنه و المفروض انتهاء المضاربة. و أمّا وجوب تمكين المالك إذا طلب العامل البيع. و الانضاض، فهو فرع شمول الاتّفاق على مثل هذه الإجابة بعد انتهاء المضاربة، و الظاهر انصرافه عن هذه الصورة، التي لم يربح أبدا و لكن يحتمل حصوله بعد الفسخ بالبيع و الانضاض.

و في تعليقة السيد البروجردي «مع هذا الاحتمال لا يبعد جواز مطالبة ربّ المال بتمكينه من البيع و الانضاض» و الظاهر أنّ مراده: وجوب إجابة المالك للبيع و الانضاض، إذا طلب العامل، و إلّا فجواز المطالبة لا شبهة فيه فإنّه يجوز لكل إنسان أن يطلب من الغير هذا العمل، فإن وافق حصل

المطلوب و إلّا ردّ مطلوبه.

فإن قلت: إذا كان الربح محتملا بالبيع و الانضاض، فلا يتعيّن كون الجميع للمالك بل يحتمل وجود اشتراك العامل معه في المال.

قد عرفت أنّ العامل إنّما يملك بالظهور، لا بالاحتمال، فما لم يظهر، يتعيّن الكل للمالك.

و منه يعلم حال فرض آخر و هو أنّه وجد زبون يريد اشتراء السلعة بأزيد من

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 128

القيمة السوقية، فهل يعد ذلك ظهورا للربح أو لا؟ الظاهر لا، لأنّ المراد من الربح هو ارتفاع القيمة السوقية، و هذا ليس منه فلا يصدق عليه الربح و لا يشمله الاتفاق. و ما يقال من «أنّه في قوّة وجود الربح» غير تام، لأنّ المفروض أنّه نشأ و تكوّن بعد إبطال المضاربة.

و لو افترضنا أنّه لم يربح قبل الفسخ و الانفساخ و لكن ارتفعت القيمة السوقية بعدها. فالظاهر عدم شمول الربح لمثل هذا، لأنّه ظهر بعد إبطال المضاربة. و بالجملة الكلام فيما إذا لم يظهر الربح قبل الفسخ. و لو كان هناك ظهور فإنّما هو بعدهما و قد عرفت أنّ العامل يملك حصّته بالظهور لا قبل الظهور. نعم لو افترضنا وجود الربح قبل الفسخ و كان مخفيا للطرفين قبل الفسخ ثم بان الخلاف فهو أمر خارج عن الموضوع.

أمّا وجوب الانضاض عليه إذا طلبه المالك، ففيه وجهان:

1- وجوب الانضاض، اختاره العلّامة في القواعد قال: «و له طلب العامل بيعه فإن لم يكن ربح أو كان و أسقط العامل حقّه منه، فالأقرب إجباره على البيع ليرد المال كما أخذه» «1». و قال في موضع آخر: «و لو مات المالك فلورثته مطالبة العامل بالتنضيض» «2» و ظاهره قوله: «ليرد المال كما أخذه» ناظر إلى النبوي: «على

اليد ما أخذت حتى تؤدي» و هو غير تام لأنّ مال المالك قد تعيّن في العروض بإذنه فردّه، ردّ لماله لا غيره.

و الأولى أن يتمسّك بأنّ الانضاض لازم الشرط المبني عليه العقد، و القرينة الحالية الدالة عليه خصوصا إذا كان المالك، غير مستأهل للانضاض فالاتفاق على المضاربة و الحال هذه يلازم الاتفاق على أنّه لو طرأ الفسخ على العقد، فعلى العامل الانضاض. و إلى ذلك ينظر قول بعض المعلّقين على العروة: «الأقوى

______________________________

(1)- مفتاح الكرامة: 7/ 504 (قسم المتن).

(2)- مفتاح الكرامة: 7/ 504 (قسم المتن).

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 129

الوجوب فإنّه المعهود المتعارف و ربّما لا يقدر المالك على بيعه و انضاضه».

2- عدم الوجوب لأنّ بالفسخ و الانفساخ ينتهي العقد و الاتفاق، و الإيجاب يحتاج إلى الدليل أمّا إذا كان الفسخ من المالك فواضح، و أمّا إذا كان من العامل، فلأنّ المالك أقدم على معاملة متزلزلة في كل زمان فلو كان هناك ضرر أو حرج فمن جانبه.

و قد ظهر ضعفه ممّا مرّ من كونه مقتضى الشرط المبني عليه العقد، و القرينة الحالية الدالّة على الاشتراط.

الخامسة: إذا حصل الفسخ أو الانفساخ بعد حصول الربح قبل تمام العمل أو بعده و بالمال عروض «1» فللمسألة صور:

1- إذا رضيا بالقسمة و المال عروض، فلا إشكال فيأخذ مكان الربح نفس العروض.

2- إذا طلب العامل بيعها، قال السيد الطباطبائي: «فالظاهر عدم وجوب إجابته و إن احتمل ربح» «2». خصوصا إذا كان هو الفاسخ.

وجهه: أنّ الاتفاق إذا انتهى بالفسخ و الانفساخ يتعيّن مال كل من المالك و العامل في العروض، و لكلّ سهمه منه. و إجبار العامل، المالك على تمكينه من الوصول إلى الانضاض أمر يحتاج إلى الدليل.

و

على ضوء ذلك فيلزم العامل بقبول الاقتسام، و أخذ حصته من العروض و لا يلزم المالك، على دفع ثمن حصته، أو تمكينه من البيع و الانضاض.

نعم، يخرج من هذا الأصل صورة أو صورتان:

______________________________

(1)- هذه المسألة ترجع إلى الجهة الثانية من الأغراض الأربعة الماضية ص 130.

(2)- سيوافيك مفاده.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 130

1- إذا كانت حصته قليلا لا يرغب أحد في شرائه، أو لا يباع إلّا بنقصان ففي مثل ذلك يجبر المالك إمّا على دفع ثمن حصته، منضمة إلى سائر الحصص، أو تمكينه من البيع و الانضاض إلى حدّ يستغرق حصته.

2- إذا احتمل الربح في البيع و الانضاض و هذا هو الذي أشار إليه السيد الطباطبائي بقوله: «فالظاهر عدم وجوب إجابته و إن احتمل ربح فيه» «1» و خالفه بعض المحشّين و استقرب الوجوب في هذه الصورة، وجهه أنّ استقرار ملك العامل لحصته، إنّما هو بالفسخ القولي المتعقّب بالقسمة، أو بنفس القسمة التي هي فسخ و المفروض عدم تحققها.

يلاحظ عليه: أنّ عدم استقرار ملكه لحصّته إلّا بهما، لا يكون دليلا على وجوب الإجابة بل له أن يرفع الشكوى إلى الحاكم حتى يجبره على القسمة. لا أن يقوم بالانضاض.

و لو كان الفسخ من المالك، فهل له طلب العامل بيعها و انضاضها؟ وجوه:

ثالثها: التفصيل بين كون صورة مقدار رأس المال نقدا فلا يجب، و بين عدمه فيجب.

ذهب المحقق و الشهيد الثانيان إلى الوجوب و ذلك لما عرفت من أنّ العامل و إن كان يملك بالظهور لكن لا يستقر إلّا بالانضاض فيحتمل عروض ما يقتضي سقوطه، كطروء الخسارة بالبيع «2».

و أورد عليه السيد الطباطبائي أنّ وجوب الانضاض على العامل، لا يكون مبنيا عليه، و ذلك لأنّه

من الممكن أن يكون استقرار ملكية العامل للربح موقوفا على الانضاض لاحتمال طروء الخسارة بالبيع، و مع ذلك لا يجب عليه الانضاض

______________________________

(1)- المراد، الربح الزائد على الربح المتحقق كما لا يخفى و إلّا يرجع الكلام إلى المسألة الرابعة.

(2)- الجواهر: 26/ 390.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 131

بعد الفسخ و قبل الاقتسام، لعدم الدليل عليه لكن لو حصلت الخسارة بعده قبل القسمة بل أو بعدها يجب جبرها بالربح حتى أنّه لو أخذه يستردّ منه «1».

و حاصله: أنّ هنا أمرين:

1- أنّه بعد انتهاء الشركة بالفسخ لا تستقر ملكية العامل للربح إلّا بعدم طروء الخسارة على التجارة إلى زمان الانضاض، و إلّا لا يكون الربح وقاية لها، و على ذلك فلو افترضنا عدم الخسارة، فلا يجب الانضاض لانتفاء الغاية، فلا موضوع لكون الربح وقاية لرأس المال، و بعبارة أخرى أنّ الانضاض مقدّمة، لدفع الخسارة عن رأس المال، فإذا لم تكن هنا أية خسارة- كما هو المفروض- فلا يجب الانضاض.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1416 ه ق نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ص: 131

2- كون الانضاض أمرا واجبا نفسيا و هذا غير ثابت، لأنّ ثبوته بعد الفسخ يتوقف على الدليل، و من الممكن أن يكون الجبران واجبا- إذا خسر- و لا يكون الانضاض واجبا مطلقا.

و بما ذكرنا من كونه شرطا مبنيا عليه العقد يظهر ضعف ما استدل به على عدم الوجوب من انتفاء عقد المضاربة، و بعبارة أخرى أنّ المعاملات الصادرة من العامل لما كانت بإذن المالك كانت موجبة لتبدّل مال المالك لدى العامل من النقد إلى العروض، فهي

التي تكون مال المالك بالفعل فإلزامه بتبديله إلى النقد ثانيا يحتاج إلى الدليل و هو مفقود «2».

يلاحظ عليه: أنّ المضاربة و إن انتفت لكن الوظيفة بعد لم تنته بشهادة الحال على أنّ المالك يضاربه بالنقد، بشرط أن يرد إليه ماله بالوصف المذكور.

نعم، لو حصلت القسمة سواء سبقها الفسخ القولي أو لا، فالظاهر عدم

______________________________

(1)- العروة الوثقى، كتاب المضاربة، المسألة 46، الفرع الخامس.

(2)- مستند العروة الوثقى: 3/ 149.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 132

وجوب الانضاض على العامل على وجه.

و بذلك اتّضح أنّ الواجب هو الانضاض بعد الفسخ و قبل القسمة إمّا مطلقا، أو إلى أن يصير مقدار رأس المال نقدا.

السادسة: لو كان في المال ديون على الناس فهل يجب على العامل أخذها و جبايتها بعد الفسخ أو الانفساخ أم لا؟ وجهان: قال المحقق في الشرائع: و إن كان (المال) سلفا كان على العامل جبايته «1».

و قال ابن سعيد: و إن كان المال دينا جباه العامل، و إن لم يكن فيه ربح «2»، و قال العلّامة في القواعد: و إذا انفسخ، و المال دين وجب على العامل تقاضيه، و إن لم يظهر ربح «3» و ذهب صاحب الجواهر و تبعه السيد الطباطبائي إلى عدم الوجوب.

استدل للوجوب بأنّ مقتضى المضاربة ردّ رأس المال على صفته و الديون لا تجري مجرى المال، و إنّ الدين ملك ناقص و الذي أخذه كان ملكا تامّا فليؤدّ كما أخذ، لظاهر الخبر «4»

و استدلّ على عدم الوجوب بأنّ الأصل البراءة مع فرض وقوع الدين بإذن المالك و انفساخ المضاربة «5».

يلاحظ على الوجه الأول: أنّ الخبر- على فرض صحته- ناظر إلى الغاصب، و على فرض عمومه فهو منصرف عمّا إذا أذن المالك

بالإدانة، فالأولى الاستدلال

______________________________

(1)- الجواهر: 26/ 391 (قسم المتن).

(2)- الجامع للشرائع: 315.

(3)- مفتاح الكرامة: 7/ 506 (قسم المتن).

(4)- المصدر نفسه، نقله عن الأردبيلي و لم نعثر عليه في مجمع الفائدة، لاحظ: 10/ 268 عند شرح قول العلّامة: «و عليه جباية السلف».

(5)- الجواهر: 26/ 391.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 133

بالاشتراط المبنيّ عليه العقد، و بذلك ينتفي الاستدلال على الوجه الثاني بالأصل، و أمّا إذن المالك بالإدانة فلو يؤثر في انصراف مثل الخبر عنها، لا في مثل الشرط المبني عليه العقد فهو مقيّد بالاستيفاء و ليس مطلقا. من غير فرق بين كون الفاسخ هو المالك، أو العامل.

و أخيرا نأتي بالكلمة السابقة: إنّ الفقيه، اليوم في غنى عن تحقيق هذه المسائل، فإنّ المضاربة الرائجة في أعصارنا لا تنفك عن ذكر قيودها و خصوصياتها حتى جباية الصغير من الديون.

السابعة: إذا مات المالك أو العامل قام وارثه مقامه.

إذا مات كل من المالك أو العامل فما لكلّ من المالك و العامل من الأموال و الحقوق ينتقل إلى الوارث.

فلو قلنا: إنّ من حقوق المالك على العامل، انضاض المبيع و جباية الديون، فينتقل إلى الورثة، فعليه أن يقوم بها بعد موت المالك.

كما أنّه لو قلنا: إنّ من حقوق العامل على المالك- أن يأذن لبيع العروض- بعد الفسخ- مطلقا، أو فيما احتمل فيه الربح، أو فيما إذا كانت حصة العامل قليلة لا يرغب في اشترائه الناس أو يشترى بنقصان، فاذا مات المالك، يلزم على الوارث، الإذن في الإنضاض على حدّ نضّ حصة العامل.

و على ضوء ذلك فلو نهاه الوارث عن ذلك، لم يكن مؤثرا فما قاله المحقق «و لو مات ربّ المال و هو عروض كان له البيع إلّا أن يمنعه

الوارث» «1» ليس بتام على اطلاقه.

نعم استشكل المحقق الخوئي في بعض الموارد بأنّه من قبيل الحكم الشرعي لا الحقوق، كإلزام العامل باستيفاء الديون، فإنّه حكم مترتّب على الملك من باب

______________________________

(1)- المصدر السابق، قسم المتن.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 134

تسلّط المالك على ماله و وجوب ردّ الأمانة إلى أهلها. بشهادة أنّ لكل فرد منهم مطالبة العامل، حصّته منه إليه، حتى مع فرض رضا غيره ببقاء حصته دينا في ذمّة المديون، و لو كان حقّا لما وجب على العامل في الفرض شي ء إذ الحق، أمر واحد بسيط ثابت لمجموع الورثة من حيث المجموع فلا يقبل التجزئة لعدم ثبوته للبعض بخصوصه «1».

يلاحظ عليه: أنّه إذا كان إلزام المالك للعامل على استيفاء الدين حكما مترتّبا على الملك من باب تسلّط المالك على ماله، و وجوب ردّ الأمانة إلى أهلها، فهو ينفع للوارث أيضا، لانطباق ذلك العنوان على الوارث، فلا يؤثّر القول بكونه حكما أو حقا و إنّما يظهر التفاوت فيهما فيما إذا لم يكن الحكم مترتّبا على عنوان منطبق على المورث في حال حياته، و الوارث في حال مماته كما إذا كان قائما بشخص المورث كوجوب ردّ سلامه، و حرمة غيبته، فلو مات المسلّم أو المغتاب (بالفتح) فلا ينتقل الحكم إلى الوارث، لأنّ الحكم كان قائما بالشخص لا بعنوان منطبق على المورّث و الوارث.

الثامنة: إذا حصل الفسخ و التفاسخ فهل تكفي التخلية بين المالك و ماله أو يجب الإيصال؟ الظاهر أنّه يختلف المقام فيجب تعيين وظيفة العامل، من خلال القرائن الدالة على كيفية الاتّفاق، فلو كان المال في بلد المضاربة، فتكفي التخلية، كما إذا كان عروضا في المخازن المستأجرة لوضع الأجناس كالحديد و القطن، أو

نقدا في الحساب البنكي فيكفي دفع الصك إلى المالك فالمضاربة لا تدلّ على أزيد من رفع الموانع لوصول المالك إلى ماله، نعم لو كان العروض في بيت العامل، أو في صندوقه فلا تكفي التخلية بل يجب الإيصال، غير أنّ نفقة الإيصال على الربح لأنّه من متمّمات المضاربة.

______________________________

(1)- مباني العروة الوثقى: 3/ 150.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 135

و لو أرسله إلى بلد آخر، فلو كان بإذنه، يجب الرد إلى بلده لأنّ الإذن في الإرسال، لما كان بنية الاتّجار، كان لازمه ردّ المال إلى المالك، نقدا أو عروضا بعد إنهاء المضاربة، و لو احتاج إلى الأجرة، فهي على الربح، لأنّه من متمّمات المضاربة عرفا و ليس أمرا خارجا عنها.

و لو أرسله بلا إذنه و حصل الفسخ، فيجب الرد و تكون الأجرة على العامل، لأنّ حاله حال الغاصب، نعم لو رضي ببقائه في ذلك البلد، فليس للعامل رده إلى ذلك البلد، لأنّه مال المالك و هو مسلّط على ماله.

إذا قارض العامل غيره:

اشارة

فله صورتان:

الصورة الأولى: أن يقارض الغير بإذن المالك.

الصورة الثانية: أن يقارض الغير بغير إذنه.

أمّا الصورة الأولى، فلها أقسام: و نذكر أحكامها حسب الثبوت و الافتراض، و أمّا حكم مقام الإثبات بمعنى أنّه إذا أطلق اللفظ ينصرف إلى أيّ قسم من هذه الأقسام، فهو أمر آخر، يتبع القرائن اللفظية و الحالية الحافة بالكلام. قد بحث السيد الطباطبائي عنها، في المسألة الواحدة و الثلاثين من مسائل كتاب المضاربة، و تبدو منه العناية بمقام الإثبات في أوائل كلامه في المسألة و إليك أقسام الصورة الأولى:

القسم الأوّل: أن يجعل العامل الثاني عاملا للمالك بفسخ المضاربة الأولى و إيجاد مضاربة جديدة بين المالك و العامل الثاني و هذا لا غبار عليه و لو كان مأذونا في هذا الحدّ، و يترتب على ذلك أمور:

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 136

1- إذا قام العامل الثاني بعمل التجارة و ربحت، يكون الربح بينه و بين المالك و ليس للعامل الأول منه شي ء إلّا إذا ربح قبل الفسخ فيكون ربحه بينه و بين المالك.

2- و لو جعل الحصة للعامل في المضاربة الثانية أقل مما جعل له في المضاربة الأولى، كأن يكون في الأوّل بالنصف، و في الثاني بالثلث، ترجع الزيادة الى المالك لأنّ الربح تابع للعين و هو لصاحبها إلّا ما اتّفقا عليه و ليس هو إلّا الثلث لفسخ المضاربة الأولى.

3- و هل للعامل الأوّل أن يشترط على العامل الثاني شيئا من الربح له أو لا؟ مبني على جواز اشتراط بعض الربح للأجنبي، فلو قلنا به لكان جائزا في المقام و إلّا فلا، و العجب عن السيد الطباطبائي حيث ذهب إلى جواز جعل الربح للأجنبي في محلّه و لكن قال في المقام بعدم الجواز حيث قال: «و

ليس له أن يشترط على العامل الثاني شيئا من الربح بعد أن لم يكن له عمل بعد المضاربة الثانية» «1» مع أنّه قال في موضع آخر: «إلّا أنّه لما كان مقتضى القاعدة صحة الشرط حتى للأجنبي» «2».

4- ربّما يحاول تصحيح جعل شي ء من الربح له، أو كون الزيادة (المتفاوت بين النصف و الثلث و هو السدس) له بأنّ هذا المقدار- و هو إيقاع عقد المضاربة ثم جعلها للغير- نوع من العمل، يكفي في جواز جعل حصة من الربح له، أو كون الزيادة له.

يلاحظ عليه: أنّ عمله هذا مركّب من شيئين:

1- عقد المضاربة لنفسه أوّلا و هو ليس عملا في المال و اتّجارا به حتى ينتفع

______________________________

(1)- العروة الوثقى، كتاب المضاربة، المسألة 30.

(2)- العروة الوثقى، شروط المضاربة، الشرط السابع.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 137

في مقابله.

2- جعلها للغير و هو عمل بالوكالة و أين هو من الاتّجار بالمال. و إن شئت قلت: الربح في مقابل الاتّجار بالمال، و عمله ليس شيئا منه. و الحاصل أنّه لو كان له عمل بعد المضاربة الثانية، لكان له الربح في مقابله و المفروض عدمه فكيف يشارك ربح العامل.

نعم، مقتضى احترام عمل المسلم و عدم كون عمله تبرعيا، استحقاقه أجرة المثل من المالك لأنّه قام بعمل لصالحه بقصد الانتفاع من الربح فاذا لم يسلّم تستحق أجرة المثل و على كل تقدير، تكون المضاربة الثانية أجنبية عن المضاربة الأولى. و لأجل ذلك صار العامل محروما من الربح و إنّما استحقّت الأجرة لعمله حيث عقد المضاربة بين العامل و المالك.

القسم الثاني: أن لا تكون المضاربة الثانية أجنبية عن الأولى، بل تكون الثانية في طول الأولى و من شئونها و توابعها، و

العامل مع التحفّظ على المضاربة الأولى الواقعة بين المالك و نفسه، يتّفق مع العامل الثاني بصورة الجعالة عن جانب المالك أنّه لو اتّجر بماله، فله كذا من الربح و بما أنّ الثانية (و إن كانت أشبه بالجعالة) من توابع المضاربة الأولى، يكون الباقي من الربح بعد إخراج سهم العامل الثاني من أرباح المضاربة الأولى، مشتركا بين المالك و العامل الأول حسب ما اتّفقا عليه.

هذا ما نبّه عليه السيد الحكيم «1» و لم يذكره السيد الطباطبائي لأنّه خارج عن المقسم، لأنّ الكلام فيما إذا كان العقد الثاني مضاربة، لا جعالة. كما هو المفروض في كلامه.

______________________________

(1)- المستمسك: 12 كتاب المضاربة، المسألة 31.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 138

القسم الثالث: أن يجعل العامل الثاني عاملا للمالك في عرض نفسه من دون فسخ للمضاربة الأولى، و من دون أن تكون المضاربة الثانية من شئون المضاربة الأولى، بل تتوارد المضاربتان على مال واحد، فذهب صاحب الجواهر إلى صحته قائلا بأنّ سبق عقد القراض معه، لا ينافي ذلك بل لا يقتضي فساده لعدم ما يدلّ على اعتبار خلوّ المال عن وقوع عقد قراض عليه، في صحة الثاني، و إن كان هو لا يستحق شيئا من الربح لعدم العمل منه، أمّا لو فرض عمل كل منهما صحّ و أخذ كل منهما ربح ما عمل به من المال على حسب ما شرط له «1» و نفاها السيد الطباطبائي و قال: «و احتمال بقائها مع ذلك لعدم المنافاة كما ترى».

و مع ذلك كلّه، فالظاهر إمكان جعل مضاربين على مال واحد لأنّه أشبه بجعل الوكالة لشخصين في بيع مال واحد، أو جعل الجعالة لهما في رد مال خاص فأيّهما سبق يكون الربح بينه

و بين المالك، و ربّما يتّجر أحدهما ببعض المال، فيصح للثاني الاتّجار بالباقي أو يطرأ عليه العذر، فيقوم الثاني بالاتّجار.

القسم الرابع: أن يجعله شريكا معه في العمل و الحصة و لا يتم ذلك إلّا بفسخ المضاربة الأولى و عقد مضاربة أخرى مشتركة، بين المالك و العاملين و تكون الحصة المجعولة في المضاربة للعامل، مشتركة بين العاملين.

القسم الخامس: أن يجعله عاملا لنفسه، و بما أنّ المضاربة اتّفاق بين المالك و العامل، فلا يصح عقدها بين العاملين، و بعبارة أخرى: المضارب هو صاحب المال، و في المقام هو العامل مع العامل الثاني، فيبطل إلّا أن يرجع إلى القسم الرابع، بمعنى كونهما عاملين مشتركين في مقابل المالك.

______________________________

(1)- الجواهر: 26/ 392.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 139

الصورة الثانية: إذا ضارب الغير بلا إذن:

إذا ضارب العامل غيره مع عدم الإذن من المالك، فتأتي فيه الأقسام السابقة.

1- أن يجعل العامل الثاني عاملا للمالك بصوره الثلاثة الماضية أو يجعله شريكا مع نفسه في العمل و الحصة.

2- أن يجعله عاملا لنفسه فلو أجازه المالك، يلحق لكلّ حكمه من الصحة و البطلان. فلا حاجة إلى البحث إنّما الكلام إذا لم يجز فيبحث عن حكم القسمين:

القسم الأول: إذا ضاربه على أن يكون عاملا للمالك، و ردّ المالك المضاربة.

القسم الثاني: إذا ضاربه على أن يكون عاملا لنفسه و ردّ المالك المضاربة الثانية، و القسمان مشتركان في تمام الخصوصيات غير أنّه جعله في الأوّل عاملا للمالك و في الثاني عاملا لنفسه و بالتالي اتّجر في الأوّل للمالك، و في الثاني للعامل.

و هذا المقدار من الفرق أوجد اختلافا في الحكم و كأنّ لقصد العامل الأوّل و الثاني تأثيرا فيه فإليك البيان:

أمّا القسم الأوّل، فنقول:

لا شك أنّ العقد الثاني لأجل الرد يكون

باطلا و بلا أثر، إنّما الكلام إذا عمل العامل الثاني في المال و حصل الربح فلو ردّ العمل أيضا، تبطل التجارة و أمّا إذا أجاز نفس العمل- مع رد عقد المضاربة- فالسهم المقرر من الربح للمالك في المضاربة الأولى، يرجع إليه، إنّما الكلام في السهم المقرر للعامل ففيها أقوال:

ألف- يرجع إلى المالك أيضا، قال ابن قدامة: «و إن ربح في المال فالربح

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 140

لمالكه و لا شي ء للمضارب الأوّل لأنّه لم يوجد منه مال و لا عمل و هل للثاني أجرة مثله؟ على روايتين: إحداهما: له ذلك، لأنّه عمل في مال غيره بعوض لم يسلّم له فكان له أجر مثله كالمضاربة الفاسدة. و الثانية: لا شي ء له، لأنّه عمل في مال غيره بغير إذنه فلم يستحق لذلك عوضا كالغاصب- إلى أن قال:- قال الشريف أبو جعفر: هذا قول أكثرهم، يعني قول مالك و الشافعي و أبي حنيفة، و يحتمل أنّه إن كان عالما بالحال فلا شي ء للعامل كالغاصب، و إن جهل الحال فله أجر مثله يرجع به إلى المضارب الأوّل لأنّه غرّه و استعمله بعوض له يحصل له، فوجب أجره عليه «1».

و قال العلّامة في التذكرة: لو دفع العامل الأوّل قراضا إلى الثاني بغير إذن المالك فسد، لأنّ المالك لم يأذن فيه و لا ائتمن على المال غيره- إلى أن قال:- فإذا عمل العامل الثاني فإن حصل ربح فالأقرب أنّه للمالك، ثم لا يخلو إمّا أن يكون العامل الثاني عالما بالحال أو لا، فإن كان عالما لم يكن له شي ء لأنّه تصرّف في مال الغير بغير إذنه مع علمه بأنّه ممنوع منه و لا يستعقب ذلك استحقاق شي ء،

و إن لم يكن عالما رجع إلى العامل الأوّل بأجرة المثل «2».

و حاصل هذا الوجه: أنّ المفروض بطلان المضاربة الثانية فلا يستحق العامل الثاني من الربح حصة، و المفروض أنّ العامل الأول لم يعمل شيئا حتى يستحق فيكون تمام الربح للمالك إذا أجاز تلك المعاملات الواقعة على ماله. نعم للعامل الثاني أجرة المثل مع جهله بالبطلان على العامل الأوّل لأنّه مغرور من قبله و المغرور يرجع إلى الغار بخلاف ما لو علم بعدم إذن المالك، فلا شي ء له لعدم الغرور.

______________________________

(1)- المغني: 5/ 160.

(2)- تذكرة الفقهاء: 2/ 240.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 141

يلاحظ عليه: أنّ الجمع بين كون الربح كلّه للمالك، و كون أجرة العامل الثاني، على العامل، جمع بين أمرين متنافيين في نظر العرف و صرافة الفطرة.

و تعليله بأنّ الربح تابع للمال و المالك يملك ربح ماله، و العامل الأوّل يتحمّل أجرة عمل العامل الآخر، لأنّه غرّه، غير كاف، لإمكان أن يقول أحد: إنّ الإجازة صير عمله، عملا مستندا إلى المالك، بمقدماته و مؤخراته، فلا يصح تفكيك العقد، عمّا يتوقف تحقّقه في الخارج على أمور، و لعل قضاء العرف في ذلك مقدّم على إطلاق تلك القواعد. فتأمّل.

ب- إنّ الباقي من الربح وراء سهم المالك يرجع إلى العامل الأوّل، و عليه أجرة المثل للعامل الثاني و هو خيرة المحقق حيث قال: فإن فرض ربح كان نصف الربح للمالك و النصف الآخر للعامل الأوّل (إذا كان القراض كذلك) و عليه أجرة الثاني.

قال العلّامة: قال المزني: الأصل الجديد للشافعي «فإن اشترى بعين المال فالشراء فاسد، و إن اشترى في الذمة فالشراء صحيح و الربح للعامل الأوّل، و للعامل الثاني أجرة مثله» «1».

و دليله يتلخّص في

الأمور التالية:

1- إنّ المفروض: أنّ المضاربة الثانية باطلة لردّ المالك.

2- إنّ المفروض: أنّ المضاربة الأولى باقية و إن قلنا بعدم اجتماع مضاربتين على حال واحد- على خلاف التحقيق- لأنّه لو امتنع، فإنّما يمتنع إذا صحّت المضاربة الثانية و المفروض بطلانها، و لم يظهر من العامل الأول أنّه بصدد فسخ مضاربته و عقده مع المالك.

______________________________

(1)- التذكرة: 2/ 240.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 142

3- إنّ المفروض عدم اشتراط المباشرة، فيكفي في الاتّجار صدوره عند سبب من الأسباب.

4- إنّ العامل الثاني و إن أتى بالفعل بنية المالك، لأنّ المفروض أنّ العامل الأوّل، جعله عاملا للمالك، لكن نيته، ليست مؤثرة لعدم إمضاء المضاربة، غاية الأمر أنّه باعه للمالك أو اشترى له و هو غير مؤثر، لأنّ البيع و الشراء سواء صدر من العامل الأوّل أو الثاني، يقع للمالك.

5- إنّ العامل الأول لم يصدر منه عمل تجاريّ مباشرة، لكن صدر منه عمل، حيث إنّه لولاه، و لو لا عقده، و جعله مضاربا للمالك، لما تحقق هذا العمل، فكان له دخل في تحقق التجارة و الربح و ما دعاه إلى عقد المضاربة مع الثاني إلّا قصد انتفاعه به.

فمجموع هذه المقدمات تنتج كون الربح المقرر للعامل الأوّل، لكون المضاربة باقية بحالها.

و منه يظهر أنّ على العامل الأوّل، أجرة المثل للعامل الثاني مطلقا، جاهلا كان أو عالما، أمّا الأوّل فلقاعدة الغرور و أمّا الثاني فلأجل الاستيفاء فإنّه يوجب الضمان، إذا كان هناك أمر و استيفاء. سواء كان العامل عالما بالفساد أو لا.

بل يمكن أن يقال: إنّ السهم الباقي للعامل الأوّل و إن شرط المباشرة، لما مرّ من أنّ تخلّف الشرط يوجب الضمان و لا يوجب الحرمان كما إذا نهى عن

السفر بالمال فسافر و اتّجر و ربح، فالربح بينهما و الضمان على العامل.

و لكنّه مخدوش لأنّ المتيقّن هو مخالفة الشرط في العمل المباشري الذي قام به كما إذا سافر مع المال و قد نهى عنه المالك، لا مثل المخالفة في المقام من تفويض العمل إلى غيره كما لا يخفى.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 143

ج- يكون السهم المقرر للعامل الأوّل، في المضاربة الأولى، للعاملين. قال المحقق: و قيل: إنّه بين العاملين و يرجع الثاني على الأوّل بنصف الأجرة. و لا يخفى وجود التهافت بين كونه للعاملين و يرجع الثاني على الأوّل بنصف الأجرة و هذا القول في الحقيقة راجع إلى القول الثاني.

قال ابن قدامة: و قال القاضي: إنّ لرب المال النصف و النصف الآخر بينهما فهو على ما اتّفقوا عليه لأنّ ربّ المال، رضي بنصف الربح فلا يدفع إليه أكثر منه و العاملان على ما اتّفقا عليه و هذا قول قديم للشافعي و ليس هذا موافقا لأصول المذهب و لا لنصّ أحمد فإن أحمد قال: لا يطيب الربح للمضارب «1» ....

و قال العلّامة: نقل المزني من الشافعية أنّه إذا عمل العامل الثاني بغير إذن المالك و حصل في المال ربح كان لربّ المال النصف الذي شرطه لنفسه، و ما بقي بين العامل الأول و الثاني ثم قال المزني: هذا قول للشافعي قديم «2».

و لا يخفى ضعفه بعد بطلان المضاربة الثانية و معه كيف يأخذ الحصة، فله عندئذ، أجرة المثل.

د- إنّ الربح المقرر للعامل فانّما هو للعامل الثاني عملا بالشرط، و لا شي ء للأوّل إذ لا ملك له و لا عمل.

و هذا القول باطل، لأنّه إنّما يستحق الربح المقرر إذا أجاز المالك المضاربة و

المفروض خلافه، و إنّما المفروض إجازة ما صدر عنه من المعاملة، لا المضاربة فيتردّد الأمر بين القولين الأولين.

تم الكلام في القسم الأوّل بصوره الأربعة، مع ردّ المالك المضاربة بقي الكلام في القسم الثاني أعني ما إذا ضاربه ليكون عاملا لنفسه مع ردّ المالك لها.

______________________________

(1)- المغني: 5/ 161.

(2)- التذكرة: 2/ 240.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 144

القسم الثاني: إذا ضاربه على أن يكون عاملا لنفسه، فقد استقرب السيد الطباطبائي و تبعه أصحاب التعاليق على أنّ الربح المقرر للعامل، و عليه أجرة المثل للعامل الثاني أي اختاروا في هذا القسم القول الثاني الذي أيّدناه و ذكرنا دليله.

و حاصل كلامهم: أنّ المضاربة الأولى باقية بعد فرض بطلان الثانية و المفروض أنّ العامل قصد العمل للعامل الأول فيكون كأنّه هو العامل فيستحق الربح و عليه أجرة عمل العامل، إذا كان جاهلا بالبطلان.

يلاحظ عليه: أنّه لا فرق بين القسمين، إلّا أنّ العامل، في القسم الأوّل عمل للمالك، و في الثاني، للعامل. و لكنّه ليس بفارق، لأنّ نيته غير مؤثرة، بعد بطلان المضاربة، فعندئذ، فإن قلنا بأنّ النماء تابع للعين فيجب القول بأنّ الربح مطلقا للمالك في القسمين، و أنّ للعامل الثاني أجرة المثل. و إن قلنا بأنّ عمل العامل الثاني، عمل تسبيبيّ له، و المفروض عدم اشتراط المباشرة، فالربح المقرر للعامل يكون للعامل الأوّل و الأجرة عليه.

و بالجملة لم يظهر لي الفرق بين القسمين بعد لغوية نية العامل الثاني، و بطلان العقد الثاني أيضا.

لو اختلفا في أصل المضاربة:

إذا قال المالك للعامل: دفعت إليك مالا قراضا.

و أمّا العامل فربّما ينكر أصل المضاربة، و أخرى يقول: لا يستحق عندي شيئا.

و نقدّم البحث عن الأوّل فنقول: لو أقام المدّعي بيّنة على أنّه دفع إليه

مالا

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 145

قراضا، و ادّعى العامل التلف. بعد أن أنكر المضاربة من أصلها.

قال المحقق: قضى عليه بالضمان.

و قال العلّامة في القواعد: لم يقبل دعواه «1».

و قال السيد الطباطبائي: لم يسمع منه «2».

و لعل تعبير المحقق أولى إذ عليه يكون محكوما، بالخروج عن العهدة بدفع العين أو مثلها أو قيمتها، بخلافه على التعبيرين الأخيرين إذ عندئذ يكون محكوما بدفع العين فقط فيحبس حتى يتبيّن الحال من وجود العين و عدمه.

ثم إنّ المراد من عدم قبول دعواه أو عدم سماعها منه، هو القبول و السماع لو لا إنكار أصل المضاربة فإنّه لو كان مسلّما لأصلها، يقبل قوله في التلف بيمينه و لكنّه لمّا ادّعى التلف، أقرّ بكذب قوله الأول من إنكار أصل المضاربة، فخرج عن كونه أمينا، فيصير مدّعيا في ادّعاء أصل التلف فعليه إقامة البينة على التلف، بعد إقامة المدّعى البينة على أصل المضاربة، و لا يكفيه اليمين كما كان كافيا لو لا إنكاره أوّلا.

ثم إنّه نقل في الجواهر القول بعدم قبول دعواه حتى لو أقام بينة على تلفه منه بلا تعدّ و لا تفريط لتكذيبه إيّاها بإنكاره الأوّل الذي هو أيضا إقرار في حقه.

قال: و من هنا عبّر الفاضل في القواعد بعدم قبول دعواه «3».

يلاحظ عليه: أنّ تكذيب البينة إذا كانت لصالح الإنسان، إنّما يؤثر إذا قام بتكذيبه على وجه المطابقة لا ما إذا كان على وجه الالتزام كما في المقام فإنّه

______________________________

(1)- مفتاح الكرامة: 7/ 571 (قسم المتن).

(2)- العروة الوثقى المسألة 54 و التنازع في المقام غير التنازع بينهما في أصل الربح أو مقداره على ما سلف.

(3)- الجواهر: 26/ 395.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 146

بتكذيبه أصل المضاربة و إن كان يكذب شهادة البينة على أنّ المال تلف في يده بلا تعدّ و لا تفريط، لكن يمكن أن يقال: إنّ إنكاره أصل المضاربة، لأجل أنّه كان يحتمل عدم سماع قوله و لو مع البينة فتوسل في نفي الضمان بإنكار الأصل، على وجه لو كان يعلم أنّه تسمع دعواه مع البينة لما أنكر أصلها. فعلى ذلك فلا يصلح ذلك الإنكار دليلا على عدم سماع بيّنته.

مع إطلاق دليلها إلّا ما خرج، و ليس قول العلّامة في القواعد ناظرا إلى عدم قبول بينته. و الحاصل أنّه إذا علّل وجه إنكاره بنحو صار متلائما مع مضمون بينته، لا يعد مثل ذلك الإنكار و التكذيب، تكذيبا لبينته.

و على الثاني أي أنّه أجاب بقوله «لا يستحق عندي شيئا»، يقبل قوله: بيمنه، سواء أقام المالك بينة أو لا، لعدم إنكار أصل المضاربة، حتى لو ادّعى بعد ذلك التلف، لا يكلّف بإقامة البينة، لأنّ بيّنة المالك لا تثبت أزيد من كونه عاملا فيكون أمينا فيقبل قوله في التلف و ليس قوله: «لا يستحق عندي شيئا» بمعنى إنكارها من أصل.

في الخسارة الواردة على مال المضاربة:

الخسارة الواردة على مال المضاربة على أقسام:

1- ما ترد عليه بعد الدوران في التجارة كما إذا كان بعد شراء و بيع.

2- ما ترد عليه بعد الشروع فيها كما إذا اشترى و لم يبع.

3- ما ترد عليه قبل الشروع فيها.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 147

أمّا الصورة الأولى: فالظاهر جبرها بالربح مطلقا: سواء كان التالف يعادل بعض رأس المال أو يعادل كلّه مع بقاء شي ء من المال الرابح حتى تستمرّ المضاربة، ثم لا فرق بين كون التلف بآفة أو بإتلاف ضامن من العامل أو الأجنبي.

قال المحقق: إذا تلف

مال القراض أو بعضه بعد دورانه في التجارة احتسب التالف من الربح الذي هو وقاية لرأس المال، لأنّ أساس المضاربة هو الاشتراك في الربح بعد عدم ورود نقص على رأس المال و مع عدم الجبر، لا يصدق الربح.

و لا يظهر الخلاف إلّا من صاحب جامع المقاصد حيث خصّ الجبر بالربح، بالخسارة الناشئة من نزول السوق و لم يقل به في الموردين التاليين:

1- إذا تلف بآفة سماوية: قائلا بأنّه نقصان لا تعلّق له بتصرّف العامل و تجارته.

2- إذا غصب مال التجارة غاصب أو سرقه سارق قائلا، بأنّ الضمان عليهما بلا جبره بمال القراض.

يلاحظ عليه: أنّه ليس للشارع في مورد المضاربة اصطلاح خاص بل هو بالمعنى المعروف موضع إمضاء له، و الأساس هو الاشتراك في الربح بعد ردّ رأس المال، فإذا تلف بآفة سماوية، أو بغصب الغاصب و سرقة السارق، لم تحصل الغاية المذكورة، فلا موضوع للاشتراك، على أنّ كونه في ذمة الغاصب و السارق، لا يساوي بقاء رأس المال ما لم يأخذ العين أو العوض، نعم لو أخذ، يكون من جملة المال.

و أمّا الصورة الثانية: أعني ما إذا كانت الخسارة بصورها السابقة بعد الشروع في التجارة، و قبل الدوران فالظاهر أنّه كالصورة الأولى، لما عرفت من أنّه مقتضى المضاربة، حتى و لو تلف رأس المال كلّه، كما إذا اشترى في الذمة- مع إذن المالك

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 148

- و تلف المال (الثمن) قبل دفعه إلى البائع فأدّاه المالك أو باع العامل المبيع و ربح و أدّى.

نعم، تردد المحقق في ذلك و قال: و كذا لو تلف قبل الدوران و في هذا تردد.

و أورد عليه في الجواهر بأنّ الأقوى عدم الفرق لأنّ

المقتضي لكونه مال قراض هو العقد لا دورانه في التجارة فمتى تصوّر بقاء العقد و ثبوت الربح، جبر ما تلف مطلقا «1».

ثم إنّ استمرار المضاربة مع تلف رأس المال و بقاء المبيع رهن أحد أمرين:

أداء المالك الثمن، و بيع المبيع و ربحه. نعم لو أدّى المالك يلزم أن ينوي كونها جزءا لمال المضاربة لا دينا على المضارب، إذ لا معنى لأن يكون دينا على العامل و لكن ينتفع به المالك أيضا.

و أمّا الصورة الثالثة: أعني ما إذا كانت الخسارة واردة قبل الشروع في التجارة كما إذا سرق في أثناء السفر قبل أن يشرع في التجارة، أو في البلد أيضا قبل أن يسافر، فيجب التفصيل بين تلف البعض و الكل. أمّا الأوّل فالمضاربة مستمرة ببقاء بعض المال فلو ربحت، تجبر به الخسارة و أمّا إذا تلف الكل فلو كانت بآفة سماوية ينفسخ عقد المضاربة، إذا لا يبقى معه مال للتجارة حتى يجبر، و لو أدّاه المالك مجدّدا، فتكون مضاربة ثانية و لا تكون جزءا للمضاربة الأولى، لعدم بقاء شي ء منها بخلاف ما سبق أي ما إذا تلف المال مع بقاء المبيع و تأدية المالك الثمن، فإنّه يكون جزءا منها باعتبار بقاء المضاربة و أمّا لو كان التلف بأجنبي أو بالعامل فأدّى عوضه، تكون المضاربة باقية.

______________________________

(1)- الجواهر: 26/ 396.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 149

في طلب قسمة الربح عند الانضاض:

إذا نضّ المال كلّه أو بقدر الربح فطلب أحدهما قسمة الربح فله صور:

1- إذا اتّفقا على القسمة.

2- إذا رضي العامل دون المالك.

3- إذا رضي المالك دون العامل.

أمّا الأولى، فلا إشكال، لانحصار الحق فيهما.

أمّا الثانية، ففيه وجهان:

1- عدم الجواز، اختاره المحقق و قال: و إن امتنع المالك لم يجبر، و تبعه

المحقق الثاني قائلا بأنّ فيه الضرر على المالك لاحتمال خسارة مال القراض فيحتاج إلى الجبر، و هو خيرة السيد الطباطبائي و أكثر المعلّقين على كتابه.

2- جواز الإجبار، بوجوه:

أ- إنّ احتمال الخسران يمنع من وجوب تمكين العامل من حصته لا من أصل القسمة.

ب- يمكن تدارك الضرر المحتمل بأخذ الكفيل و نحوه كما في غير المقام.

ج- إنّ احتمال الضرر غير كاف في منع سلطنة العامل على قسمة حصته المشاعة «1».

و لعلّ إلى بعض هذه الوجوه يشير بعض المحشين للعروة بقوله: القسمة لا تنافي جبر الخسارة فلا بد لعدم الجبر من دليل آخر.

و لعلّ الأوّل أظهر، لما قلنا: من أنّ ملكية العامل للربح، ملكية متزلزلة، و إنّما يستقر بالفسخ على قول، أو بانتهاء أجل المضاربة و إلّا فهو و إن كان ملكا

______________________________

(1)- المستمسك: 12/ 343.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 150

للعامل لكنّه، متعلّق لحقّ المالك فلا يجوز التصرّف فيه إلّا برضى المالك و إن كنّا على ثقة لعدم تضرر المالك.

و أمّا الثالثة: فالظاهر من المحقق هو جواز جبر العامل على القسمة، حيث قال: «و إن امتنع المالك لم يجبر» و يظهر من العلّامة في القواعد عدم الفرق بين الصورتين حيث قال: و إن امتنع أحدهما لم يجبر على القسمة، و استقواه السيد البروجردي و قال: و هذا لا يخلو من قوّة مع بقاء المضاربة.

و الظاهر هو الأوّل، لما عرفت من أنّ المانع من القسمة هو أنّ سهم العامل متعلّق حق المالك، بمعنى أنّه إذا خسر، يجبر به، فإذا رضي صاحب الحق فلا وجه للتوقف.

و ما ذكره صاحب جامع المقاصد في وجه القول الثاني أنّ العامل لا يأمن من أن يطرأ الخسران و إذا أخرج ما

وصل إليه فيحتاج إلى غرم ما حصل له بالقسمة و ذلك ضرر «1». كما ترى، ضرورة إمكان المحافظة عليه بعدم التصرف و وضعه عند الودعي أو البنك، و على فرض التصرف فيه فلو أغرم لم يكن عليه ضرر لأنّه في مقابل التصرف.

و مع ذلك كلّه لا يمكن غضّ النظر عمّا هو المتعارف في المضاربة و ربّما يكون المتعارف، هو عدم الاقتسام إلى أن تنتهي المضاربة فيكون التعارف مقدّما على ما ذكرنا. و هناك احتمال آخر و هو أنّ طلب القسمة إذا نضّ المال كلّه فسخ عملي للمضاربة و عندئذ تكون القسمة على القاعدة.

و لو اقتسما، ثم حصل الخسران فإن حصل بعده ربح يجبره فهو، و إلّا ردّ العامل أقلّ الأمرين من مقدار الخسران و ما أخذ من الربح، لأنّ الأقل إن كان هو الخسران، فليس عليه إلّا جبره فقط، و الزائد له، و إن كان الربح فليس عليه إلّا ردّ مقدار ما أخذ لا جبر جميع الخسران و لو زائد على الربح المأخوذ. و هذا فيما إذا

______________________________

(1)- جامع المقاصد: 8/ 145.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 151

نضّ المال بعضه.

ثم إنّ للشهيد الأوّل نظرا خاصا في المقام نقله عنه المحقق و الشهيد الثانيان في المسالك، مع نقده و نقله السيد الطباطبائي في العروة الوثقى «1» فمن أراد فليرجع إليها.

في اشتراء ربّ المال من العامل:

اتّفقت كلمة الفقهاء على أنّه لا يصح أن يشتري ربّ المال من العامل شيئا من مال القراض كما صرّح به في المبسوط «2» و الشرائع «3» و التذكرة «4» و جامع المقاصد «5» معلّلا بأنّه لا يصح أن يشتري الإنسان ماله. قال ابن قدامة: إذا اشترى ربّ المال من مال المضاربة شيئا لنفسه لم

يصح في إحدى الروايتين و هو قول الشافعي، و يصح في الأخرى و به قال مالك و الأوزاعي و أبو حنيفة، لأنّه تعلّق حق المضارب به، فجاز له شراؤه «6». و على هذا يجوز الشراء إذا ظهر الربح لأنّه يشتري منه حقّ المضارب و لكنّه يصح في حقّه دون العامل.

يلاحظ عليه: أنّ المفروض أنّ المال مشاع فما يبيعه، ليس ملكا طلقا للمضارب بل مشاع بينهما، فلا ينفع ظهور الربح مائة بالمائة، و العجب أنّهم تفطّنوا لهذه النكتة في اشتراء العامل كما سيوافيك، دون المقام.

فإن قلت: إنّ ملكية العامل للربح، ملكية متزلزلة، فكيف يجوز بيعه؟

______________________________

(1)- العروة الوثقى، كتاب المضاربة، المسألة 36.

(2)- المبسوط: 3/ 196.

(3)- الجواهر: 26/ 400 (قسم المتن).

(4)- التذكرة: 2/ 236.

(5)- جامع المقاصد: 8/ 147.

(6)- المغني: 5/ 172.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 152

قلت: معنى كونه ملكية متزلزلة هو كونه متعلق حق المالك، و أنّه لو خسرت التجارة، تكون وقاية لرأس المال فإذا رضي صاحب الحق أي المالك، فلا مانع.

ثم طروء الخسارة لا يوجب بطلان البيع فإنّه بمنزلة التلف غاية الأمر يجب على العامل، ردّ ما أخذه ثمنا لاتّفاقهما على أنّه لو خسرت التجارة لا يكون الجبر بأزيد ممّا أخذ أي الثمن المسمّى.

و بذلك يظهر ضعف ما ذكره في الجواهر «1» و تبعه السيد الطباطبائي من لزوم ردّ قيمتها «2» لأنّه تصحّ في التالف إذا لم يكن برضى المالك كما لا يخفى.

هذا كله في اشتراء ربّ المال من العامل و أمّا العكس، فقد فصلوا بين الشراء قبل ظهور الربح فيصحّ لأنّه يشري مال الغير، و الشراء بعد ظهوره فيبطل في حصته من الربح، قال العلّامة: و للعامل أن يشتري من مال المضاربة، و

إن ظهر ربح بطل البيع في نصيبه «3». قال ابن قدامة: و إن اشترى المضارب لنفسه من مال المضاربة و لم يظهر في المال ربح صحّ، نصّ عليه أحمد و به قال مالك و الثوري و الأوزاعي و إسحاق و حكى ذلك عن أبي حنيفة، و قال أبو ثور: البيع باطل لأنّه شريك ثم استدل بأنّه ملك لغيره فيصحّ شراؤه له، كما لو اشترى الوكيل من موكّله و إنّما يكون شريكا إذا ظهر ربح، لأنّه إنّما يشارك رب المال في الربح لا في أصل المال و متى ظهر في المال ربح كان شراؤه كشراء أحد الشريكين. و قال: و إن اشترى أحد الشريكين من مال الشركة شيئا بطل قدر حقّه لأنّه ملكه «4».

و قال العاملي: و أمّا إذا كان الربح ظاهرا في وقت الشراء بناء على أنّه يملك

______________________________

(1)- الجواهر: 26/ 401.

(2)- العروة الوثقى، كتاب المضاربة، المسألة 4.

(3)- مفتاح الكرامة: 7/ 501 (قسم المتن).

(4)- المغني: 5/ 173.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 153

بالظهور فالبطلان في نصيبه في غاية الظهور، لأنّه لا يعقل شراء ملك نفسه و إن كان متزلزلا «1».

لكن الحكم بالصحة فيما لم يظهر الربح على وجه الإطلاق مشكل، و هذا كما إذا اشترى منه قبل ظهور الربح بأزيد من قيمته، بحيث يكون الربح حاصلا بهذا الشراء فيشكل بأنّ بعض الثمن يرجع إليه من حيث كونه ربحا، فيلزم من نقله إلى البائع عدم نقله من حيث عوده إلى نفسه.

و أجاب عنه السيد الطباطبائي بأنّه عند ما يكون ملكا للمالك، ليس ملكا للعامل، و إنّما يصير ملكا له بعد دخوله في ملك المالك و خروجه منه بعد صدق الربح من ملكه. قال «إنّ

كونه ربحا، متأخّر عن صيرورته للبائع فيصير أوّلا للبائع الذي هو المالك من جهة كونه ثمنا و بعد أن تمّت المعاملة و صار ملكا للبائع و صدق كونه ربحا، يرجع إلى المشتري الذي هو العامل على حسب قرار المضاربة فملكية البائع (المالك) متقدمة طبعا.

يلاحظ عليه: أنّ الأحكام الشرعية مترتبة، على التقدّم و التأخّر الخارجيين، فلا يكفي التقدّم الطبيعي، و المفروض أنّ كونه ملكا للمالك و العامل معا في زمان واحد. فليزم أن يشتري مال نفسه أيضا.

هذه الدراسة على حسب مباني القوم و لنا في المقام كلام آخر، و هو أنّه يجوز اشتراء المالك و العامل، قبل ظهور الربح و بعده، و لا يلزم منه شراء الإنسان لماله نفسه مطلقا سواء كان المشتري ربّ المال أو العامل، و هو أنّ من نظر إلى الشركات المضاربية في البلاد، يقف على أنّ نفس الشركة، تكتسب لنفسه شخصية حقوقية تكون هي المالكة للأموال لا الملّاك و لا العمّال فتكون هي البائعة و المشترية، لا المالك بوجوده الخارجي و لا العامل بهويته الشخصية. نعم عند انحلال الشركة،

______________________________

(1)- مفتاح الكرامة: 7/ 501.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 154

يرجع الأموال، الى المالك و العامل حسب القرار الموجود في عقد الشركة، و على ذلك فلو اشترى المالك فانّما يشتريه من الشركة و هكذا العامل. لا من نفسه و لا من حصة عديله.

إنّ تقسيم الملكية إلى الحقيقية و الحقوقية أمر عرفه الناس و اعترف به الحقوقيون، و كفى ذلك في صحته و نفوذه و ليس القول بالملكية الحقوقية أمرا مخالفا للقواعد، فلا وجه لرفضها مع رواجها بين العقلاء حتى في بلادنا هذا. و قد راج في أيامنا هذه، أنّه تقوم أسرة كبيرة

أو موظفو دائرة خاصة بتشكيل جمعية تعاونية يشارك فيها أعضاء الأسرة أو موظفو الإدارة، فيشترون حوائجهم منها و لا يدور في خلد أحد أنهم يشترون أموال أنفسهم، و ما هذا إلّا لأنّهم ينظرون إلى الشركة ما دامت قائمة بعين الاستقلال و لو قيل: إنّ للزمان و المكان مدخلية في الاجتهاد و استكشاف الحكم الشرعي، فليكن هذا من مصاديقه.

اشتراط القراض بالبضاعة:

إذا دفع مالا قراضا و شرط أن يأخذ له بضاعة، ليكون ربح الأول بينهما، و ربح الثاني، لخصوص المالك، فيه أقوال:

1- بطلان العقد لبطلان الشرط.

أمّا بطلان الشرط، فلأنّ العامل في المضاربة لا يعمل عملا لا يستحق في مقابله عوضا و المفروض في المقام خلافه، و بعبارة أخرى: الشرط مخالف لمقتضى عقد المضاربة، لأنّه مبنيّ على الأجرة في مقابل العمل. و الشرط على خلافه.

و أمّا بطلان العقد، فلأجل استلزام الاشتراط تطرق الجهالة إلى حصته من الربح لاقتضاء الشرط قسطا من الربح و قد بطل فيبطل ما يقابله، فتجهل

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 155

الحصة «1».

و حاصل كلامه: أنّ الشرط المفروض مناف لمقتضى العقد، فيكون باطلا في نفسه و ببطلانه يبطل العقد، لاستلزام الشرط جهالة حصة العامل من الربح، حيث إنّ الشرط له قسط من الربح و ببطلانه يسقط ذلك القسط و هو غير معلوم المقدار.

يلاحظ عليه: أنّه ليس منافيا لمقتضى العقد، لأنّ تقبّل البضاعة في ضمن القراض، يوجب ارتفاع حصة العامل في المضاربة فلا يكون الشرط عملا تبرعيّا و لا يشترط في المضاربة أزيد من أن لا يكون عمله بالمجان، و المقام كذلك، لأنّه بتقبّل ذلك العمل أو الأعمال الأخر، كالخياطة، و البيع و غيرهما، يستحق حصة كبرى، و يضارب مع السهم الأكبر. أضف إلى

ذلك أنّ ما ذكروه من التعليل لا يلائم مذهبهم في باب الشروط و هو أنّ الشرط لا يقسّط عليه الثمن و لا يقع في مقابله شي ء، حتى يكون سقوطه موجبا لنقصان جزء من الحصة فيصير مجهولا.

2- القراض صحيح و الشرط باطل، لكن بطلان الشرط لا يوجب بطلان المشروط، و ذلك لأنّه لما كان الشرط جائز الوفاء لا لازمه، كما هو حكم كل شرط في العقد الجائز، يكون وجوده كعدمه فكأنّه لم يشترط و لأجل ذلك لا توجد جهالة في حصة العامل.

و أورد عليه السيد الطباطبائي بأنّه على فرض إيجاده للجهالة، لا يتفاوت الحال بين لزوم العمل به و عدمه حيث إنّه على التقديرين زيد بعض العوض لأجله «2».

______________________________

(1)- المبسوط: 3/ 197 بتصرف يسير.

(2)- العروة الوثقى، كتاب المضاربة، المسألة 33.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 156

و يلاحظ عليه: أنّه إذا كان وجود الشرط و عدمه سيّان و كأنّه لم يشترط كما جاء في كلام القائل فلا يقع شي ء بإزاء الشرط على جميع التقادير، ذكر الشرط أو لا، صحّ أو لم يصحّ، و عندئذ لا يوجب جهالة في الحصة، و هل ذكر مثل هذا الشرط في العقد إلّا كعطسة المالك في أثناء العقد لا يؤثر شيئا في سهم العامل.

و الأولى أن يجاب عنه بما نذكره في جواب التقريب الآخر لهذا القول.

و ربّما يقرر: وجه عدم تأثير بطلان الشرط في بطلان العقد: بأنّ الشرط لا أثر له أصلا لأنّه ليس بلازم الوفاء حيث إنّه في العقد الجائز، و لا يلزم من تخلّفه أثر التسلّط على الفسخ حيث إنّه يجوز فسخه و لو مع عدم التخلّف.

و بعبارة أخرى: إنّ الشرط في العقود يترتب عليه أثران: تكليفي و

وضعي، و الأوّل بمعنى وجوب القيام به و وجوب إيصال الحق إلى صاحبه، و الثاني بمعنى جواز الفسخ مع التخلّف و كلاهما في المقام منتفيان أمّا الأوّل، فلعدم وجوب الوفاء بالشرط الوارد في ضمن العقود الجائزة، و أمّا الثاني، فإنّه كان جائز الفسخ بالذات سواء كان هناك تخلّف أو لا «1».

يلاحظ عليه بأمرين:

1- ما مرّ سابقا من لزوم الوفاء بالشرط في ضمن العقود الجائزة ما دامت باقية و لم تفسخ، و إن كان له أن يفسخ حتى يسقط وجوب العمل به. و يتضح معنى جواز الشرط في العقود الجائزة، بالإمعان في معنى جواز الشرط في النوافل فإنّ الطهارة فيها غير واجبة لأنّها غير واجبة بالذات و لكن لو أراد الإتيان بها، لم يكن بد من الإتيان بها مع الطهارة.

2- ما أفاده السيد الطباطبائي: إنّا لا نسلّم أنّ تخلّفه لا يؤثر في التسلط على

______________________________

(1)- جامع المقاصد: 8، لاحظ الجواهر: 26/ 402.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 157

الفسخ، إذ الفسخ الذي يأتي من قبل كون العقد جائزا إنّما يكون بالنسبة إلى الاستمرار، بخلاف الآتي من تخلف الشرط، فإنّ الثاني يوجب فسخ المعاملة من الأصل، فإذا فرضنا أنّ الفسخ بعد حصول الربح فإن كان من القسم الأوّل اقتضى حصوله من حينه، فالعامل يستحقّ ذلك الربح بمقدار حصته، و إن كان من القسم الثاني يكون تمام الربح للمالك و يستحق أجرة المثل لعمله، و هي قد تكون أزيد من الربح، و قد تكون أقل فيتفاوت الحال بالفسخ و عدمه إذا كان لأجل تخلّف الشرط «1».

3- صحة العقد و الشرط و هو خيرة المحقق، للعمومات، و ليس هناك شي ء يمنع عن شمولها. و لا يعتبر في القراض

أزيد من عدم خلو عمل العامل عن جزء من الربح لا مطلق عمله و إن لم يكن من القراض، و لكنّه قد اشترط في عقد القراض «2».

أضف إليه ما عرفت من أنّ العمل المجعول على العامل ليس خاليا عن جزء من الربح، لأنّه يصير سببا لارتفاع سهم العامل من الربح كما عرفت، و لو صح ما قيل يلزم بطلان أيّ شرط في المضاربة على العامل، لخلوه عن الربح. كما لا يخفى.

في جبر خسارة الجزء المسترد بربح الباقي:

إذا اشتغل العامل بالتجارة فخسر، ثم أخذ المالك شيئا من مال القراض و اتّجر العامل بالباقي و ربح، فلا شك أنّ الربح يجبر به الخسران المتقدم على

______________________________

(1)- العروة الوثقى، كتاب المضاربة، المسألة 33.

(2)- الجواهر: 26/ 402.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 158

الربح، ما دام العقد باقيا، و المال غير منقسم. إلّا أن الكلام في أنّه هل توزّع الخسارة على المأخوذ و الباقي فيجبر النقص المختص بالباقي من المال، و لا يجبر به ما يختص بالمأخوذ، أو يجبر به جميع الخسران من غير فرق بين ما يرجع إلى الباقي أو المأخوذ؟ قولان:

الأوّل: خيرة المحقق، في الشرائع و العلّامة في الإرشاد «1» و القواعد «2» و التذكرة «3»، و المحقق في جامع المقاصد «4»، و الأردبيلي في مجمع الفائدة.

و الثاني: خيرة صاحب الجواهر «5» و السيد الطباطبائي و المحقق الخوئي- قدس أسرارهم- مثلا: إذا كان مال القراض مائة فخسر عشرة، و أخذ المالك منه بعد الخسران عشرة، ثم عمل العامل بما بقي منه، فربح عشرة فلو قلنا بأنّه يجب عليه جبر جميع الخسران، فالذي يجب عليه ردّه عبارة عن التسعين و قد أخذ العشرة قبلا فيكون المجموع على حدّ رأس المال، و إن

قلنا بالتوزيع فالذي يجب عليه ردّه عبارة عن تسعة و ثمانين إلّا تسعا- مضافا إلى المأخوذ الذي هو كالموجود- فإذا قسم الخسران و هو عشرة على تسعين كانت حصة العشرة المأخوذة من الخسران، دينارا و تسعا، فيوضع من رأس المال و يجبر الباقي.

ثم إنّ الطريق لتحديد حصة الجزء المأخوذ من الخسران عبارة عن نسبة المأخوذ إلى الباقي أعني التسعين و هو التسع، فيوضع من الخسران، تسعه، و تسع العشرة عبارة عن واحد و تسع، فينقص من رأس المال بهذا المقدار فيصير تسعة

______________________________

(1)- مجمع الفائدة: 10/ 264.

(2)- مفتاح الكرامة: 7/ 493.

(3)- التذكرة: 2/ 247 الفصل الخامس في التناسخ و لواحقه.

(4)- جامع المقاصد: 8/ 134.

(5)- الجواهر: 26/ 403.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 159

و ثمانين إلّا تسع «1» بخلافه على القول الآخر فإنّه يكون التسعين تماما.

إذا وقفت على صورة المسألة فنقول: قد استدلّ المحقق الأردبيلي على القول الأوّل بقوله: «إذا أخذ المالك عشرة، فقد أسقط جبر تلك العشرة. و قال العاملي:

«إنّه لمّا استردّ العشرة فكأنّه استردّ نصيبها من الخسران لخروجها بالاسترداد عن استحقاق الجبران لما يصيبها حيث بطل القراض فيها.

و قال العلامة: «و إن كان الاسترداد بعد ظهور الخسران، كان الخسران موزعا على المسترد و الباقي فلا يلزم جبر حصة المسترد من الخسران- كما لو استردّ الكل بعد الخسران لم يلزم العامل شي ء- و يصير رأس المال الباقي بعد المسترد «2».

و حاصل الاستدلال: أنّ أخذ جزء من رأس المال إبطال للمضاربة فيها فلا بدّ أن يتبعها ما يخصّها من الخسارة السابقة على أخذها.

أقول: لا شك أنّه لو كانت المضاربة مشروطة لفظا أو مبنيّة على رجوع ما يدفعه المالك بعنوان رأس المال إليه من غير

نقص فيه، حتى و لو لم تكن التجارة بكل ذلك المال بل مع الفسخ في بعضه و انحصار المضاربة في الباقي، يجب جبر جميع الخسارة من غير فرق بين ما يرجع إلى المسترد، و ما يرجع إلى الباقي.

كما أنّه لو كانت مشروطة بجبر خسران المال الباقي في مجال التجارة، لا ما أخرج منها، يلزم خسران ما بقي دون المسترد، إنّما الكلام فيما إذا كانت مطلقة غير مقيدة فهل مقتضى الإطلاق هو الأوّل كما عليه صاحب الجواهر أو الثاني كما عليه المحقق و من تبعه؟.

أقول: لو دلّت القرينة على شي ء من الأمرين فهو، و إلّا فما اختاره صاحب

______________________________

(1)- و ذلك لأنّ التسعين يشتمل على تسعة عقود، و كل عقد عبارة عن عشرة فإذا خصص كل عقد، لنفسه واحدا يكون سهم التسعين هو التسعة لكل عقد واحد، و أمّا الواحد الباقي من العشرة فينقسم إلى تسعة أجزاء لكل عقد جزء و بالتالي للمأخوذ، جزء أي تسع الواحد. فيكون حصة العشرة من الخسارة، الواحد و التسع و قد سبق منّا الكلام في التوزيع فلاحظ.

(2)- التذكرة: 2/ 247.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 160

الجواهر هو الأقوى، إذ لو افترضنا أنّ استرداد جزء من رأس المال يلازم إبطالها في ذلك الجزء لكن المتبادر من المساهمة في الربح، هو رجوع رأس المال إلى المالك على النحو الذي دفع. سواء اتّجر بتمامه أو ببعضه، فيلزم جبر الخسران كلّه إذا اتّجر- بعد الخسران- ببعض المال و يمكن الاستئناس لما ذكر بأمور:

1- نفترض أنّ الظروف لم تسمح له الاتّجار بكل المال- بعد الخسران- و اتّجر بالبعض، فلا شك أنّه يجبر به الخسران المختص بما لم يتّجر به فأيّ فرق بين استرداده،

و عدمه و يجمعهما عدم الاتّجار إلّا ببعض المال.

2- إذا اتّجر و خسر ثم أورد الفسخ على تمام المال قبل إنضاضه أو قسمته ثم ربح هو فيجبر به الخسران السابق، فهل هناك فرق بين فسخ الكل أو البعض؟.

3- إذا ردّ العامل- بلا طلب من المالك- رأس المال جزء فجزء، مع الاشتغال بالتجارة، و افترضنا أنّ التجارة خسرت في أثنائها، ثم ربحت فلا يخطر ببال أحد أنّه لا يجبر النقص المختص بالجزء المردود، قبل الربح.

نعم لو كان المأخوذ على حدّ، أثر في نزول الربح، بحيث لو كان عند العامل لربح أزيد مما ربح، يمكن انصراف عقد المضاربة عن جبر خسران هذا النوع من الاسترداد، المؤثر في الربح الجابر و لعل المفروض في كلام الفقهاء غير هذه الصورة، و على ضوء ذلك فكل جزء اتّجر به، و خسر و كان معدودا من رأس المال، يجب جبر خسره سواء استردّه المالك فيما بعد أو لا.

فإن قلت: يظهر من السيد الطباطبائي أنّ انفساخ العقد في جزء من رأس المال يوجب فسخ العقد من أصل قال: إذا كان رأس المال مشتركا بين اثنين فضاربا واحدا ثم فسخ أحد الشريكين فهل تبقى بالنسبة إلى حصّة الآخر أو تنفسخ من الأصل؟ وجهان أقربهما الانفساخ، نعم لو كان مال أحدهما متميزا و كان العقد واحدا لا يبعد بقاء العقد بالنسبة إلى الآخر «1».

______________________________

(1)- العروة الوثقى: كتاب المضاربة، المسألة الثانية عشرة من المسائل الختامية.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 161

قلت: ما ذكره غير تام في المشبّه به فضلا عن المشبّه، لأنّها عند تعدد المالك ليست مضاربة واحدة، بل مضاربات بعقد واحد، نظيره ما إذا اشترى إنسان شيئين من شخصين و قال: اشتريت

هذا و هذا كلا بدينار، و قال البائعان: بعنا، فلو ردّ أحد المبيعين بالفسخ أو الانفساخ بقي الآخر على لزومه، و أمّا المقام، فالحق أنّه يعامل مع الجزء معاملة الشرط إذا لم يكن على حدّ يغيّر هيئة المضاربة و وحدتها كما إذا أعار أشياء بعقد واحد، ثم استرد واحدا.

و الحاصل: أنّ المال الذي لم يضارب به أبدا، لا تجبر خسارته لأنّه لم يقع في إطار المضاربة، و أمّا إذا وقع فيه و تقلّب فيه العامل أنواع التقلب و خسر، ثم استردّه المالك لغرض من الأغراض، فلا يكون خروج مثله مانعا عن جبر خسارته.

فإن قلت: انفساخ المضاربة بالنسبة إلى ما أخذه، و بقائها بالنسبة إلى البقية- كما هو المفروض- مستلزم لعدم انجبار سهم المأخوذ من الخسران بربح البقية فيما بعد، و كذا العكس إذ المضاربة فيه بعد ما تمّت و هي خاسرة أو رابحة لا تنقلب عمّا تمّت عليه، فيستقرّ خسرانها على المالك إن كانت خاسرة و لا يكون ربحها وقاية لشي ء إن كانت رابحة بخلافها في البقية فإنّها لبقائها لا يتعيّن لأحدهما إلّا بالاختتام «1».

قلت: هذا نص ما ذكره السيد المحقق البروجردي- بتصرف يسير- في تعليقته على العروة الوثقى و هو لا يزيد عن كونه مقتضى فسخ المضاربة في الجزء المسترد، هو عدم جبر الخسران المختص به بربح الباقي.

و لكن يلاحظ عليه: أنّ وقوع الجزء المسترد في إطار المضاربة، و التقلب و التصرف فيه بأنواعه منتهيا إلى الخسارة، كاف في لزوم جبر خسرانه بربح الباقي و إن خرج عن مجال المضاربة بالاسترداد فيما بعد.

______________________________

(1)- العروة الوثقى كتاب المضاربة، المسألة 47.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 162

جبر الخسران اللّاحق بربح الجزء المسترد:

هذا كله في جانب الخسران، و مثله

جانب الربح فكما يجبر بالربح اللاحق خسران الجزء المسترد، فهكذا يجبر بربح الجزء المسترد، الخسران اللاحق بالاتّجار بالبقية فإذا أخذ المالك- بعد ما حصل الربح- مقدارا من المال (سواء كان بعنوان استرداد بعض رأس المال، أو هو مع الربح أو من غير قصد إلى أحد الوجهين) ثم اتّجر العامل بالباقي فحصل خسران أو تلف، يجبر بالربح السابق بتمامه حتى المقدار الخاص بما أخذه المالك، و لا يختصّ الجبر بما عداه من غير فرق بين حصة المالك و العامل. و ذلك لما عرفت من أنّ المتبادر من عقد المضاربة، هو رد رأس المال بتمامه إلى المالك بلا نقص، فلا محيص عن جعل الربح السابق وقاية حتى في الزمان اللاحق ما دامت المضاربة قائمة بحالها مثلا: إذا كان رأس المال مائة، فربح عشرة، ثم أخذ المالك عشرة، ثم اتّجر بالبقية فخسر عشرة أو تلف منه عشرة، يجب جبرها بالربح السابق حتى المقدار الشائع منه في العشرة المأخوذة و الربح الشائع فيها و إن كان مشتركا بينهما، لكن يتلقّى وقاية لرأس المال فلا يبقى للعامل من الربح السابق شي ء. و على ضوء ذلك فلا وجه لما ذكره بعضهم: أنّ مقدار الربح الشائع في العشرة التي أخذها المالك لا يجبر الخسران اللاحق، و أنّ حصة العامل منه يبقى له و يجب على المالك ردّه إليه.

و الحاصل: الربح الشائع في العشرة المأخوذة و هو الواحد و التسع، مشترك بين المالك و العامل، فيجبر به الخسران اللاحق. بخلافه على القول الآخر فإن أخذ العشرة من الأصل و الربح، فسخ للمضاربة فيها، فيستقرّ ملك العامل على نصف المأخوذ من الربح فلو انخفض السوق و خسرت عشرة لم يكن للمالك أن يأخذه من

العامل بحجة فسخ المضاربة.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 163

و الحق ما عرفت أنّ المتبادر، ردّ رأس المال إلى المالك تماما عند إنهاء المضاربة، و هذا يلازم جبر الخسران اللاحق، بالربح السابق.

إذا مات و في يده مال المضاربة: «1»

اشارة

إذا مات و في يده مال المضاربة فله صور:

الصورة الأولى: إذا علم المال بعينه

يردّ إلى رب المال بلا إشكال لعدم خروجه عن ملك مالكه.

الصورة الثانية: إن علم بوجوده في التركة من غير تعيين.

فالظاهر من الأصحاب أنّ المالك يكون شريكا مع الورثة من غير فرق بين الامتزاج و الاختلاط.

1- قال الشيخ الطوسي: «و إن لم يعيّن كان بينهم بالسويّة على ما تقتضيه رءوس أموالهم «2».

2- و قال المحقق: و إن جهل (فإنّ كل واحد منهم بخصوصه) كانوا فيه سواء (يقسم بينهم أموالهم كما في اقتسام غيرهم من الشركاء) «3».

3- و قال ابن سعيد: من يموت و عنده مال مضاربة إن سمّاه بعينه قبل موته فقال هذا لفلان فهو له، و إن لم يذكره فهو اسوة الغرماء «4» و قد عبّر بلفظ النص الذي رواه السكوني كما سيوافيك.

______________________________

(1)- آثرنا في هذه المسألة كتاب العروة، المسألة الأولى من المسائل الختامية، لأنّه أكثر تفريعا مما ذكره المحقق في الشرائع. فلاحظ.

(2)- النهاية: 430.

(3)- الجواهر: 26/ 405.

(4)- الجامع للشرائع: 316.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 164

4- و قال العلّامة في القواعد: و إن عرف، قدّم و إن جهلت عينه «1».

5- و قال العلّامة في التذكرة: إذا مات العامل و عنده مال مضاربة لجماعة متعدّدين فإن علم مال أحدهم بعينه كان أحق به، و إن جهلوا كانوا فيه سواء «2».

و قال المحقق الثاني: إن علم بقاء المال في جملة التركة و لم تعلم عينه بخصوصها فصاحبه كالشريك ... «3».

إلى غير ذلك من الكلمات الظاهرة في أنّ العلم ببقاء مال المضاربة في التركة يوجب الشركة بين ربّ المال و الوارث بالنسبة، و يقدّم على الغرماء إن كان الميت مديونا و ذلك لأنّه ليس بدين حتى يكون محلّه الذمّة، بل هو في جملة ماله لكنّه لما لم يعلم عينه يكون مالكه كالشريك «4».

و

استدلّ له بما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- عن آبائه- عليهم السلام- عن علي- عليه السلام- أنّه كان يقول: من يموت و عنده مال مضاربة قال- عليه السلام-: «إن سمّاه بعينه قبل موته فقال هذا لفلان، فهو له، و إن مات و لم يذكر فهو اسوة الغرماء» «5».

يلاحظ عليه: أوّلا: أنّ الحديث لا يدل على شركة المالك مع الوارث في التركة، بشهادة قوله- عليه السلام- «فهو اسوة الغرماء»، فحكم المالك حكم الغريم و ليس الغريم شريكا مع الوارث و إنّما يمنع الدين عن تصرف الوارث في التركة،

______________________________

(1)- مفتاح الكرامة: 7/ 510 (قسم المتن).

(2)- التذكرة: 2/ 247- و قد افترض وجود أموال للمضاربين غير مختلطة بمال الورثة و إنّما الاختلاف بين أموال نفس المضاربين.

(3)- جامع المقاصد: 8/ 140.

(4)- مفتاح الكرامة: 7/ 509.

(5)- الوسائل: 13 الباب 13، من كتاب المضاربة، الحديث 1.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 165

فيكون حالها حال العين المرهونة، فكما أنّه لا يجوز للراهن التصرف فيها إلّا بعد فكّها عن الرهن فهكذا التركة لا يجوز للوارث، التصرف في التركة إلّا بعد أداء دين المورث و أين هذا من كون المالك شريكا للوارث فيما ترك؟

و ممّا يدل على عدم كون الغريم شريكا للوارث، أنّه يجوز له أداء دين الميت من غير التركة و ليس للغريم الإباء عن قبوله، لأنّه تعلّق بذمته لما مات، و لما لم تكن ذمة الميت شيئا يعتمد عليه احتاجت إلى ما يضفي عليه شيئا من الاعتماد، و ليس هو إلّا تركته و لأجل ذلك صارت التركة رهنا في مقابل الدين فإذا أدّى دينه، بأيّ نحو شاء، جاز التصرّف فيها.

و أمّا ما ربّما يقال: من أنّ التركة

لا تنقل إلى الورثة، بل تبقى على ملك الميت إلّا في الزائد عن دين الميت، فهو بعيد عن الفهم العرفي، و أمّا قوله سبحانه: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ و قوله سبحانه: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ «1» لا يعني تحديد أصل الانتقال إلى الوارث، في غير الوصية و الدين، بل المقصود الانتقال الكامل العاري عن أيّ منع و حدّ، فهو بعد أداء الدين.

و ثانيا: أنّ الشركة القهرية رهن الامتزاج، لا الاختلاط و الاشتباه سواء كان المزج بين مالين من جنس واحد أو من جنسين، على وجه لا يبقى للمالين التعيّن و التميّز في نفس الأمر، كما إذا امتزج الماء مع الطين، و السكر مع الحليب، و ليس المقام من قبيل القسمين بل من قبيل الاختلاط، مع التحفّظ على تعيّن الاجزاء و تشخّصها في نفس الأمر و إن كانا غير متميزين عندنا، و بالجملة إذا كان مال كل واحد متعيّنا و متميّزا في الواقع لا تتحقق الشركة.

نعم، ربّما يعد في بعض الموارد عدم التميّز في مقام الإثبات، اختلاطا في نظر العقل الدقيق، و امتزاجا في نظر العرف و يحكم بتحقق الشركة، كما في اختلاط

______________________________

(1)- النساء: 12.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 166

الحنطتين و الارزين المتجانسين، فإنّ فعلية كل جزء و إن كانت محفوظة في الواقع لكنّه بالدقة العقلية و أمّا في نظر العرف، فهو من قبيل الامتزاج الحقيقي الذي يفقد فيه كل جنس فعليته و شخصيته.

و لأجل أنّ مراتب الاختلاط مختلفة لم يحكم الإمام بالشركة في مورد الودعي الذي استودع عنده رجل دينارين و آخر دينارا واحدا فضاع دينار منهما، فحكم الإمام بأنّه يعطي صاحب الدينارين واحدا، و

يقسم الآخر بينهما نصفين «1» و لو كان مثل هذا الاختلاط موجبا للشركة، لوجب تقسيم الباقي بين المالكين أثلاثا مع أنّ الامام قسّمه أرباعا.

فظهر أنّ اختلاط مال المالك، بمال الوارث و اشتباههما لا يورث الشركة، بل يحكم على مثل هذا بحكم مالين مشتبهين، فالمرجع إمّا القرعة أو التصالح، و الأوّل أقوى و الثاني أحوط من غير فرق بين اختلاط أموال المالكين بعضهم ببعض، كما هو الوارد في كلام المحقق و العلامة في التذكرة أو اختلاط مال المالك بمال العامل كما هو المفروض في كلام الآخرين مثل السيد الطباطبائي في العروة «2». و لا بدّ من التنبيه على أمرين:

1- إنّ مورد القرعة هي مجموعة الأموال التي نعلم بوجود مال المالك فيها أمّا ما نعلم أنّه مال المورث المختص به كالحبوة، فليس محلّا لها كما لا يخفى.

2- إنّ المالك و إن لم يكن مشاركا للوارث، لكنّه في هذا المورد يكون مقدّما على الغرماء للعلم الإجمالي بوجود ماله بين التركة، و هو يمنع عن تعلّق حقّ الغرماء به و بعبارة أخرى فرق بين المالك الذي نعلم بوجود ماله في التركة و دين الغرماء، فإنّ الأوّل ليس دينا حتى يكون محلّه الذمة و يكون في درجة الغرماء بل هو في جملة

______________________________

(1)- الوسائل: 13، الباب 12 من أبواب الصلح، الحديث 1.

(2)- السيد الطباطبائي: العروة الوثقى، كتاب المضاربة تحت عنوان مسائل: الأولى.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 167

ماله لكنّه لم يعلم عينه، بخلاف مال الغرماء فإنّه دين في ذمّته و لأجل ذلك أطلق عليه بعضهم لفظ «كالشريك» «1» و لو تمّ ما ذكرناه ربّما يصير ذلك قرينة على حمل رواية السكوني على غير هذه الصورة، لما عرفت من

أنّه يقدّم في المقام على الغريم، فكيف يكون أسوة لهم، و لعلّها ناظرة لما يأتي في الصورة الأخرى.

و بذلك يتبين أنّ الضمان على قسمين: قسم يكون متقدما على الغرماء كما في الصورة الثانية، و قسم يحكم بالضمان و لكن لا يكون مقدما عليهم بل يكون أسوة لهم.

الصورة الثالثة: إذا علم عدم وجوده في تركته و لا في يده.

إذا علم بعدم وجوده في تركته و لا في يده إلى زمان ما بعد الموت و لم يعلم أنّه تلف بتفريط أو بغيره أو ردّه على المالك فهل يحكم بضمان العامل، أو لا؟

1- قال المحقق: و إن جهل كون ما في يد الميت مضاربة لاحتمال التلف أو غيره، قضى به ميراثا «2».

2- قال العلّامة: و لو مات العامل و لم يعرف بقاء مال المضاربة بعينه صار ثابتا في ذمّته و صار صاحبه أسوة الغرماء على أشكال «3».

3- و قال في التحرير: ففي أخذه من التركة إشكال «4».

4- و علّق فخر المحققين في الإيضاح على قول والده في القواعد و قوله:

و هذا يعرب عن أنّ الإشكال في أصل الضمان.

______________________________

(1)- الجواهر: 26/ 407.

(2)- الجواهر: 26/ 407.

(3)- مفتاح الكرامة: 7/ 508 (قسم المتن).

(4)- التحرير: 280.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 168

5- قال السيد الطباطبائي: الظاهر عدم ضمانه و كون جميع تركته للورثة و إن كان لا يخلو عن إشكال:

و على كل تقدير ففي المسألة وجهان: الضمان و عدمه.

أمّا الأوّل: فقد استدل له بقوله: «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي»

يلاحظ عليه: أوّلا: بأنّ الحديث مختص بيد الغاصب و القابض بالسوم، و لو قيل بالعموم يلزم تخصيص الأكثر لعدم الضمان في يد الأمين كالمرتهن، و المستعير، و المستودع، و لا في يد الأجير على عمل في العين، و المستأجر للعين،

لاستيفاء منافعها، و لا في يد الملتقط، و الوصي، و الولي، و الشريك، و العامل في المضاربة و العامل في المزارعة، و المساقاة، و الجعالة، إلى غير ذلك «1».

و ثانيا: افترضنا عمومه ليد الأمين لكن خرج عنه التلف من غير تعدّ و لا تفريط و من المحتمل كون المقام من مصاديق المخصّص، فيكون التمسّك به من قبل التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقية.

و أمّا الثاني: أي وجه عدم الضمان، فلأنّ الأصل، براءة الذمة.

و لكن الحق هو القول بالضمان لا من باب التمسك بقاعدة «على اليد» حتى يقال: إنّ المقام من قبيل الشبهة المصداقية للمخصص. بل لأجل أصل أطبق عليه العقلاء في باب الأموال التي لم يدفعها المالك إلى الغير محاباة و بالمجان، كما في مورد الهبة و الحقوق الواجبة و الوديعة و العارية، بل لأجل الاسترباح و ردّ الأصل مع الفرع. ففي ذلك المجال، بما أنّ المالك حفظ حرمة ماله، صار طبع العقد مقتضيا للضمان، حتى يثبت ما يزيل الضمان بالخسران أوّلا،

______________________________

(1)- المستمسك: 12/ 421.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 169

و التلف ثانيا، و إتلاف الغير ثالثا و هكذا ... و بما أنّ الآخذ أمين يكفي دعواه التلف مع اليمين و إلّا فالأصل الضمان.

و هذا الأصل نظير لأصل المحكّم في باب اللحوم فإنّ الأصل فيها حرمة الأكل و في باب النساء، هو حرمة النظر، و في بيع الوقف هو حرمة البيع و بطلانه، و في بيع مال اليتيم، هو الحرمة و البطلان، إلى غير ذلك من الموارد التي وقفنا على الأصل السائد فيها من سيرة العقلاء، أو الدليل الشرعي، ففي هذه الموارد، الأصل هو المحكم حتى يثبت الخلاف.

إنّ الأصل السائد في المقام هو مسئولية

العامل أمام المالك و لزوم خروجه عنها بدليل. و بما أنّه مات و لم يوص بشي ء، و لم يذكر ما يخرجه عن المسئولية فهو محكوم بها حتى يثبت الخلاف و مجرّد عدم العلم بتلفه بتفريط أو تعدّ غير كاف في الخروج عن المسئولية.

نعم بما أنّ المفروض عدم العلم بوجوده في تركته، يكون محكوما بالضمان، و تكون التركة كالرهن في مقابله، و يصير اسوة للغرماء لا مقدما عليهم، بخلاف الصورة الثانية فقد عرفت أنّه يكون فيها، مقدّما عليهم. هذا و لو لم نقل بهذا الأصل، فلا شك أنّ الأصل المحكم في المقام هو أصل البراءة كما لا يخفى.

الصورة الرابعة: إذا علم ببقائه في يده إلى ما بعد الموت

، و لكن لا يعلم أنّه موجود في تركته أو لا لأنّه يحتمل أن يكون مدفونا في مكان غير معلوم أو أمانة عند شخص أو نحو ذلك.

الصورة الخامسة: يعلم ببقائه في يده إلى ما بعد الموت و لكن يعلم (مكان لا يعلم في الرابعة) بأنّه ليس موجودا في التركة.

و في هذه الصورة عنصران: أحدهما مأخوذ من الرابعة و هو سيطرته عليه إلى

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 170

ما بعد الموت، و ثانيهما مأخوذ من الثالثة و هو العلم بأنّه ليس في تركته.

الصورة السادسة: إذا شكّ حتى في أصل بقائه في يده إلى ما بعد الموت

الذي هو الأصل المشترك بين الرابعة و الخامسة فإذا كان أصل البقاء تحت يده مشكوكا، فيكون وجوده في التركة مشكوكا مثله.

إذا قلنا بالضمان في الصورة الثالثة، و هو أضعف الصور من حيث اقتضائه للضمان فالقول به في هذه الصور الثلاث الأخيرة بطريق أولى.

أمّا أضعفية الصورة الثالثة، فلأجل أنّ علمه بعدم كونه تحت يده إلى ما بعد الموت و علمه بعدم كونه في التركة، من مقتضيات عدم الضمان، بخلاف الرابعة و الخامسة إذ في كليهما العلم بأنّه كان تحت يده إلى زمان الموت و هو من مقتضيات الضمان، و إن كان وجوده في التركة مشكوكا على الرابعة، و معلوم العدم على الخامسة، و أمّا أضعفيته من السادسة، فلأنّ في الثالثة علما بالعدم أي عدم كونه تحت يده و كونه في التركة، و في السادسة، شك فيهما و العلم بالعدم أقوى في سلب الضمان من الشك فيهما.

و لأجل وجود الفرق بين الصور الثلاث، حكم السيد الطباطبائي في الصورتين الأوليين: الرابعة و الخامسة بالضمان بوجه قاطع، و هو لشمول قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«على اليد ما أخذت حتى تؤدّي»، حيث إنّ الأظهر شموله للأمانات أيضا.

و دعوى خروجها لأنّ المفروض عدم الضمان فيها، مدفوعة بأنّ غاية ما يكون خروج بعض الصور منها كما إذا تلفت بلا تفريط أو ادّعى تلفها كذلك إذا حلف، و أمّا صورة التفريط و الإتلاف و دعوى الرد (في غير الوديعة) و دعوى التلف و

النكول عن الحلف، فهي باقية تحت العموم.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 171

- و قال أيضا-: يمكن أن يتمسّك بعموم ما دل على وجوب ردّ الأمانة، بدعوى أنّ الرد أعم من رد العين و ردّ البدل و اختصاصه بالأوّل ممنوع إلّا أنّه يفهم من قوله- عليه السلام-: المغصوب مردود، وجوب عوضه عند تلفه «1».

يلاحظ عليه: أوّلا: بما عرفت من أنّ دليل «على اليد» قاصر للشمول لغير الغاصب و المأخوذ بالسوم و إلّا تلزم كثرة التخصيص.

ثانيا: سلّمنا شموله لكن التمسك في المقام به تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لخروج بعض الموارد عن القاعدة كما إذا تلف بلا تفريط و تعدّ و غيرهما.

و من المحتمل كون المقام من مصاديق المخصص، و معه كيف يتمسك بالعام و يحكم بالضمان.

و بذلك يظهر عدم تمامية الدليل الثاني لأنّه أيضا مخصص بما خصص به دليل «على اليد» مضافا إلى أنّ مفاده حكم تكليفي، و لا يدل على الحكم الوضعي أي الضمان.

ثم إنّه ربّما يفرق بين الصورتين (الرابعة و الخامسة) بالضمان في الأولى دون الثانية، بأنّ العلم ببقاء يده عليه مال المضاربة إلى ما بعد الموت مع احتماله كونه في التركة يسقط يد العامل عن كونها أمارة الملكية، قال المحقق البروجردي: «إنّ العلم الإجمالي بكون بعض ما كان في يده إلى موته مال الغير، أسقط اعتبارها في جميع أطرافه بالنسبة إلى القدر المعلوم». «2» بخلاف الصورة الثانية، فإنّ أمارية يد العامل فيها محفوظة، للعلم بعدم كونه في التركة، و على هذا يلزم في الصورة الرابعة وراء الضمان، كونه مقدّما على الغرماء لا اسوة لهم.

يلاحظ عليه: بأنّه لا فرق بين الصورتين لأنّ كونه في التركة مجرد احتمال، يعادله احتمال آخر و

هو أنّه ليس فيها و مثله غير مؤثّر، لأنّ مرجعه إلى العلم

______________________________

(1)- العروة الوثقى: مسائل ختامية: المسألة الأولى.

(2)- تعليقة المحقق البروجردي على العروة الوثقى.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 172

الإجمالي بكونه إمّا في التركة و إمّا في غيرها (مدفون في مكان غير معلوم أو أمانة عند شخص آخر أو نحو ذلك) و من المعلوم أنّ مثل هذا العلم الإجمالي غير منجز لخروج بعض الأطراف عن الابتلاء، اللّهمّ إلّا أن يقال بعدم اعتبار هذا الشرط في تنجيز العلم الإجمالي كما عليه السيد الأستاذ- قدّس سرّه-.

و أمّا الصورة السادسة فعلى ما ذكرنا، فالضمان متحقق و لا يكون مقدّما على الغرماء، للعلم بعدم كونه في التركة.

و أمّا تعليل الضمان بأنّ الأصل بقاء يده عليه إلى ما بعد الموت و اشتغال ذمّته بالرد عند المطالبة و إذا لم يمكنه ذلك لموته يؤخذ من تركته بقيمته «1».

فيلاحظ عليه: أوّلا: أنّه إذا كان عموم على اليد شاملا لهذه الصورة، فلا حاجة إلى الأصل.

و ثانيا: أنّ الأصل المذكور لا يثبت كونه في التركة، لاحتمال خروجها عن التركة، بوجه من الوجوه، كما لا يثبت الضمان، ما لم يثبت التعدّي و التفريط، لأنّ اليد، يد أمين، و العلم به لا يوجب الضمان ما لم يثبت العنوانان

و ثالثا: اشتغال ذمته بالرد عند المطالبة ساقط بالموت و كون الوارث محكوما بالرد عند المطالبة مسبوق بالعدم يحتاج إلى الدليل.

و التحقيق هو الضمان في جميع الصور لا بهذه الوجوه العليلة، بل الأصل الثابت لدى العقلاء من أنّ المأخوذ بعنوان المعاملة، مضمون يردّ عينه أو بدله.

ما لم يثبت أحد المسقطات. أمّا ما ركن إليه الأعلام في المقام بأصالة البراءة، فهو محكوم بهذه القاعدة المسلّمة بين

العقلاء.

نعم مورد البحث بين الأعلام ما إذا لم يكن بترك التعيين عند ظهور أمارات الموت مفرطا و إلّا فلا إشكال في ضمانه لخروجه عن كونه أمينا.

______________________________

(1)- العروة الوثقى: كتاب المضاربة، المسألة الأولى من المسائل الختامية.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 173

اشتراط الضمان على العامل

اشارة

إذا اشترط المالك على العامل أن تكون الخسارة عليهما كالربح، أو اشترط ضمانه لرأس المال ففي صحة الشرط وجهان أو قولان:

ثم إنّ الكلام يقع تارة في ضمان رأس المال عند التلف و إن لم يكن مقرونا بالتعدي و التفريط، و أخرى في ضمان الوضيعة عند نزول السوق مع بقاء رأس المال بصورة العروض، و إليك الكلام في الأوّل و سيوافيك الكلام في الثاني. فنقول:

استدلّ لبطلان الشرط بوجوه:

1- ما ذكره صاحب جامع المقاصد من أنّ الشرط باطل لمنافاته لمقتضى العقد شرعا، فيبطل العقد بها لأنّ التراضي المعتبر فيه لم يقع إلّا على وجه فاسد فيكون باطلا.

يلاحظ عليه: أنّ الميزان في كون الشرط منافيا لمقتضى العقد، ظهور المنافاة بين العقد و الشرط أو بين العقد و لوازمه العرفية، و الأوّل كما في مثل قوله: «بعتك بلا ثمن، و آجرتك بلا أجرة»، و الثاني مثل قوله: «أنكحتك بشرط أن لا أتمتع منك أبدا»، و أمّا المقام فليس كذلك إذ ليس عدم الضمان داخلا في جوهر المضاربة و لا يعدّ من اللوازم العرفية التي لا تنفك عنها فإنّها ليست إلّا- عمل العامل بمال المالك على أن يكون الربح بينهما- على ما اتّفقا عليه. و ليس عدم الضمان مأخوذا فيه، بنحو أحد الأمرين.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 174

و إن شئت قلت: إنّ عدم الضمان، مقتضى إطلاق العقد لا أنّه داخل في جوهره و لا

من مقتضيات نفسه عند العرف، و بعبارة أخرى أنّ المضاربة بما هي هي لا تقتضي الضمان ما دامت كذلك، لا أنّه هي هي تقتضي عدم الضمان حتى يقع التنافي بين الاشتراط و مقتضى العقد.

2- أنّه مخالف للسنّة، حيث إنّه حسب النص أمين و مقتضى كونه أمينا عدم الضمان. و قد ورد النص عليهما في النصوص.

أمّا الصغرى، فيكفي في إثباتها صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: سألته عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق أعلى صاحبه ضمان؟ فقال:

«ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أمينا» «1».

و أمّا الكبرى، فيدل عليها صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: «قال أمير المؤمنين- عليه السلام-: من اتّجر مالا و اشترط نصف الربح فليس عليه ضمان» «2».

يلاحظ عليه: أنّ الضمان ينقسم إلى ضمان اليد و ضمان العقد، و الروايات ناظرة إلى القسم الأوّل و إن أخذ المال مضاربة، لا يقتضي الضمان لأجل الاستيلاء و هذا لا ينافي جعل الضمان عليه بالاشتراط. و بعبارة أخرى: إنّ أخذ المال للاتّجار و الاشتراك في الربح، لا يلازم الضمان و لا يقتضيه إذ ليس غاصبا و لا متعديا و لا مفرطا. و هذا لا ينافي كونه ضامنا بالجعل و المشارطة و عدم الضمان من ناحية التسلط و الاستيلاء، لا ينافي الضمان بالجعل و الشرط و إلى ذلك يرجع ما ذكره السيد الحكيم: أنّ عدم الضمان لعدم المقتضي لا لمقتضي العدم، و مع الاحتمال يبني على صحة الشرط المخالف له، لعدم ثبوت كونه مخالفا للكتاب.

و بذلك يظهر ضعف ما أفاده المحقق الخوئي: إنّ ذلك من جهة ملاحظة

______________________________

(1)- الوسائل: 13، الباب 3 من أبواب المضاربة الحديث 3 و 2

و غيرهما.

(2)- الوسائل: 13، الباب 3 من أبواب المضاربة الحديث 3 و 2 و غيرهما.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 175

أنّ العامل أمين و مقتضى ما دلّ على أنّ الأمين لا يضمن و لا سيما بعض النصوص الواردة في خصوص المضاربة، هو عدم الضمان، فيكون اشتراط الضمان من الشرط المخالف للسنة حيث إنّ مقتضاه عدم ضمان الأمين سواء اشترط عليه ذلك أم لا يشترط فيبطل لا محالة «1».

يلاحظ عليه: بما عرفت من أنّ مفاد النصوص نفي الضمان اليدي و أنّه ليس على المالك أن يضمنه بمجرد استيلائه على ماله، بعد ما كان الأخذ بإذنه و أمّا نفي الضمان العقدي لأجل المشارطة و الاتّفاق فلا تنفيه، و بذلك يظهر الخفاء في قوله:

«مقتضاه عدم الضمان اشترط عليه أم لم يشترط» إذ ليست النصوص في مقام البيان من هذه الجهة حتى يؤخذ بإطلاقها.

اشتراط ضمان الوضيعة:

و من ذلك يعلم، أنّه لا فرق بين تضمينه لرأس المال عند التلف، و تضمينه الوضيعة الناشئة من تنزّل السوق و ما روي من أنّ الوضيعة على المال. أو ليس عليه من الوضيعة شي ء إلّا أن يخالف أمر صاحب المال «2»، لا يدلّ على أنّه حكم شرعي للمضاربة، بحيث لا يجوز مخالفته بالعناوين الثانوية كالشرط و نحوه حتى يصح عدم الضمان، ككون الطلاق بيد الرجل الذي لا يغيّره العنوان الثانوي بل المتبادر من هذه الروايات أنّ مقتضى المضاربة بما هي هي، كون الوضيعة على المال، و ذلك لأنّ العامل لم يتعهّد سوى الاتّجار و الاشتراك في الربح، فلا محالة لا تتوجّه الوضيعة عليه بل على نفس المال. و أمّا أنّه حكم شرعي حتى في صورة التعهّد و قبول جبر الوضيعة بما له، فلا

تنفيه الروايات فيرجع فيها إلى القواعد

______________________________

(1)- مستند العروة الوثقى: 3/ 50.

(2)- الوسائل: 13 الباب 3 من أبواب المضاربة الحديث 5 و الباب 1، الحديث 4 و غيره.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 176

العامة و إطلاقات الشروط.

3- إنّ الشرط صحيح و لكن العقد ينقلب إلى القرض اختاره بعض محشّي العروة فقال: إذا اشترط أن تكون الخسارة على العامل، انقلبت قرضا و تمام الربح للعامل للنص المعمول به «1».

و يريد من النص صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر- عليه السلام- في حديث: «إنّ عليّا- عليه السلام- قال: من ضمّن تاجرا فليس له إلّا رأس ماله و ليس له من الربح شي ء». رواه المشايخ الثلاثة إلّا أنّ الشيخ روى «مضاربة» مكان «تاجرا» «2»، و ظاهره صحّة الشرط و انقلابه إلى القرض؛ و أنّه بإزاء ضمانه رأس المال، يملك الربح. فكان مضمونه أشبه بما روي عن النبي «الخراج بالضمان» «3» و أنّ من عليه درك الشي ء، فله خراجه و ربحه و لكن الصحيحة على خلاف القاعدة، حيث إنّ مضمونه من مصاديق «ما وقع لم يقصد و ما قصد لم يقع» و مع ذلك فقد عمل بها الفيض و قال: أريد بالحديثين أنّ في المضاربة لا ضمان على العامل، فإن اشترط فيها الضمان عليه تصير قرضا فلا ربح حينئذ لصاحب المال «4».

و قال في الحدائق: إنّه بمجرد تضمين المالك للمضارب يصير المال قرضا و يخرج عن المضاربة و إن لم يتقدّم هناك عقد القرض أولا، و هو في معنى اشتراط الربح للعامل فإنّ الأمرين من لوازم القرض- إلى أن قال:- و مرجعه إلى أنّه باشتراطه الضمان كأنّه قصد إلى أنّ المال يكون قرضا حينئذ، كما أنّه

باشتراط الربح

______________________________

(1)- العروة الوثقى: تعليقة المسألة: 4.

(2)- الوسائل: 13، الباب 4 من أبواب المضاربة، الحديث 1.

(3)- مسند أحمد: 6/ 237.

(4)- الوافي: 18/ 880 الطبعة الحديثة.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 177

للعامل خاصة كأنّه قصد ذلك «1».

و ظاهر كلام المحدّثين أنّ المتعاملين قصدا المضاربة و لكن جعل الضمان على العامل قلبه إلى القرض. فكما أنّ جعل الربح للعامل يجعله قرضا، فهكذا جعل الضمان عليه يجعله قرضا شاء أو لم يشأ، و لأجل ذلك قال صاحب الحدائق:

«كأنّه قصد إلى أنّ المال إن يكون قرضا ..» و هو كما ترى، لا يخرج المورد عن كونه من قبيل ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد، و لا يمكن تصحيحه إلّا بدليل قاطع كما في بعض الموارد الذي حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب المعاطاة. و الرواية و إن كانت صحيحة لكنّه لم يعمل بها إلّا العلمان المتأخران. على تأمّل فيها.

ثم إنّ المحقق الخوئي حاول تصحيح الرواية بحملها على أنّ المقصود كان من أوّل الأمر هو القرض فقال- بعد بيان الفرق بين البيع و الدين-: هذه الصحيحة لما كانت ناظرة إلى الضمان المطلق أعني دفع ماله إلى غيره ليكون في عهدته من أوّل الأمر، كانت الرواية أجنبية عن محل الكلام فإنّها واردة في القرض ابتداء لا في انقلاب المضاربة إلى القرض بالاشتراط.

فالصحيحة- بناء على ما ذكرناه و اختاره صاحبا الوافي و الحدائق- غير واردة في المضاربة، و إنّما هي واردة في التضمين الفعلي و أنّى ذلك من اشتراط الضمان عند التلف؟ «2».

يلاحظ عليه: أنّ تفسير الرواية بكونها واردة في القرض ابتداء، لا يلائم الكلمات الواردة في المتن نظير:

1- «من ضمّن مضاربة»- حسب نقل الشيخ.

______________________________

(1)- الحدائق: 21/

202.

(2)- مستند العروة الوثقى: 3/ 51.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 178

2- «رأس ماله»: فإنّه يناسب مورد المضاربة لا الدين إذ الرائج فيه لفظ الدين و القرض.

3- «ضمّن تاجرا» فإنّه يناسب كون الأخذ مضاربا لا مقترضا محضا.

و الحق أنّ الحمل المذكور خلاف ظاهرها.

أضف إلى ذلك: أنّ ما اختاره من التفسير للرواية تخالف خيرة المحدثين.

فإنّ كلامهما ظاهر في ورود الرواية في المضاربة ابتداء لكنّه «يخرج عن المضاربة» قهرا و لأجل ذلك استعمل البحراني كلمة «كأنّه».

و الحق أنّ الرواية صريحة في الانقلاب لكنّها مخالفة للأصول و القواعد العامة فلا يجوز الإفتاء بمضمونها، فلا بد من حمل علمها إليهم- عليه السلام- على أنّ الظاهر من نقل محمد بن قيس أنّ الحكم كان قضاء من علي- عليه السلام- و الرائج في أقضية الإمام هو الأخذ بها إلّا إذا خالف القواعد و الأصول، فيحمل عندئذ على أنّه قضية في واقعة هو أعرف بحكمها من غيره.

إذا عرفت ذلك: فاعلم أنّ الحق هو صحّة الشرط و لزومه حسب أدلّة الشروط، و لو قلنا ببطلان الشرط فلا نقول ببطلان أصل المضاربة، لأنّ الشرط الفاسد عندنا غير مفسد إلّا في موردين:

1- إذا كان منافيا لمقتضى العقد و ليس المقام منه.

2- إذا كان موجبا للجهالة في خصوص البيع، لما روي: نهى النبي عن بيع الغرر، و المقام ليس من قبيل البيع فتكون النتيجة بطلان الشرط، و صحّة العقد.

و على فرض كون الجهالة مضرا مطلقا في البيع و غيره، فالمقام عار عن الجهالة.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 179

في خلط رأس المال مع مال آخر:

إذا أخذ مالا للمضاربة، فهل له خلطه مع مال آخر على نحو يكون غير متميّز موجبا للشركة أو لا؟

و الكلام في أمور:

1- ما

هو حكم الخلط تكليفا؟

2- هل يضمن إذا خلط و تلف؟

3- هل تصحّ المضاربة إذا اتّجر بمال مختلط؟

أمّا الأوّل: فالمحقق و من تبعه على عدم الجواز و عليه السيد الطباطبائي في العروة الوثقى «1» و عامة المحشين، و علّله في الشرائع بأنّه تصرّف غير مشروع له، و أوضحه في الجواهر بقوله: ضرورة كونه أمانة في يده فلا يجوز خلطها كالوديعة على أنّ الشركة عيب «2».

الظاهر أنّ الفرع كان مطروحا في الأعصار السابقة حيث إنّ الأثمان كانت نقودا يحتفظ بها في المخازن الخاصة كالصندوق، و بما أنّ منصرف عقد المضاربة إلى صيانة المال عن الخلط بمال آخر موجب للشركة، يصير الخلط أمرا محرّما إلّا إذا أذن عموما كما إذا قال: اعمل حسب ما تراه، أو خصوصا.

و أمّا اليوم فلا موضوع للمسألة غالبا، فإنّ الأثمان توضع في البنوك في حساب خاص بحيث يتمكن العامل من الإيداع و الأخذ، و عندئذ لا تتفاوت الحال بين كونه حسابا لمال خاص أو لمال آخر معه لأنّ الأثمان مختلطة قهرا كان الحساب مختصا لمال، أو مشتركا.

______________________________

(1)- العروة الوثقى: كتاب المضاربة: المسألة 6.

(2)- الجواهر: 26/ 364.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 180

و أمّا الثاني: فلو تحقق الموضوع و خلطه بمال آخر، فقد ارتكب أمرا غير مأذون فتخرج يده عن كونها أمانية، فيصير الاستيلاء عدوانيا موجبا للضمان، أضف إلى ذلك ما تضافرت من الروايات، من أنّ المخالفة لأمر صاحب المال موجبة للضمان «1» إذا كان العقد منصرفا إلى عدم المضاربة بخلط مال الغير مع مال المالك.

و مع ذلك كلّه فالظاهر اختصاص الضمان بما إذا كان لعمله تأثير في التلف، و المقدار المتيقّن من الروايات الواردة في ضمان العامل عند مخالفة أمر المالك،

هو ذلك، كما إذا سافر مع رأس المال فتلف بحيث لو لا السفر لكان المال مصونا منه. و أمّا إذا كان التلف أمرا محتوما على المال كان مزيجا مع مال الغير أم لا، كما في التلف بسيل أو زلزال، أو حريق، فالقول بالضمان مشكل. نعم لا يقاس بالغاصب و السارق إذا استوليا على المغصوب و المسروق، ثم تلف بسبب سماوي، بحيث لو كان المال في حرز المالك، لكان محكوما بالتلف أيضا، فإنّهما محكومان بالضمان لعدم إذن المالك حدوثا و بقاء، و محكومان عند العرف بالضمان مطلقا، و هذا بخلاف ما إذا كان مأخوذا بالإذن. غير أنّه أحدث فيه شيئا غير مرضيّ للمالك فإنّه لا يوجب ارتفاع الإذن معه و لأجل ذلك يكون العقد به صحيحا و الربح بينهما كما سيوافيك.

و أمّا الثالث: فالمشاركة في الربح إذا ضارب، و الحال كذلك للروايات المتضافرة في المقام الدالة على أنّ مخالفة العامل لأمر المالك، لا تبطل المضاربة، بل توجب الضمان و يكون الربح بينهما «2».

نعم هناك إشكال و هو أنّ الجمع بين الضمان و المشاركة في الربح جمع بين

______________________________

(1)- الوسائل: 13 الباب 1 من أبواب المضاربة، الحديث 3، 4، 5، 7 و 8.

(2)- المصدر نفسه، الحديث 1، 2، 5، 6، 9، 10، 11.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 181

أمرين مختلفين، فإنّ الحكم بالضمان يكشف عن كون المعاملة فضولية و عندئذ تتوقف صحتها على إجازة المالك، فإن أجاز يكون الربح كلّه للمالك و إن ردّ بطلت، و لكن الحكم بالمشاركة في الربح يعرب عن صحة المعاملة فلا وجه للضمان.

و يدفع الإشكال، بما مرّ من أنّ القيود المأخوذة في المضاربة أو مطلق العقود على قسمين: قسم يكون

قيدا لها، بحيث يكون الإذن منوطا على وجوده، و يرتفع مع ارتفاعه. و قسم يكون الغرض منه صيانة رأس المال عن التلف و تحفّظه، فلو خالف و كان المال مصونا عن التلف لا يكون كاشفا عن عدم الإذن في الاتّجار، و عليه فلو اتّجر- مع المخالفة- تصحّ المضاربة لبقاء الإذن و يكون الربح بينهما.

من شروط المضاربة التنجيز:

قد عدّ التنجيز من شروط صحة العقود عند الأصحاب، يذكرونه في بعض العقود و يهملونه في البعض الآخر، فأهمله المحقق في الشرائع، و العلامة في القواعد في هذا المقام، و ذكره في التذكرة و قال: «يجب التنجيز في العقد، فلا يجوز تعليقه على شرط أو صفة مثل: إذا دخلت الدار أو جاء رأس الشهر فقد قارضتك، و كذا لا يجوز تعليق البيع و نحوه لأنّ الأصل عصمة مال الغير» «1».

و بما أنّ المسألة غير منصوصة لا جدوى للتتبّع في الأقوال لأنّها مستنبطة من الأدلة فلا بد من دراستها خصوصا ما عليه العقلاء فنقول: إنّ التعليق على أقسام:

1- تعليق العقد على شي ء يكون العقد متوقفا عليه واقعا سواء علّق عليه أو لا، كتعليق الطّلاق على النكاح، أو البيع على الملك، و هكذا.

2- تعليق العقد على شي ء، متحقق في علم المتعاقدين حين العقد كما إذا

______________________________

(1)- التذكرة: 2/ 229.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 182

قال: قارضتك إن كان اليوم جمعة و كان الشرط متحققا.

3- إذا علّق على أمر حاصل- كيوم الجمعة- و لكن لم يعلم بحصوله.

4- إذا علّق على أمر مستقبل قطعيّ الحصول كطلوع الشمس و غروبها، أو مشكوكه كقدوم زيد.

5- إذا كان العقد منجزا، غير أنّه علّق التصرّف على أمر مشكوك الحصول، أو مشكوك التحقق في المستقبل.

أمّا أحكام الصور، فلا

شك في أنّ التعليق في الأوّل غير مضرّ، لكونه معلّقا عليه في الواقع، علّق أم لم يعلّق، و مثله الثاني، لأنّ التعليق صوريّ، مع العلم بحصوله.

إنّما الكلام في الثالث و الرابع، فقد تسالم أكثر الأصحاب على شرطية التنجيز مع اضطراب كلامهم في بيان وجه الاشتراط، فنذكر ما هو الأهم:

الف: إنّ الإنشاء في عالم الاعتبار، كالإيجاد في عالم التكوين و الأمر فيهما دائر بين الوجود و العدم، فإمّا أن يكون هناك إنشاء أو لا، و لا معنى للإنشاء المعلّق، كالإيجاد المعلّق.

يلاحظ عليه: أنّ الإنشاء أمر متحقق بالفعل، و لا تعليق فيه، إذ ليس هو إلّا استعمال اللفظ لغرض إيجاد المعنى، و هو ليس بمعلّق، و الإنشاء الفعلي لا ينفك عن منشأ فعليّ، لكن المنشأ الفعلي على قسمين لأنّ المصلحة تارة تترتب على منشأ فعلي منجز كوجوب إكرام زيد مطلقا، و أخرى على منشأ فعلي معلّق كوجوب إكرامه، عند حصول شرط أو وصف، ففي كلتا الصورتين يكون المنشأ أي الوجوب أمرا فعليا غير أنّه في الأوّل منجز يبعث المكلّف إلى متعلّقه، و في الثاني فعليّ معلّق يبعثه إليه على تقدير تحقّقه، و أمّا فائدة هذا النوع من الإنشاء فهو الاستغناء عن الإنشاء الجديد عند حصول القيد.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 183

و بالجملة: هناك إنشاء وجوب إكرام زيد على وجه الإطلاق، و إنشاء وجوب إكرامه على تقدير، ليس أمرا موهوما، بشهادة أنّه يقابل عدم الانشاء على وجه الإطلاق.

و إن شئت قلت: إنّ المولى ينظر إلى صفحة الوجود، فتارة يتصوّر وجوب الإكرام بلا قيد و شرط، و أخرى يتصوّر وجوبه مع الشرط، فبالإنشاء المطلق، يوجد الأوّل، و بالثاني يوجد الثاني.

ب- إنّ أثر العقد يجب أن يكون

حاصلا من حين صدوره و هذا غير متحقق في الإنشاء المعلق.

يلاحظ عليه: أنّ العقد- بحكم أنّه من الأمور الاعتبارية العقلائية- يجب أن لا يكون عاريا عن الأثر، و أمّا ترتّبه عليه بلا فصل، فلم يدل عليه دليل و إنّما هو يتبع كيفية الإنشاء، فلو كان المنشأ مطلقا، يتبعه بلا فصل، بخلاف ما إذا كان معلّقا و كأنّ التوهّم نشأ عن قياس الأمور الاعتبارية بالعلل التكوينية حيث إنّ النار يترتّب عليه الأثر بلا حالة انتظارية.

ج- ما ذكره السيد المحقق البروجردي في تعليقته من منافاة التعليق لتحقّق المعاقدة بينهما حسب اعتبار العقلاء.

يلاحظ عليه: أنّه ادّعاء محض و قد عرفت أنّ المصالح تختلف إطلاقا و اشتراطا، فيتبعه الإنشاء و هي تقتضي قبول كلتا الصورتين.

د- إنّ العقود أمور توقيفية، و لم يثبت إلّا المنجز.

يلاحظ عليه: أنّ مقتضى الإطلاقات عدم اشتراط التنجيز إلّا فيما تقتضي طبيعة الموضوع التنجز، كالنكاح و الطلاق، فإنّهما يعدّان أساسا للأسرة عقدا و انحلالا، و هما لا يقبلان التعليق عند العقلاء فالمرأة إمّا زوجة أو لا. و لا يقبل التعليق قال سبحانه: فَتَذَرُوهٰا كَالْمُعَلَّقَةِ (النساء/ 129). أي لا زوجة

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 184

و لا أيّم. على أنّه حكي عن كثير جواز التعليق في الوكالة و غيرها. و التعليق أمر متحقّق في التدبير و المكاتب المشروط و الوصية، فلا وجه للوسوسة في الصحة إلّا ما إذا كان أمرا غير متعارف.

و أمّا الأمر الخامس فلا وجه للإشكال لأنّه من قبيل تحديد التصرّف و هو أمر ذائع، مثل ما إذا نهى عن السفر أو شراء الجنس المعيّن و غير ذلك، و تضييق دائرة التصرف، لا صلة له بتعليق الإنشاء أو المنشأ.

و لو افترضنا بطلان

المضاربة عند التعليق، فالاتّجار صحيح لوجود الإذن من المالك على كل تقدير سواء صحت المضاربة أو لا، غاية الأمر لا يستحقّ العامل إلّا أجرة المثل بشرط أن لا تزيد على ما تراضيا عليه في عقد المضاربة الباطلة، لأنّ رضاءه به حاك عن كونه مهدرا للزائد عليه و إن كان مستحقّا.

إذا تبيّن كون رأس المال لغير الدافع:

إذا تبيّن كون رأس المال لغير الدافع، سواء أ كان غاصبا أم جاهلا بكونه ليس له. فللمسألة صور:

1- إذا تلف في يد العامل.

2- إذا حصل خسران، أي إذا صار الموجود من رأس المال أقلّ ممّا أخذ، مع قطع النظر عن إجازة المالك و عدمها.

3- إن حصل ربح بلا تلف و لا خسران.

4- إذا لم يحصل الربح و كان رأس المال موجودا.

و إليك الكلام في أحكامها:

أمّا الصورة الأولى: فلا شك في ضمان كل منهما، لاستيلاء الكل على مال

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 185

الغير علما أو جهلا فيشمله النبوي «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» فيكون الكل ضامنا على نحو الواجب الكفائي.

ثم إنّ هنا شقوقا.

أ- إذا رجع المالك على الدافع، لا يرجع الدافع على العامل، لأنّه لم يتعهّد له بالضمان في غير صورة التعدّي و التفريط، و هو دفع إليه المال بلا أخذ ضمان منه في غيرهما و معه كيف يكون ضامنا.

ب- إذا رجع على العامل و كان الدافع عالما و العامل جاهلا رجع على الدافع، لأنّه غرّه بدفع مال الغير إليه بعنوان أنّه ماله و أنّه لا يضمنه في صورة التلف، و بذلك تستغني عن كثير من التعليلات التي نقلها في المستمسك.

ج- إذا كان الدافع جاهلا مثل العامل، فقد حكم في العروة بضمانه و علّله بأنّه مغرور من قبله، و لكن في

صدق الغرور غموض و إشكال، لفرض جهل الدافع كالعامل فهما أمام ضمان المال سيّان. و هذا هو المهم في المقام، و إمّا ما ربما يقال من عدم ثبوت القاعدة، لضعف سند «المغرور يرجع على من غرّه» فغير تام إذ يكفي كون القاعدة ممّا أطبق عليها العقلاء في الأعصار و يعدّ من أسباب الضمان عندهم.

و مع ذلك يمكن تصحيح استقرار الضمان على الدافع بالبيان التالي: إنّ الغرور و إن كان منتفيا لجهل الدافع، لكن السببية محفوظة و إن كانت عارية عن الغرور و ذلك، لأنّ الضمان و إن كان وليد الاستيلاء سواء تلف أم يتلف، لكنّه بما هو هو لا يوجب تضرّر العامل لتمكّنه من دفع المال إذا علم أنّه مال الغير، و إنّما يوجب الضرر إذا تلف و ألزم بدفع العوض لكونه ضامنا في عرض ضمان الدافع، و لكن الذي أوقعه في هذا الضرر هو الدافع حيث دفع إليه مال الغير بعنوان أنّه مال نفسه و ليس عليه ضمان عند التلف و قد أخذه معتمدا على قوله. فإذا بان

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 186

الخلاف و تبيّن أنّه مال الغير يستقرّ الضمان عليه، لكونه الموجب و السبب الأقوى في تضرّره لأجل لزوم خروجه عن درك المال و هذا كاف في جواز رجوع العامل إلى الدافع.

د- إذا انعكست الصورة و كان الدافع جاهلا و العامل عالما و رجع إلى العامل، فلا يرجع إلى الدافع، لوضوح أنّ الدفع ليس سببا تامّا لضمانه و تضرّره، لتمكّنه من ردّ المغصوب إلى صاحبه فتماديه في الاستيلاء يكون سببا لاستقرار الضمان عليه.

بقي هنا شقّان لم يذكرهما السيد الطباطبائي في العروة الوثقى و هما:

1- إذا كان الدافع جاهلا و

العامل عالما و رجع المالك إلى الدافع فهل له أن يرجع على العامل أو لا؟

2- إذا كانا عالمين، و رجع إلى واحد منهما، فهل الرجوع إلى الآخر بالنصف أو لا؟

أما الصورة الثانية: و هي حصول الخسران، فقد أشكل عليه المحقق البروجردي و تبعه المحشّون بأنّه لا يمكن فرض الخسران إلّا في ظرف صحّة المعاملة، و الصحة حينئذ لا تكون إلّا بإجازة المالك و حينئذ لا وجه لرجوع المالك على أحد «1»، قال المحقق البروجردي: «ليس الخسران كالتلف فإنّه إن أجاز المعاملات التي حصل بها الخسران لم يرجع على أحد بشي ء، و إن ردّها رجع إلى أصل ماله لا بالخسران» «2» و حاصل الإشكال، أنّ الخسران يلازم الصحة و لا يجتمع مع الضمان.

______________________________

(1)- المستمسك: 12/ 438.

(2)- العروة الوثقى: المسألة 6 في خاتمة الكتاب قسم التعليقة.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 187

يلاحظ عليه: أنّ المراد من الخسران، هو نقصان رأس المال ممّا أخذ، في حدّ نفسه سواء أجاز المالك أم لا، و على ذلك يمكن تصويره و إن لم يجز المالك. نعم لو أجاز ليس له الرجوع بالخسران و إن لم يجز، رجع إلى أصل المال.

و أمّا الصورة الثالثة: فحكمه حكم الاتّجار بمال الغير فضولة فيعلم حكمها مما مرّ في ثنايا الكتاب.

و أمّا الصورة الرابعة: أعني ما إذا لم يربح، فلا يستحق أجرة المثل سواء كان جاهلا أو عالما، أمّا الأوّل فلدخوله تحت قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده»، فلو كانت المضاربة صحيحة، لما كان المضارب ضامنا له بشي ء- عند عدم الربح- فهكذا إذا كانت فاسدة مع عدمه، و أمّا الثاني فلأنّه باستعماله مال الغير، قد هتك حرمة عمله. و ما ذكرناه أولى

من تعليل السيد بأنّه متبرّع لعمله حينئذ، لوضوح كونه غير متبرع جدا.

اشتراط المضاربة في ضمن العقد:

لمّا كان عقد المضاربة عقدا جائزا عند المشهور و معدودا من العقود الإذنية، و جائز الفسخ لكل من الطرفين، حاول السيد الطباطبائي ليضفي عليه حكم اللزوم في بعض الأحيان و ذلك بوجهين:

1- أن يشترط عقد المعاوضة في ضمن عقد لازم و يقول: بعتك الدار بشرط إنشاء عقد المضاربة معي في مال كذا. و فسره السيد الطباطبائي: بأنّه يجب على المشروط عليه إيقاع عقدها مع الشارط و لكن لكل منهما فسخه بعده. و معنى هذا الشرط أنّه يلزم على كل واحد من الطرفين إجراء الصيغة فقط. و إن جاز لكل واحد فسخه بعده و تلك المحاولة لا تنتج شيئا و لا يترتّب عليها الغرض المطلوب، و لأجل ذلك عدل عن ذلك التفسير السيد الخوئي و قال: «إنّ المتبادر منه ليس

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 188

إجراء الصيغة فقط بل المراد الجريان عليه و الاستمرار على مقتضاه، نظير اشتراط الهبة في عقد لازم حيث إنّ المتفاهم العرفي منه هو الالتزام بها و إتمامها دون مجرّد إنشائها بحيث يكون له حق الرجوع بعد إجراء العقد و لو بلحظة».

و كلامه هذا في غاية الإتقان لكنّه أفاد بعد ذلك: «و عليه فإذا فسخ المشروط عليه العقد (عقد المضاربة) صحّ فسخه إلّا أنّه موجب لثبوت الخيار للطرف الآخر نظرا لتخلّف الشرط» «1».

يلاحظ عليه: أنّ عقد المضاربة و إن كان جائزا في حدّ ذاته عند المشهور، لكن العمل به لازم الوفاء لأجل الشرط في ضمن العقد اللازم، فليس له فسخه لأنّه خلاف الوفاء و هذا نظير اشتراط سائر المباحات كالخياطة، و غيرها فهي مباحة بالذات لكن يجب

القيام بها لأجل الوفاء بالشرط، و على هذا لا يتمّ قوله: «فإذا فسخ المشروط عليه العقد (عقد المضاربة) صح فسخه» إذ ليس له فسخه، نعم لو لم يف بالشرط عقدا أو إيجادا في الخارج و عصى كان للآخر الخيار لأجل تخلّف الشرط.

2- اشتراط عمل المضاربة على العامل بأن يشترط عليه أن يتّجر بمقدار كذا من ماله، إلى زمان كذا على أن يكون الربح بينهما. نظير كونه وكيلا في كذا في عقد كذا.

الظاهر من العبارة كون الاشتراط بنحو شرط النتيجة و لأجل ذلك قال السيد الخوئي «على نحو شرط النتيجة» و استشكل السيد الحكيم كونه على هذا النحو، قائلا بأنّ الشرط هو الاتجّار بمقدار كذا من ماله، و هو شرط الفعل فكيف يكون شرط النتيجة.

يلاحظ عليه: أنّ الشرط و إن كان هو الاتّجار و هو شرط الفعل، إلّا أنّ كونه

______________________________

(1)- مستند العروة الوثقى 3/ 209.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 189

شرط النتيجة بلحاظ آخر و هو أنّ صيرورة الشارط مضاربا، و المشروط عليه عاملا و كون المال، مال المضاربة، و الربح بينهما، إنّما بنفس الشرط لا بعقد جديد، و لأجله صار من قبيل شرط النتيجة، و يظهر الحال من تشبيهه، بالوكالة. فاشتراط عمل المضاربة «عبارة أخرى عن قوله: «بعتك الدار بشرط أن يكون ثمنها عندك مال المضاربة، تتّجر به، و الربح بيننا بالمناصفة» و بما أنّه تحقّق بنفس الشرط لا بالعقد صار الشرط، شرط النتيجة و لا يجوز للمشروط عليه فسخها، و ذلك لأنّه صار أمرا لازم الوفاء عليه بنفس العقد اللازم و في ضمنه، و كأنّه جزء منها فلا يجوز رفع اليد عنها و فسخها.

و لم يشترط عليه صرف الإنشاء حتى يتحقق

الوفاء بإجراء العقد، و إن فسخه بعده.

إيقاع المضاربة بعنوان الجعالة:

المضاربة من العقود، و الجعالة من الإيقاعات و من قال: من ردّ ضالتي فله كذا، فقد أنشأ الجعالة و إن لم يكن هناك قبول لفظا، نعم لو قام بردها يستحق الجعل، و في المقام لو قال: «إذا اتّجرت بهذا المال، و حصل ربح فلك نصفه» يكون جعالة تفيد فائدة المضاربة، و الداعي إلى هذا النوع من الجعالة، أنّه يغتفر ما لا يغتفر في غيرها فلا يلزم أن تكون جامعة لشروط المضاربة، فلا تضر جهالة الجعل حسب الكمية ما لم ينجرّ إلى الغرور.

غير أنّ الذي صدّ البعض عن تصحيح إيقاع المضاربة بعنوان الجعالة، هو أنّ المضاربة على خلاف القاعدة، لأنّ تمليك المعدوم (الربح) أمر على خلافها و ليس للإنسان أن يملّك غيره ما لا يملكه، خرج منها باب المزارعة و المساقاة لدليل شرعي و بقي الباقي تحت القاعدة «1».

______________________________

(1)- مستمسك العروة: 12/ 445، مباني العروة الوثقى: 3/ 210.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 190

يلاحظ عليه: لو كان الميزان في كون العقد على وفاق القاعدة أو خلافها، هو حكم العقلاء، فهم مطبقون على الصحة في العقود الثلاثة من دون أن يخطر ببالهم أنّه من قبيل تمليك المعدوم الذي أطبقوا على عدم صحّته و لكن غير المعقول عندهم هو غير الموجود فعلا و لا قوة، و أمّا المضاربة و أخواتها فهي من قبيل تمليك ما يراه العرف موجودا في ظرفه لوجود المقتضى و هو المال، و الأرض و الشجر، و تخلّفه في بعض الموارد، لا يضر بالأحكام العقلائية المبنية على الاطمئنان، و الحاصل أنّ وجود المقتضي للشي ء يكفي في تمليكه بينهم، و على ضوء ذلك تصحّ المضاربة بالجعالة، على

أنّ التمليك في هذه الموارد من قبيل التمليك المشروط لبّا. و إن كان مطلقا لفظا.

اتّجار الأب و الجد بمال المولّى عليه:

يجوز للأب و الجد، الاتّجار بمال المولّى عليه و من أنواعه، المضاربة، سواء كان العامل هو الأب و الجد، أو الغير. من غير فرق في الأوّل بين كونها بالعقد أو بالمعاطاة و إلى القسمين أشار السيد الطباطبائي بقوله: «بإيقاع عقدها بل مع عدمه أيضا بأن يكون بمجرّد الإذن منهما» «1» أي بمجرد القصد، و لعلّ المقصود من الإذن هو القصد و لو عبر به لكان أحسن و وجوه الصحّة هو عموم ولايتهما على مال المولّى عليه و المسألة مورد اتّفاق.

و كما يجوز للأب و الجد المضاربة بمال المولّى عليه إمّا بنفسه، أو بغيره، يجوز ذلك للوصي إمّا بنفسه بأن يكون هو العامل أو بغيره بأن يتّخذ عاملا و يجري العقد معه إذا كانت فيه غبطة المولى عليه.

______________________________

(1)- العروة الوثقى: كتاب المضاربة: قسم الخاتمة. المسألة التاسعة.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 191

في إيصاء الأب و الجد بالمضاربة بمال المولّى عليه:

اشارة

الفرق بين المسألتين واضح جدّا فإنّ القائم بالمضاربة في السابقة إمّا الأب و الجد لأجل الولاية، أو الوصي لأجل الوصاية التوأمة مع المصلحة و الغبطة، و أمّا المقام فالولي يوصي بالمضاربة بالمال. و له صور نذكرها إجمالا لتحصل الإحاطة بها «1».

و إليك صور المسألة:

1- الإيصاء بمال المولّى عليه الموجود أو ما يرثه:

إنّ الإيصاء في مورد المولّى عليه تارة يتعلّق بالمال الموجود له، كما إذا ورثه من أمّه أو وهبه شخص أو غير ذلك، أو بالمال الذي يرثه من جانب الوليّ، و على كلا التقديرين فتارة ينتهي أمد الوصاية ببلوغ المولّى عليه، أو يعم ما بعد البلوغ و على جميع التقادير، تارة يتعلّق الإيصاء بإجراء عقد المضاربة، و أخرى بالاتّجار بماله، الذي يعبّر عن الأوّل بشرط الفعل و عن الآخر، بشرط النتيجة.

ثم المضارب على جميع التقادير إمّا أن يكون نفس الموصي أو غيره، و الإيصاء تارة يكون مع تعيين الحصة من الربح، و أخرى مع إيكاله إلى غيره، هذه هي الصور المتصورة في الإيصاء بمال المولّى عليه و إذا ضربنا بعضها في بعض، ربّما تبلغ اثنتين و ثلاثين صورة.

2- الإيصاء بالمال الذي يرثه الكبير:

إنّ الايصاء بمال الكبير الذي يرثه منه، تارة يكون بشكل الإيصاء بعقد المضاربة، و أخرى بالاتّجار و الفرق بينهما عند السيد الطباطبائي و غيره، أنّ

______________________________

(1)- و المسألة معنونة في الجواهر في كتاب الوصية: 28/ 294- 298.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 192

الموصى به في الأوّل هو إنشاء عقد المضاربة وحده أو تطبيق العمل عليه كما هو الحق، من عدم الفائدة في صرف الإنشاء، و على كلّ حال يجوز للكبير فسخه، كلّما أراد، و لكن الموصى به في الثاني شرط النتيجة أي كون حصة الكبير، مال المضاربة بنفس الوصية و هو غير قابل للفسخ إذ ليس من قبيل العقود و الإنشاءات.

3- الإيصاء بالنسبة إلى الثلث المعزول:

إنّ الإيصاء يتعلّق ثالثة بالثلث المعزول لنفسه بأن يتّجر الوصي به أو يدفعه إلى غيره مضاربة و تصرف حصة الميت في المضارب المعينة للثلث.

هذه هي صور المسألة الثلاث و شقوقها المختلفة، و لنأخذ بالبحث عن الصورة الأولى ثم الباقية.

أمّا الصورة الأولى: فيقع الكلام في مقامين:

الأوّل: الإيصاء بالمال الموجود للمولّى عليه فهل تنفذ الوصاية أو لا؟ و قد ذكر المحقق الخوئي في وجه نفوذها وجهين:

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1416 ه ق نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ص: 192

الوجه الأوّل: شمول دليل الولاية له بدعوى أنّه غير مختص بتصرفاته في حياته و عمومه لما يكون متأخرا عن وفاته أيضا.

الوجه الثاني: إطلاقات أدلّة نفوذ الوصاية و دعوى شمولها لإيصائهما بالاتّجار بمال الصبي بعد موتهما فإنّ مقتضاها صحّة مثل هذه الوصية و نفوذها.

ثم رجّح أنّ مستنده عند السيد الطباطبائي هو الثاني بشهادة أنّه لم يخص الحكم بالصغار بل

عمّمه للكبار أيضا.

أقول: سواء أصح الاستظهار أم لا، إنّ مستند نفوذ الوصية هما الأمران لا واحد منهما إذ لو لا الولاية للمال، و اعمالها من طريق الوصاية، لما كان للوصية معنى محصل فالوصاية المعتمدة على الولاية، هو السبب لنفوذها و صحّتها في مال الغير.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 193

لا شك أنّه لهما الولاية في حال الحياة، و لا ولاية لهما بعد الموت و مع الاعتراف بهذين الأمرين، نقول: إنّ الولاية في حال الحياة، هي المسوّغة، لأن يوصيا في المال الذي فوّض أمره إليه فإنّ له التقلّب فيه في حال الحياة، بأنواعه و منها التقلّب فيه بالوصاية، و إن كان أثرها ظاهرا بعد الحياة.

و بالجملة: أنّ الولاية في برهة من الزمن تصحح جميع التصرفات الشرعية في المال و منها الوصية بالمضاربة بعده، فقد صدرت من أهلها و وقع في محلها، و بذلك يظهر ضعف ما يقال، من أنّ الولاية تنقطع بالموت فإنّ انقطاعها بالموت، غير نفوذ الوصاية النابعة من الولاية في حال الحياة. و إن امتدّ النفوذ إلى ما بعد الحياة و هذا نظير، عقد الولي للصغير أو الصغيرة لأجل الولاية، فيصح و إن مات العاقد الولي.

ثم إنّ المحقق الخوئي استشكل في صحّة الوصية قائلا بأنّه لا يوجد في أدلّة الوصية إطلاق يشمل الوصية التي لا ترجع إلى الميت و أمواله، فإنّها و بأجمعها واردة في الوصايا الراجعة إلى الميت نفسه و أمواله، و من هنا لا تنفذ إلّا في الثلث مما يملك، و أمّا الزائد عنه فهو وصية في مال الغير- على ما دلت عليه النصوص- «1».

يلاحظ عليه: أنّ الوصاية أمر عرفي، و ليس بأمر تعبّدي، و مصححها عندهم أن يتعلّق بنفسه

أو بماله، أو ما له الولاية عليه عند الإيصاء، لأجل تفويض أمر تدبيره إليه. و يكفي هذا في صحتها عند العقلاء، و لأجل كونه أمرا عرفيا، نرى أنّ عبد المطلب أوصى عند الوفاة بما يرجع إلى ولده محمد الأمين صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ما هذا إلّا لأنّ الوصية تطلب لنفسها مسوغا عرفيا، بأن لا يكون موردها أمرا أجنبيا عن الموصي حتى أنّ الإمام- عليه السلام- اعتمد في تصحيح المضاربة على إذن الولي و إيصائه. كما سيوافيك بيانه بعد الفراغ من المقام الثاني.

______________________________

(1)- مستند العروة: 3/ 213.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 194

و أمّا المقام الثاني: أي الإيصاء في المال الذي يرثه الصغير عن الوصي، فيوصى فيه بالمضاربة مع تعيّن الحصة أو عدمها، يتولاها الوصي أو غيره، فقد أورد عليه بوجهين:

1- ما ذكره السيد الطباطبائي في المتن من أنّ الصغير لا مال له حينه و إنّما ينتقل إليه بعد الموت، مع أنّه يشترط في المضاربة وجود المال فلا تصحّ المضاربة على مال لا يملكه.

يلاحظ عليه: أنّ توقّف المضاربة على وجود المال، غير توقف صحّة الوصية على المال، و يكفي في الثانية، وجود المقتضي و عدم كون الوصية أمرا لغوا، و المفروض أنّ المال موجود عند القيام بالمضاربة.

2- ما ذكره السيد الحكيم: من أنّ تعليق المنشأ بالموت يصح في موردين:

أ- الوصية التمليكية: كإيصائه بأنّه ملك لزيد بعد وفاتي.

ب- الوصية التعهدية: كالإيصاء بصرف الثلث في كذا.

و أمّا غيرهما، فلا تصح لبطلان تعليق المنشأ على الموت فلا يصح في باب الوقف و البيع، و الإبراء فلا يصح أن يقول: هذا وقف بعد وفاتي، أو بعتك بعد مماتي، أو أنت بري ء عمّالي عليك بعد

وفاتي، و على هذا لا يصح أن يقول: أوصيك بالمضاربة بهذا المال بعد وفاتي.

يلاحظ عليه: أنّ المنشأ المعلّق على الموت، غير منحصر بما ذكره، فإنّ التدبير من قبيل تحرير الملك المعلق على الموت حيث يقول: «أنت حرّ بعد وفاتي» و مثله ما لو أوصى بعتق مملوكه و كان لا يستوعب ثلث ماله، و مثله الوصية بالولاية على كل من للموصي، عليه ولاية شرعية، بحيث يصحّ الإيصاء لها كالولد و إن نزلوا بشرط الصغر أو البلوغ مع عدم الكمال. نعم لا يصحّ الإيصاء بالولاية على أولاده

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 195

الكبار العقلاء «1».

فالمنشأ المعلّق على فوت المنشئ لا ينحصر بما ذكره و ما ذكرناه. و أمّا عدم الصحة في ما ذكر من الأمثلة الثلاثة فإنّها ليست متعارفة عند العرف و إلّا لم يكن مانع عن صحتها.

إلى هنا تبيّن أنّ الإيصاء في كلا المقامين ليس على خلاف القاعدة و تكون الروايتان: الموثقة و الصحيحة، واردتين على وفاقها. كما لا يخفى.

نعم من زعم أنّ الصحة على خلافها، صحّح الإيصاء بالأثر الوارد و إليك نصّ الروايتين:

1- معتبرة محمد بن مسلم التي رواها الكليني، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحسن بن الفضال الفطحي الثقة، عن الحسن بن علي بن يوسف الثقة، عن مثنى بن الوليد الممدوح، عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- أنّه سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده و بمال لهم، و أذن له عند الوصية أن يعمل بالمال و أن يكون الربح بينه و بينهم؟ فقال: «لا بأس به من أجل أنّ أباه قد أذن له في ذلك و هو حيّ» «2».

و أمّا الحسن بن

عليّ بن يوسف، فهو الذي عنونه النجاشي في رجاله ب «الحسن بن علي بن بقاح: كوفيّ ثقة مشهور صحيح الحديث، روى عن أصحاب أبي عبد اللّه، له كتاب نوادر» «3» و ترجمه الشيخ في فهرسته ب «الحسن بن علي بن يوسف المعروف بابن بقاح» «4» و وصفه النجاشي ب «ابن يوسف» في ترجمة الحسن

______________________________

(1)- الجواهر: 28/ 438.

(2)- الوسائل: 13، الباب 92 من أحكام الوصايا، الحديث 1.

(3)- رجال النجاشي: برقم 81.

(4)- فهرست الشيخ برقم 756.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 196

ابن علي بن يقطين «1».

و من هنا يعلم، ما في نسخ الوسائل من جعل كلمة يونس مكان «يوسف» نسخة البدل، في غير محلّه، لعدم عنوان لعليّ بن الحسن بن يونس في كتب الرجال.

و أمّا مثنى بن الوليد فقد ذكره الكشي في رجاله و قال: «لا بأس به» «2». و بهذا يظهر أنّ الرواية ليست موثقة لعدم ورود توثيق في حق المثنى، حتى تصير الرواية موثقة لأجل وجود فطحي في الرواية و لأجل ذلك عبرنا عنه بالمعتبرة، و قد أوعزنا سابقا أنّ الإمام صحّح الوصية من باب أنّ الأب قد أذن له في ذلك و هو حيّ، و المراد أوصى بذلك كما لا يخفى.

2- خبر خالد بن بكير الطويل، قال: دعاني أبي حين حضرته الوفاة فقال:

يا بني اقبض مال إخوتك الصغار و اعمل به، و خذ نصف الربح و أعطهم النصف، و ليس عليك ضمان، فقدّمتني أمّ ولد أبي بعد وفاة أبي إلى ابن أبي ليلى، فقالت: إن هذا يأكل أموال ولدي، قال: فاقتصصت عليه ما أمرني به أبي، فقال لي ابن أبي ليلى: إن كان أبوك أمرك بالباطل لم أجزه، ثم أشهد عليّ

ابن أبي ليلى إن أنا حرّكته فأنا له ضامن، فدخلت على أبي عبد اللّه- عليه السلام- فقصصت عليه قصّتي، ثم قلت له: ما ترى؟ فقال: «أمّا قول ابن أبي ليلى فلا أستطيع ردّه، و أمّا فيما بينك و بين اللّه عزّ و جلّ فليس عليك ضمان» «3».

و أمّا خالد، فقد ورد في الفقيه: «خالد الطويل» كما ورد في نوادر وصية الكافي و زيادات وصية التهذيب خالد بن بكر الطويل «4» و في الوسائل «بكير»

______________________________

(1)- رجال النجاشي برقم 90.

(2)- رجال الكشي: 287.

(3)- الوسائل: 13، الباب 92 من أبواب كتاب الوصايا، الحديث 1.

(4)- قاموس الرجال: 4/ 130، برقم 2568.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 197

مكان «بكر». و لعلّه تصحيف، و على كل تقدير فقد حكم العلامة المامقاني أنّه متّحد مع خالد بن أبي إسماعيل الثقة و لم يذكر دليلا على الوحدة. و لأجل ذلك أصبحت الرواية خبرا، لكن يلوح عليه أثر الصدق و كلّ يؤيد الآخر.

و لا ظهور لهما في أحد القسمين، أي تعلّق الوصية بالمال الموجود، أو بما يرثه و إن كان ربّما يستظهر من خبر خالد، تعلّقها بما يرثه من أموال الميت و لعلّ إطلاقهما لا ينكر و لو ثبت ظهوره فيما يرث لثبت الحكم في الوصية بالمال الموجود بوجه أولى.

ثم إن كانت الوصية مغياة بالبلوغ فلا إشكال و إن كانت تشمل ما بعد البلوغ ففي صحتها وجوه:

من قول بالجواز، إلى آخر بالمنع إلى ثالث بالتفصيل بين كون الموصى به إيقاع عقد المضاربة، على نحو شرط الفعل فيجوز، أو كونه الاتّجار بالمال على نحو شرط النتيجة على نحو يكون المال بنفس هذا الشرط مال المضاربة، و الوصيّ مضاربا و عاملا فلا يجوز

وجوه، و الأخير للسيد الطباطبائي قال: كما أنّ الحال كذلك (يجوز الإيصاء بالمضاربة) بالنسبة إلى ما بعد البلوغ في القصير فإنّ له أن يفسخ أو يجيز، و كذا يجوز لها الإيصاء بالاتجار بمال القصير على نحو المضاربة بأن يكون هو الموصى به لا إيقاع عقد المضاربة لكن إلى زمان البلوغ أو أقلّ، و أمّا إذا جعلت المدة أزيد فيحتاج إلى الإجازة بالنسبة إلى الزائد.

يلاحظ عليه: أنّه لا فرق بين الصورتين (الإيصاء بالعقد، و الإيصاء بالتجارة) في الصحة قبل البلوغ و الفضولية بعده و الحاجة إلى الإجازة، لا «أنّ الأوّل صحيح مطلقا، اختصّ بما قبل البلوغ أو عمّ بعده أيضا، و الثاني صحيح إذا اختص بما قبله و فضولي إذا عمّ بعده».

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 198

و ذلك لأنّ الإيصاء إذا كان غير ضرري و موافقا للغبطة، فالإيصاء بكلا شقّيه بالنسبة إلى ما قبله و ما بعده صحيح لا فضولي، و إن كان ضرريا بالنسبة إلى ما بعده فهو فضولي، في الإيصاء بالعقد، و الإيصاء بالتجارة.

و كون الخيار بيد الصغير بعد البلوغ، لا يخرج العقد عن الفضولية إذا كان ضرريا فإنّ ولاية الأب و الجد، محدّدة بما فيه المصلحة أو عدم المفسدة ففي مورد الضرر لا مقتضى للصحة، حتى يعالج الضرر بالتمكّن.

و الحق، صحّة الإيصاء بالعقد و التجارة، لما قبل البلوغ و ما بعده، غاية الأمر إذا لم يكن ضرريا و مع الضرر يكون للوارث فسخه و ردّه بلا فرق بين الإيصاءين.

الصورة الثانية:

الإيصاء بحصة الكبار، فقد جوّزه السيد و قال: و لا يضرّ كونه ضررا عليهم من حيث تعطيل مالهم إلى مدّة لأنّه منجبر بكون الاختيار لهم في فسخ المضاربة و إجازتها.

و لكن

الحق عدم صحة الإيصاء، لما عرفت من أنّ الوصية أمر عرفي يتعلّق بالإنسان و أمواله و ما له عليهم ولاية، و أمّا البالغون الكبار، الذين ليس لهم أية ولاية، فالإيصاء في حصتهم، إيصاء في مال الأجنبي، و هو بفقد المقتضي أشبه.

و أمّا الإيصاء بالثلث المعزول فلا شك في صحته و نفوذه و هو واضح.

و لا يخفى أنّ المسألة معنونة في كتاب الوصية و التفصيل موكول إلى ذلك الكتاب.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 199

اشتراط عدم كون الربح جابرا:

هل للعامل أن يشترط على المالك عدم كون الربح جابرا للخسران مطلقا فإذا حصل الربح فهو بينهما و إن حصل خسران بعده، أو قبله؟ و بعبارة أخرى أن لا يكون له الربح اللاحق جابرا للخسران السابق أو بالعكس فمن زعم أنّه على خلاف مقتضى المضاربة، جعله باطلا، و ببطلانه تبطل أصل المضاربة لأنّ الربح لا يصدق، مع تقدّم الخسران، أو تأخرها. و أمّا على ما اخترناه من أنّ قوام المضاربة، هو اشتراط كون رأس المال من المالك و الربح بينهما، و أمّا ما عداه فهو من مقتضيات إطلاق المضاربة، دون نفسها، فيصح الشرط.

أضف إلى ذلك أنّه إنّما يتمّ إذا جعل مجموع المعاملات، مضاربة واحدة و أمّا على فرض استقلال كلّ معاملة بالمضاربة، فالشرط لا غبار عليه.

مخالفة العامل مع ما رسمه المالك:

لو خالف العامل، مع ما رسمه المالك جهلا أو نسيانا أو اشتباها كما لو قال: لا تشتر الجنس الفلاني أو لا تشتر من الشخص الفلاني، و هو خالفه جهلا أو نسيانا، فهل المعاملة فضولية موقوفة على إجازة المالك أو لا؟

الظاهر لا، لما عرفت من أنّ الشروط على قسمين: قسم يكون مقوّما للمضاربة بحيث لو خالف لارتفع الإذن، و قسم يكون لأجل صيانة رأس المال، فمخالفة ذلك لا يجعل المعاملة فضولية، لبقاء الإذن و قد تضافرت الروايات بذلك. و العجب عن السيد الطباطبائي، أنّه أفتى بوقوع المعاملة فضولية، و منه

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 200

يظهر ما إذا خالف منصرف الإطلاق فإنّه لا يزيد عن النهي.

كما يظهر الحال إذا كان مخطئا في طريقة التجارة، خصوصا إذا كان الخطأ أمرا متعارفا حتى و لو لم يكن فإنّه لا يزيد عن النهي.

نعم ليس له اشتراء ما لا منفعة فيه

عمدا أو ما فيه المضرّة، كاشتراء من ينعتق عليه، فإنّه باطل لعدم وجود الإذن من أصل.

إذا اشترى نسيئة فهلك المال:

إذا أذن المالك للعامل في البيع و الشراء، فاشترى نسيئة و باع كذلك، فهلك المال؟ فقال السيد الطباطبائي: «الدين في ذمّة المالك و للديّان إذا علم بالحال أو تبيّن له بعد ذلك، الرجوع على كل منهما» «1».

يلاحظ عليه: أنّ المضاربة من قبيل شركة المال و العمل، فالشراء و البيع يقع للجهة. و المسئول عنها ظاهرا أمام الناس هو العامل و الناس يتعاملون معه و ربما لا يعرفون المضارب فليس لهم إلّا الرجوع إلى العامل، غير أنّ المالك حسب عقد المضاربة، و الرضا بالنسيئة تقبّل الخسارة و الوضيعة المتعلقة بالمال، فيجب عليه الخروج عن عهدة ما خسرته التجارة بهلاك المال و غيره فيرجع العامل إلى المالك.

و ما ذكره السيد و أمضاه المعلّقون مبني على كون العامل وكيلا عن الموكل في الشراء و البيع له و لو صح ذلك، لما كان هناك معنى للرجوع إلى الوكيل الذي يعمل بأمر الموكل، و جهل الناس بحقيقة الحال، لا يوجب كونه ضامنا فالحق أنّ الضامن أمام الناس هو العامل و هو يرجع إلى المالك حسب عقد المضاربة مضافا إلى أنّ للشركة شخصية حقوقية كما قلنا سابقا.

______________________________

(1)- العروة الوثقى: المسألة 17 من المسائل الختامية.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 201

كراهية المضاربة مع الذّمي:

يكره المضاربة مع الذمّي، بمعنى اتّخاذه عاملا و ورد النصّ «1» به و لعلّه لأجل عدم احترازه عن الحرام، و بما أنّ النهي إرشادي و ليس بمولوي، تصح المعاملة مع الذمي قطعا خصوصا إذا علمنا احترازه عن الحرام، و لأجل كونه إرشاديا يصح التعدّي منه إلى كل من لا يؤمن منه في معاملاته من الاحتراز عن الحرام.

إذا جعل رأس المال كلّيا ثم عيّنه في فرد:

قد عرفت أنّ من شرائط رأس المال أن يكون عينا، فهل المراد منه كونه مشخّصا قبل المضاربة أو يكفي إيقاع العقد على كلّي ثم تعيينه في فرد؟ فالسيد الطباطبائي على الجواز، و عدّة من المحشّين على المنع، و لكن الظاهر هو ما أفاده السيد، لما عرفت من أنّه لا دليل على هذا الشرط سوى الإجماع المنقول، و لأجل ذلك قال الأردبيلي: «فلو لا الإجماع في اشتراط كونه غير دين لأمكن القول بعدمه» «2» و القدر المتيقن من كلماته هو الدين و يؤيده موثقة السكوني «3» لو عملنا بها.

و أمّا الإيقاع على الوجه الكلّي ثم دفع الصك إليه ليأخذ من البنك، فلا يشمله الإجماع و لا الموثقة.

و أمّا التمسّك بعدم صدق عنوان إعطاء المال له، عليه «4» فهو كما ترى.

______________________________

(1)- الوسائل: 13، الباب 2 من أبواب أحكام الشركة الحديث 1 و 2.

(2)- مجمع الفائدة: 10/ 235.

(3)- الوسائل: 13، الباب 5 من أحكام المضاربة الحديث 1.

(4)- مستند العروة: 3/ 228، و لاحظ الحديث 11 من الباب 1 من أبواب المضاربة.

نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 202

و أمّا الموثقة فالمظنون أنّها ناظرة إلى وجود الفصل الطويل بين العقد، و الاقباض لأجل أنّ الدائن ربّما لا يستطيع على قضاء الدين و جعله رأس المال للمضاربة. و لأجل ذلك أمره الإمام

بالقبض ثم الدفع إليه و هذا بخلاف المقام، حيث إنّ الاقباض يتلو العقد بلا فصل.

و منه يظهر الحال في الكلي المعيّن لأنّ العرف يراه عينا في الخارج و إن كان حسب الدقة العقلية غير متعيّن فيه لتردّده و عدم تخصّصه بعد.

لو دفع النصف ثم دفع النصف الآخر:

لو ضاربه على ألف فدفع إليه نصفه فعامل به ثم دفع النصف الآخر فالظاهر جبران خسارة أحدهما بربح الآخر لأنّه مضاربة واحدة.

إنّما الكلام فيما لو ضاربه على خمسمائة فدفعها إليه و عامل بها و في أثناء التجارة زاده و دفع خمسمائة أخرى ففيه التفصيل، فإن دفعه بعنوان توسيع رأس المال و زيادته فحكمه حكم الصورة الأولى، يشتركان في الربح و الجبر و إن دفع بعنوان مضاربة مستقلة، فلكل ربحه و خسرانه.

تم الكلام إلى هنا بيد مؤلّفه الفقير إلى اللّه، جعفر ابن الفقيه محمد حسين السبحاني التبريزي، في شهر ذي العقدة الحرام من شهور عام 1414 ه ق.

و الحمد للّه أوّلا و آخرا

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.